ARTICLE AD BOX

<p>للقصف الليلي آثار نفسية وخيمة على سكان غزة وأطفالهم الصغار (أ ف ب)</p>
بعد منتصف الليل، صحا نصار من نومه فزعاً على وقع زخات من الرصاص تصطدم بجدار منزله، وقبل أن تمر دقيقة واحدة بدأت انفجارات عنيفة تهز جدران وأساسات البيت.
نهض نصار من سريره وحاول الاقتراب من النافذة، لكن ارتطام الأعيرة النارية بالجدران أثناه عن ذلك فتراجع قليلاً، وإذ بالطائرات الإسرائيلية المقاتلة تفرض حزاماً نارية عنيفاً فصرخ الصغار خوفاً ورعباً.
كان الظلام وصراخ الأطفال يعمان أرجاء منزل نصار، بسرعة أضاء مصباح هاتفه وجلس إلى جانب أولاده يطمئنهم من دون جدوى، فالانفجارات يعلو صوتها أكثر وكأنها تقترب رويداً رويداً من هذه العائلة.
بلهجته العامية يقول نصار "إجا الليل، وإجا همه". يتأفف الأب ويكمل "متى ينتهي هذا العذاب؟ لا تمر ليلة من دون قصف ونسف وانفجارات عالية ترعبنا وتؤرق ليلنا وتنسينا النوم وتخيف أطفالنا، ليتهم يلقون علينا قنبلة نووية لنرتاح".
ويضيف نصار أن "إسرائيل كثفت خلال الأيام الأخيرة من عمليات القصف أثناء الليل، وباتت أصوات الانفجارات أقوى كثيراً، حتى إن عمليات نسف المباني في حيي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة خلعت بعض نوافذ منزله الذي يبعد أكثر من ستة كيلومترات".
"عربات جدعون"
ليلة أمس بدأت إسرائيل عملية قصف مكثف لغزة وحركت قواتها البرية في مناطق جديدة داخل القطاع، إذ وسعت تل أبيب عملياتها العسكرية عبر قصف جوي ومدفعي، وبدأت الانفجارات في ساعات الليل الأولى واستمرت تهز بيوت الغزيين حتى شروق الشمس.
يقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي إن "تكثيف الهجوم الليلة الماضية على غزة يأتي ضمن مراحل بداية حملة ’عربات جدعون‘ وتوسيع المعركة في القطاع"، وبعد هذا الحديث لم تهدأ الطائرات والمدفعية عن قصف غزة، وخلفت 260 قتيلاً في ساعات الليل فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ بداية الحرب تفضل إسرائيل قصف قطاع غزة في ساعات الليل وكأنها تفضل ذلك التوقيت للعمليات العسكرية وتوسيع الهجوم، بما لذلك من انعكاسات على الغزيين الذين تحول أصوات الانفجارات ليلهم إلى ساعات رعب متصلة.
شعر سائد باهتزاز بيته وكأن زلزالاً ضربه، وبعد ثوانٍ سمع صوت انفجار ضخم، ويقول "هذه ارتدادات عمليات نسف المنازل في شرق مدينة غزة، فعلى رغم بعد المسافة فإننا نشعر بالاهتزازات خلال ساعات الليل، إذ يكثر الجيش من عملياته العسكرية".
وكلما تغفو عين سائد يسمع صوت انفجارات متتالية قوية تقلق نومه وتزعج نفسيته، "في الليل فقط يحلو للجيش شن غارات كثيفة، ولا يتوقف الجندي الذي يقف إلى جانب المدفعية عن القصف، والأبشع أزيز طائرات الاستطلاع التي تحلق على ارتفاع منخفض، هذا رعب، لا يستطيع أي إنسان أن ينام وسط هذه الأجواء".
ويضيف "ما إن يحل الليل ويخيم الظلام على غزة، يبدأ دوي الانفجارات العنيفة والقصف الصاروخي بالانهمار، إسرائيل اعتادت أن تبدأ حربها على القطاع ليلاً حتى تثير الرعب والخوف والهلع في النفوس، نشعر من شدة الانفجارات بأن المنازل ستنهار فوق رؤوسنا".
أطفال الانفجارات
عبر الهاتف أجرينا اتصالاً مع ريتال، تقول "الوضع الآن أشبه بفيلم رعب ولكنه حقيقي، عتمة شديدة وقصف مدفعي من الدبابات، وغارات جوية وشظايا تتطاير، ليل مدينة غزة معجون بالقلق والخوف، في غزة لا يغفو أحد".
وتضيف "لا توجد ليلة هادئة منذ بداية الحرب، لكن هذه الليلة، عندما بدأت عملية ’عربات جدعون‘، كانت مشتعلة بالنار". وتوقفت ريتال عن الحديث فجأة وسمعنا صوت بكاء وصراخ أطفال، مرت ثلاث دقائق ثم عادت السيدة لمواصلة المكالمة، اعتذرت وقالت "إنهم صغاري خائفين".
وتواصل ريتال حديثها "أضع حجراً على قلبي حتى لا أظهر أمام صغاري بأنني أخاف من الليل أكثر منهم، هؤلاء الأطفال خائفون وأنا مثلهم مرعوبة، كل ليلة يستيقظ أطفالي مرات مرعوبين مع كل غارة إسرائيلية".
وتلاحظ ريتال على صغارها شيئاً ما، فتقول "أصبحوا يفرقون في عتمة الليل بين أصوات القذائف، فهذا صاروخ طائرة ’أف 16‘، وهذا صاروخ طائرة زنانة، وهذه قذيفة مدفعية، في بعض الأحيان أشعر بأن ذلك ظريف، وكثيراً ما يقلقني على المستوى الذي وصل إليه الأطفال في غزة".
في الليل وصل إلى عمر خبر قصف منزل ابنته، وقف الرجل يراقب من النافذة ألسنة الدخان المنبعثة من مختلف أنحاء غزة، وهو يحاول الاتصال بابنته مرة وبزوجها أخرى، يقول "بدأت ليالي ’عربات جدعون‘، إنها صعبة، لم تتوقف الأحزمة النارية، ولا إطلاق النار من الآليات والطائرات المروحية".
وبعدما فشل في الاتصال بابنته، جلس على الكرسي يفكر في بيته المتضرر بفعل الحرب، ويضيف "منزلي مصنف بأنه غير صالح للسكن، ولا أستبعد أن ينهار بسبب التفجيرات القوية، أشعر وكأن زلزالاً يهزه من شدة القصف".
ليس الخوف وحده ما تريده إسرائيل من قصف غزة ليلاً، يقول مدير وزارة الصحة منير البرش إن "الجيش الإسرائيلي يتعمد قصف المدنيين في أوقات متأخرة من الليل كي لا يستطيع أحد إنقاذهم".
وهناك أيضاً أهداف عسكرية، يقول الباحث الأمني أمين بخيت "تكثيف العمليات العسكرية ليلاً يرهق عناصر الفصائل المسلحة، ولهذا تتعمد تل أبيب تركيز القصف في العتمة، الجيش يمتلك أجهزة إضاءة قادرة على خوض المعركة في الظلام من دون أية عقبات".