ARTICLE AD BOX
يقف الاتحاد الأوروبي على أعتاب أزمة زراعية وغذائية محتملة، جراء إصراره على تنفيذ خطة لفرض رسوم جمركية متصاعدة تبلغ ذروتها بحظر شبه كامل على استيراد الأسمدة من روسيا وبيلاروسيا، على خلفية العقوبات. القرار الذي حظي بموافقة البرلمان الأوروبي ولجنة التجارة الخارجية وينتظر مصادقة مجلس الاتحاد الأوروبي، يهدف إلى حرمان موسكو من مصدر تمويل ووسيلة ضغط. لكنه في المقابل يثير موجة احتجاجات من المزارعين الأوروبيين، وتوقعات كارثية من الخبراء بشأن ارتفاع أسعار الغذاء إلى مستويات غير مسبوقة.
وتبدأ المرحلة الأولى من خطة الحظر في الأول من يوليو/تموز القادم، بإضافة رسوم تراوح بين 40 و45 يورو لكل طن من الأسمدة النيتروجينية والمركبة إلى الرسوم الجمركية الحالية البالغة 6.5%، لترتفع هذه الرسوم تدريجيًّا على مدى السنوات الثلاث المقبلة حتى تصل إلى 315-430 يورو للطن بحلول يوليو/تموز 2028. ويستثني القرار الأسمدة العابرة عبر أراضي الاتحاد إلى دول ثالثة. ويثير هذا القرار شكوكًا كبيرة حول قدرته على تعويض هذا الحجم الضخم من الواردات. فعلى الرغم من ثقة المسؤولين الأوروبيين بإمكانية تأمين بدائل والحفاظ على أسعار مستقرة، يشير الخبراء إلى تحديات جسيمة تواجه هذه الخطة.
في هذا السياق، قال نائب رئيس لجنة التعاون الدولي والصادرات في منظمة "أوبرا روسيا" نمر راضي، لوكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي"، اليوم الخميس، إن المصانع الأوروبية بما فيها الشركات العملاقة مثل "يارا" النرويجية، تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وتواجه البدائل المتاحة عقبات كبرى، فالأسمدة الكندية أعلى سعرًا بنسبة 15-20%، بينما تتجه صادرات شمال أفريقيا من المغرب ومصر بشكل رئيسي إلى أسواق جنوب شرق آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، مما يجعل تحويلها إلى أوروبا مهمة صعبة. كما حذر راضي من استحالة الاستغناء عن الأسمدة من دون عواقب وخيمة، حيث قد تنخفض إنتاجية محاصيل أساسية كالقمح والبطاطس والطماطم بنسبة 20-40%، وهو ما يهدد بتفاقم الاعتماد على استيراد الغذاء، ويهدد الأمن الغذائي للقارة، وقد يؤدي إلى إفلاس العديد من الشركات الزراعية، خصوصًا في حالات الجفاف.
وفي السياق، يواجه القرار معارضة شرسة من المزارعين الأوروبيين، وأكبر اتحاد زراعي في أوروبا، "كوبا وكوجيكا"، يطالب المؤسسات الأوروبية بإعادة النظر في المشروع، وتأجيل تطبيق الرسوم لمدة عام على الأقل، وإلغاء الرسوم الجمركية على الأسمدة القادمة من دول أخرى، ووضع آليات لمراقبة الأسعار. ففي فرنسا، تجتاح موجة احتجاجات واسعة، حيث قام المزارعون، في وقت سابق، بسد طرق رئيسية وتجمهروا بجراراتهم قرب مقر الجمعية الوطنية في باريس، معربين عن غضبهم من القرار الذي يهدد قدرتهم التنافسية ويزيد أعباءهم المالية.
ووفقًا لمكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، اشترى الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار أسمدة روسية بقيمة 206.1 ملايين يورو، وهو الحد الأقصى منذ عام 2022، وبأعلى الأسعار. ويتوقع محللون روس تداعيات اقتصادية خطيرة نتيجة هذه السياسة. إذ يُرجّح أن يؤدي النقص المصطنع في سوق الأسمدة إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 35-40% خلال العام الحالي، مع احتمال لجوء التجار إلى قنوات غير مباشرة عبر دول أخرى مثل تركيا والإمارات لاستيراد الأسمدة الروسية وإعادة بيعها في أوروبا بأسعار أعلى. ويشيرون إلى أن هذا الارتفاع سينتقل حتمًا إلى أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث تتوقع التقديرات ارتفاع سعر القمح بنسبة 12-17%، والبطاطس بنسبة 18-22%. كما ستكون قطاعات معالجة زيت عباد الشمس واللفت من الأكثر تضررًا، نظرًا إلى اعتمادها بنسبة 40% على السوق الروسية والبيلاروسية.
أما الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا، التي تستخدم مخاليط أسمدة روسية في تخصيب 30% من أراضيها الزراعية، وفرنسا، ستكون في طليعة المتضررين بسبب كثافة الزراعة فيها. ووفقًا لوكالة "ريا نوفوستي"، تتجه موسكو بقوة إلى تعويض السوق الأوروبية عبر تعزيز صادراتها إلى أسواق بديلة مثل البرازيل، والهند، والصين، ودول جنوب شرق آسيا، ودول "الجنوب العالمي"، خاصة في القارة الأفريقية.
بذلك، يضع الاتحاد الأوروبي أمنه الغذائي على المحك في سعيه لتحقيق أهداف سياسية، وبينما تتواصل الجهود لإقرار الحظر بحلول 2028، تتعالى التحذيرات من أن التكلفة الحقيقية ستدفعها المجتمعات الأوروبية عبر ارتفاع أسعار الغذاء وتقلص الإنتاج المحلي. واحتجاجات المزارعين المستمرة تشكل صفارة إنذار لما قد يتحول إلى أزمة غذائية، بينما تستعد روسيا لتحويل أنظارها إلى أسواق جديدة.
