عراقيون في زنازين الأسد: أرقام ومفقودون بلا أثر (5)

11 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

لا تتوفر لدى وزارتي العدل والداخلية السوريتين أي أعداد نهائية للمعتقلين العراقيين الذين عُثر على مستندات إعدامهم في سجون النظام السوري السابق، أو الذين أُطلق سراحهم فجر الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 عقب إسقاط بشار الأسد. لكن جميع من تحدثت معهم "العربي الجديد" من المسؤولين والمعنيين مُتفقون على أن العراقيين في زنازين الأسد هم "مئات"، وأن الجنسية العراقية هي الأولى بين الجنسيات العربية والأجنبية التي كان حملتها موجودين في سجون النظام السابق.

في التنقل بين سجن صيدنايا وفرع فلسطين وسجن المزّة العسكري، برزت عشرات من أسماء العراقيين الذين كانوا فيها، وفقاً لإفادات سبعة معتقلين سوريين، وعراقي، وآخر مصري، التقتهم "العربي الجديد" في دمشق وحلب. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة على الملف، أن دولاً عربية وأجنبية أرسلت وفوداً رسمية إلى دمشق للبحث عن مواطنيها والتحقق من مصيرهم، غير أن بغداد لم تُرسل أحداً لغاية الآن، فيما الحديث عن مئات المعتقلين العراقيين الذين دخلوا واختفوا في السجون الرئيسة لنظام بشار الأسد.

مهند حسنين الغندور: الجنسية العراقية كانت الأكثر في السجون من بين الجنسيات العربية والأجنبية

العراقية ثم الفلسطينية أكبر جنسيتي "سجن فرع فلسطين"

أحد الذين كانوا في زنازين الأسد قبل إسقاط النظام، وهو مهند حسنين الغندور، الذي حُرر من سجن فرع فلسطين، المعروف بالفرع 235، قال إنه كان مع عراقيين كثر في مهجعي 8 و11. وكان الغندور اعتُقل بداية الثورة السورية (2011)، بتهمة المشاركة في التظاهرات، و"الظهور في قناة الجزيرة الإخبارية"، وفقا للوائح الاتهام التي واجهها في السجن. وأضاف أن "الجنسية العراقية كانت الأكثر انتشاراً من بين الجنسيات العربية والأجنبية" داخل زنازين الأسد. أما الجنسيات الفلسطينية والمصرية والأردنية واللبنانية والسودانية، ثم التركية والجزائرية، فكانت تلي العراقية في عدد المعتقلين داخل "فرع فلسطين". وذكر الغندور عراقيين دخلوا معه السجن، بعضهم لا يُعرف غير اسمه، وآخرون يُعرفون بكنيتهم فقط، من بينهم أبو أحلام، خبّاز عراقي من أهل بغداد، اعتُقل في دمشق ثم أُعدم لاحقاً. وزيد، من بغداد، قدّر عمره بنحو 19 عاماً، أُعدم أيضاً، أما العراقي منير تيسير فياض، فقد توفي في إحدى جلسات التعذيب.

شرح الغندور الذي أجلس ابنه البكر خليل بجانبه خلال اللقاء، ما عانوه داخل زنازين الأسد. وقال إنه "كل أربعين يوما كانوا يُخرجوننا ساعة إلى الشمس، في الساحة العامة للسجن، يحلقون شعرنا، ويتركوننا تحت الشمس، وكنا نسمع من الاتجاه الثاني أصوات نساء وأطفال في القسم المخصّص للنساء". وأضاف أنّ "في يوم التشميس، كان بالإمكان تمييز أصوات أطفال بعمر أقل من أربع سنوات أو خمس، وأصوات أمهاتهم أيضاً، لكن الأصوات كانت تختفي في الأربعين يوماً التي تليها، ما يجعلنا نظن أن الأمهات أُعدمن أو نُقلن، ولا نعرف أين ذهبوا بهن".

