ARTICLE AD BOX
قبل ثلاثة أيام، وداخل إحدى القاعات المكيفة في مقر جامعة الدول العربية الواقعة بوسط القاهرة جلست وفود ممثلة للدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لبحث ملف غاية في الأهمية وهو تفعيل سلاح المقاطعة العربية لإسرائيل، وتنشيط مكتب مقاطعة إسرائيل الذي تأسس عام 1951 من قبل الجامعة العربية بهدف وضع لائحة سوداء باسم الشركات الإسرائيلية، أو شركات الدول الأخرى التي تتعامل مع إسرائيل، وذلك حتى لا يتعامل معها العرب في اطار تضييق الخناق الاقتصادي على دولة الاحتلال.
ولأن الملف ساخن ومطروح بشدة للنقاش في ظل مقاطعة اقتصادية عالمية متنامية لدولة الاحتلال المنبوذة بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على أهالي غزة منذ شهر أكتوبر 2023، توقع الكثيرون صدور قرارات نارية عن الاجتماع العربي الذي استمر يومين، وحمل عنوان "المؤتمر الـ 97 لضباط اتصال المكاتب الإقليمية للمقاطعة العربية لإسرائيل".
من بين التوقعات مثلاً، اعلان قرارات جماعية بمقاطعة اقتصادية وسياسية عربية شاملة لإسرائيل، معاقبة الدول والحكومات العربية التي تقيم أي نوع من العلاقات أو أي شكل من صور التطبيع مع دولة الاحتلال، إغلاق الحدود بين الدول العربية وإسرائيل، وقف حركة الطيران بين عواصم عربية وتل أبيب، ملاحقة السلع الإسرائيلية المتداولة داخل الأسواق العربية ومعاقبة الموردين، إلغاء صفقات السلاح والطيران وغيرها بين عواصم عربية وحكومة الاحتلال التي تم ابرامها ولم تدخل حيز التنفيذ، وقف تبادل أي وفود اقتصادية وتجارية وسياحية واستثمارية مع الكيان، سحب الاستثمارات العربية من إسرائيل وعلى الفور خاصة تلك التي تم ضخها في السنوات الأخيرة من قبل دول خليجية وعربية ابرمت اتفاقات تطبيع مع الكيان، إلغاء اتفاق تأسيس صندوق استثمار خليجي في إسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، الحيلولة دون هجرة الإسرائيليين إلى المنطقة العربية والعمل أو الإقامة بها.
هذه نماذج من القرارات التي كانت الشعوب العربية تحلم بها في ذلك الظرف الصعب من تاريخ الأمة العربية، لكن تمخض "جمل" الاجتماع العربي فولد فأراً مذعوراً وقراراً خجولاً ذراً للرماد في العيون، ففي نهاية الاجتماع تم اتخاذ قرار بحظر 20 شركة قال المشاركون إنها تنتهك قواعد وأحكام المقاطعة العربية في مجالات الاستثمار بالمستوطنات ودعم اقتصاد وجيش الكيان الإسرائيلي. ولم ينس المشاركون توجيه إخطارات لشركات أخرى، مطالبين إياها بسحب استثماراتها والتراجع عن تعاونها مع النظام الاستعماري الاستيطاني، وذلك طبقًا لأحكام المقاطعة المعتمدة.
وعلى مأدبة غداء فخمة أطلق المشاركون العرب في الاجتماع الذي عقد في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، عبارات رنانة عفا عليها الزمن منها "أهمية تعزيز عمل أجهزة المقاطعة العربية ومتابعة جهودها وأنشطتها في تطبيق أحكام المقاطعة العربية، بالتنسيق والتواصل مع المكتب الرئيسي للمقاطعة، بهدف متابعة تنفيذ القرارات والتوصيات ورصد أية انتهاكات لأحكام ومبادئ المقاطعة"، مؤكدين أهمية العمل على تعزيز التعاون والتنسيق بين الأمانة العامة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي باتجاه تطوير آليات المقاطعة الإسلامية وتكاملها مع المقاطعة العربية والدولية.
ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، فبعد ما يقرب من 20 شهراً من بدء حرب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة يستيقظ العرب على قرار هزيل ودعوات مثيرة للسخرية والشفقة بمقاطعة 20 شركة تقيم علاقات اقتصادية مع إسرائيل؟ وأين قائمة الشركات العربية التي تمد إسرائيل بكل احتياجاتها عبر شاحنات وخطوط برية وموانئ وتزييف العلامات التجارية؟
ألا يخجل هؤلاء من الزخم الدولي المتصاعد بمقاطعة إسرائيل، سلاحاً وسلعاً واستثمارات، ومن تحركات الشركات العالمية والجامعات الغربية والصناديق السيادية الكبرى التي أشهرت سلاح المقاطعة في وجه حكومة نتنياهو وسحبت استثماراتها من أسواق الاحتلال ومستوطناته وذلك على مرأى ومسمع من الجميع؟
ألا يخجل هؤلاء من أنظمتهم العربية التي تعلن في العلن وليل نهار لعن إسرائيل وضرورة سحق حكومتها العنصرية، وفي الخفاء تمد تلك الأنظمة دولة الاحتلال بكل أنواع الأسلحة والأغذية والأموال والاستثمارات وتمون أسواقها بكل أصناف السلع والمواد الخام؟
ألا يخجل هؤلاء من حكوماتهم العربية التي تشجع التجار والشركات والمصدرين والموردين في دولهم على تصدير كل أنواع المنتجات والسلع والمواد الخام واحتياجات الإنتاج والمصانع والفنادق إلى الأسواق الإسرائيلية وتحقيق الرفاهية للمواطن الإسرائيلي وتلبية كل احتياجاته العاجلة منها والآجلة، والحد من أي موجات تضخمية داخل إسرائيل، في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق العربية من موجات الغلاء والتضخم وتآكل العملة المحلية وشح السلع والخدمات؟
أيها العرب... اخجلوا من أنفسكم وتواروا عن الأنظار وافسحوا الساحة لأحرار العالم الذين يتحركون في كل اتجاه لوقف المجازر الجماعية وحروب المجاعة والإبادة في غزة والتي ترتكبها دولة الاحتلال بمساعدة الدول الكبرى وفي المقدمة الولايات المتحدة التي يغدق عليها العرب بمليارات الدولارات.