قصة وفاء في صيدنايا

معتقل سابق في زنازين الأسد أيضاً تحدث لـ"العربي الجديد"، عن معتقلين عراقيين. زهير يوسف الزعبي، المُعتقل السابق في سجن صيدنايا، وهو من أهالي درعا، اعتُقل في 22 يناير/ كانون الثاني 2019، وبعد التحقيق معه، نُقل إلى سجن "فرع فلسطين"، وظل فيه سنوات. وكانت تهمته، على غرار باقي المعتقلين الآخرين، المشاركة في أنشطة ضد النظام. ذكر الزعبي عراقيين اثنين كانا معه في السجن، هادي حويجة العمر (1996)، ورائد عياش المطلك، الذي لديه ابنة كانوا يلقبونه باسمها، أبو رنا (1994)، وهو من قرية أبو حردوب في نينوى، ومن عشيرة العكيدات، وأودع في المهجع رقم 12. ورغم أن هادي العمر كان يُقدّم نفسه سورياً من دير الزور، ووالدته عراقية، لكنهم اعتبروه عراقياً. الزعبي، الذي كان يحمل الرقم 55 في سجنه، كشف أن لبنانياً كان معهم يُدعى علاء المولى، وأنجبت زوجته المعتقلة في قسم النساء ولداً خلال سجنها في زنازين الأسد. وعلم بذلك في يوم ترحيلهم من "فرع فلسطين" إلى سجن القابون، وسمحوا له بحمل ابنه ورؤيته في الباص، حيث نقلوهما، هو وزوجته، إلى سجن القابون، مقر الشرطة العسكرية.

نُقل هادي العمر ورائد المطلك إلى قسم "ب يمين"، المخصّص للأجانب، ويُقسّم إلى مهجعي 8 و10. وخلال جائحة كورونا بداية عام 2020، قال الزعبي إنه رآهما معاً في الساحة، حيث يخرج الجميع بيوم التشميس، والذي يسمّيه آخرون "يوم التنفس". ونُقل الرجلان، نهاية عام 2020، إلى سجن صيدنايا، بعد إحالتهما إلى "محكمة ميدانية"، كانت في السجن نفسه. معنى ذلك أنه حُكم عليهما بالإعدام، وفق الزعبي، وقد توفيا بالسل في السجن، عام 2021، وشاع الخبر عن قصة وفاء بينهما على لسان معتقل آخر، اسمه عبد الله الخيزران، قال إن رائد أصرّ على رعاية هادي بعد إصابته بالسل، وظل معه يعالجه ويرعاه في الزنزانة، رافضاً تركه بمفرده، لكنه أصيب أيضاً بالمرض، ونقلوهما إلى مستشفى تشرين، و"هناك علمنا أنهما ماتا". ذكر الزعبي اسم عراقي آخر في زنازين الأسد اسمه عمار قاسم، لكنه أكد عدم معرفة مصيره، حياً أم ميتاً.

إعدام عبد الرحمن بعد قلع عينه

الشاهد الآخر على الإعدامات داخل زنازين الأسد بحق عراقيين، معتقل سابق من أهالي بلدة السلمية، عدنان قدور السلمي، أكد أنه تعرّف إلى العراقي يوسف تحسين جاسم الراوي، من مواليد بداية التسعينات، من أهالي منطقة الزاب، وآخر اسمه عبد الرحمن الفهداوي، من مواليد 2002. اعتُقل الأول في الرقّة بتهمة بيع سيارات للأكراد السوريين (التعامل مع الأكراد)، وأُعدم في 2021، بعد سنة من دخوله سجن صيدنايا. أما الثاني، وكان لقبه في السجن أبو عوف، فقد قلعت إحدى عينيه بالتعذيب، في مهجع رقم 15، ثم جرى تحويله من "فرع فلسطين"، ثم إلى صيدنايا، وهناك أُعدم أيضاً.

وقال المعتقل السابق، وهو المصري سعيد إسماعيل السوسي، والدته سورية، ومقيم في جرمانا وأجري اللقاء معه في سجن "فرع فلسطين"، إنه كان يعرف عدة عراقيين، أحدهم من أهل ديالى اسمه أحمد العبيدي، وهو معتقل منذ عام 2007، ودخل السجن وعمره 35 سنة، ثم أُعدم وهو في عمر الـ49 سنة. وأضاف: "كان معنا عراقي آخر اسمه بشار حامد الدليمي، من أهل بغداد كما كان يقدّم نفسه، وعمره 30 عاماً، مع عراقي آخر اسمُه عمّار (أقل من 20 سنة)، نقلوهما من فرع فلسطين إلى مكان آخر، ولا نعرف مصيرهما". وأكّد السوسي أن 11 عراقياً كانوا معه في المهجع الذي يضم الأجانب، أحدهم اسمُه محمد هادي، متحدّثاً عن حفظ أرقام فقط للباقين، فالسجّانون في زنازين الأسد كانوا يتعاملون بالرقم لا بالاسم. وقال: "في يوم كسر بوابات السجن فجر الثامن من ديسمبر، خرج عراقيون كانوا معنا أيضاً، ولا نعرف مكانهم".

معتقلون عراقيون لم يبق أثر منهم سوى جوازات سفر وهويات مدنية

أسماء بذاكرة جدران زنازين الأسد

حصل بضعة عراقيين كانوا معتقلين في سجون النظام السوري السابق على الحرية يوم سقوطه، أما آخرون، فلا ذكر لهم، باستثناء جوازات سفر وهويات مدنية عراقية عُثر عليها في إدارات سجون صيدنايا وكفرسوسة والمزّة وفرع فلسطين، وسجن آخر يُعرف بالفرع 277 أو سجن الأمانات. محمود حسن دخيل الجغيفي، وليد حمد الله محمد الراوي، إبراهيم حسين المسلط، مثنى مالك عبد الكريم، غزوان أحمد المشهداني، محمد سويد علي المحلاوي، عمّار خلف سويد المحلاوي، إبراهيم علاء الدين، أحمد جاسم عليوي، حذيفة مؤيد مزهر، إلى جانب اسم سيدة عراقية، عثر على وثيقة سفر لها باسم هناء برّاك عبود.

وأسّس معتقلون سوريون ناجون من مسلخ نظام الأسد "رابطة معتقلي صيدنايا"، وأنشأوا مجموعة على تطبيق واتساب، للتواصل عبرها مع بعضهم البعض، فيما يكتب كل سجين فيها تجربته وأسماء من كانوا معه، ويبحثون عن أهلهم أو أي دليل يوصل إليهم. وقال المحامي السوري، أحمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن الجنسية العراقية كانت الأكثر حضوراً في زنازين الأسد ونظامه، لأسباب عديدة "أولها الجالية العراقية الكبيرة في سورية منذ 2003، وثانيها دخول العراقيين من سكّان الأنبار ونينوى تحديداً على خط دعم الثورة السورية منذ بدايتها، والعلاقات الاجتماعية التي تربط مواطني البلدين". وأضاف الحوراني أنه "لا يوجد عدد محدّد. لكن يُمكن القول إنهم مئات، غالبيتهم ماتوا بالإعدام أو بالمرض". أما محمد الأحمد، وهو عضو رابطة معتقلي صيدنايا ، فتحدث لـ"العربي الجديد"، عن بدء دول عديدة البحث عن مواطنيها منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، باستثناء العراق. وعزا ذلك إلى أسباب سياسية مرتبطة بالموقف العراقي الحكومي.

 

معتقل عراقي سابق: كان السائد هو التخلص من المعتقلين العراقيين بالإعدام على غرار السوريين

الاثنين الأسود كل أسبوع

معتقل عراقي وجد حريته من "فرع فلسطين" يوم سقوط النظام، تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، خوفاً على أهله في العراق، حسب قوله. واستخدم كنية أبو فاطمة العراقي التي كان معروفاً بها في سجن المزّة العسكري، ثم سجن "فرع فلسطين". قال إنه اعتُقل بتهمة "تخزين أناشيد" مؤيدة للثورة السورية وجدت في هاتفه داخل حاجز تفتيش عام 2013. ولفت إلى أن النظام كان "يُراعي المعتقلين من الدول التي قد يتمكّن من خلالهم فتح قنوات اتصال، أو الحصول على مكاسب ما، لكن بالنسبة للعراقيين، على اعتبار أن العلاقة مضمونة معها، فإن التخلص منهم بالإعدام على غرار السوريين، كان هو السائد". وكان أبو فاطمة العراقي يتوقع سحبه من المهجع لتنفيذ الحكم في أي وقت، لولا سقوط النظام وخروجه من السجن.

أورد أبو فاطمة أسماء عراقيين آخرين، مثل، محمد الدندل، ويوسف الدليمي، وعمر ديالى، وجمال العاني، ومحمد جيجان، قال إنهم أُعدموا عام 2022، مضيفاً أن "من يسحبونه فجر يوم الاثنين من كل أسبوع، يعني أنه تقرّر إعدامه". وفي المهجع رقم 8 كان هناك 29 سجيناً عربياً لم يتبق غير 12 منهم، قال إنه عرف ذلك، من الإحصاء الصباحي للسجناء باليوم التالي، ومن سحب ملابسهم وحاجياتهم التي تركوها خلفهم. وقرّر أبو فاطمة العيش في سورية، وعدم العودة إلى العراق، مؤكّداً أن والدته المُسنة جاء بها خاله عبر لبنان لرؤيته بعدما تواصل معها في الساعات الأولى لسقوط نظام الأسد، وفكاكه من السجن. إلى ما سبق كله، لا أرشفة إلكترونية لسجون النظام في وزارتي العدل والداخلية بإدارتيهما الجديدتين، ممن دخل إليها وخرج حياً، وممن توفي بالتعذيب أو أُعدم. وقال مسؤولان في الوزارتين لـ"العربي الجديد"، إن لا شيء لديهما محدّدا وجاهزا عن العراقيين أو الأجانب الذين قضوا في سجون الأسد، يمكن تقديمه حالياً، لكن أحدهما ذكر أن "أكثر العرب في السجون عراقيون، يليهم الفلسطينيون". وأكد أن العمل متواصل لتوثيق حقبة النظام وفظائعه، والخطوة الأولى كانت بجمع الأرشيف المتمثل بالأوراق والملفات ووضعها تحت اليد.

مختار الموسوي: لا توجد معلومات عند الجانب العراقي بشأن أعداد الذين كانوا معتقلين في سجون الأسد

من جهته، أوضح عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد معلومات عند الجانب العراقي، بشأن أعداد الذين كانوا معتقلين في سجون الأسد وظروف اعتقالهم ومصيرهم". عيسى عبد الله، من أهالي بلدة زمار غربي محافظة نينوى، عراقي كردي أعلنت أسرته العثور عليه في سجن صيدنايا بعد اختفائه عشر سنوات، إذ خرج يوم سقوط نظام الأسد، من أحد سجونه. أظهرت هذه الحادثة أن عراقيين عادوا فعلاً إلى بلادهم بصمت ومن دون أن تلاحظهم السلطة، خصوصاً في مناطق إقليم كردستان شمالي البلاد، وآخرين فضّلوا البقاء داخل سورية على العودة خوفاً من مصير غامض ينتظرهم حال عودتهم.

محمد الراوي: عراقيون كثر سافروا إلى سورية بحثاً عن أي خيط يوصل إلى أبنائهم المفقودين

في هذا الصدد قال الحقوقي العراقي، محمد الراوي، لـ"العربي الجديد"، إن معتقلاً آخر من أهالي حديثة، غربي الأنبار اتصل بأهله وأبلغهم بأنه حي وخرج من سجون النظام. وأضاف أن "أغلبية الأحياء الذين خرجوا من سجون النظام السوري، فضّلوا البقاء وعدم الاستعجال بالعودة، تحسّباً لاعتماد التهمة نفسها التي كانوا يواجهونها عند نظام الأسد، وأن يُعتقلوا على أساسها". وأفاد بأن "عراقيين كثيرين سافروا إلى سورية بحثاً عن أي خيط يوصل إلى أبنائهم المفقودين في السجون السورية التابعة للنظام المخلوع، لكن الحكومة أو الأجهزة الأمنية والخارجية لا تعير أي اهتمام بالموضوع، على خلاف كل الدول الأخرى".

Read Entire Article