ARTICLE AD BOX
زاد اهتمام الحكومة الصينية بتوسيع استثماراتها في المنطقة الاقتصادية حول مجرى قناة السويس فجأة، عقب إعلان شركة إدارة الأصول الأميركية العملاقة، بلاك روك، الاستحواذ على حصص شركة سي كيه هاتشيسون الصينية في 43 ميناء في 23 دولة، في قارة أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، باستثناء البر الرئيسي للصين وهونغ كونغ، في مقابل 23 مليار دولار، متضمنة استثمارات هاتشيسون حول مجرى قناة السويس وبعض موانئ مصر، منها محطة حاويات ميناء العين السخنة على مرمى حجر من مدخل قناة السويس الجنوبي ولمدة 30 عاماً، ومحطتا الحاويات الرئيسة في ميناءي الإسكندرية والدخيلة، وهما من أكبر الموانئ البحرية في مصر على البحر المتوسط، ومحطة الحاويات الدولية العملاقة بميناء الإسكندرية، ومحطة حاويات بي 100 في الميناء نفسه.
الامتيازات الصينية تركيز الصين على توسيع الاستثمار في محور قناة السويس تجلى باستقبال رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وليد جمال الدين، يوم 18 من هذا الشهر وفداً صينياً رسمياً رفيع المستوى من مقاطعة "غواندونغ" الصينية، برئاسة حاكم المقاطعة، وانغ ويغونغ، وحضور الوزير المفوض، جياو ليوشينغ، مستشار السفارة الصينية في القاهرة، وعدد من مسؤولي المقاطعة وممثلي شركات صينية كبرى لبحث الاستثمار في المجالات الصناعية واللوجستية والخدمية والموانئ الواقعة ضمن محور قناة السويس.
ومن الغريب في هذه الزيارة، أن رئيس الوفد الصيني أعلن في بيان أن حكومة الصين حريصة على الوجود في المنطقة الاقتصادية للقناة والتوسع فيها من خلال الشركات الصينية.
وبعد يومين من الزيارة، تمخضت الجهود الصينية عن إعلان جمال الدين أن شركة تيدا الصينية طلبت من الحكومة المصرية الحصول على توسعات جديدة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بقيمة عشرة ملايين متر مربع لتلبية الطلبات الاستثمارية الصينية المتدفقة على المنطقة، لترتفع بذلك محفظة الشركة من الأراضي في المنطقة إلى 20 مليون متر مربع، وبذلك تستحوذ الصين وحدها على 50% من الاستثمارات الأجنبية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بقيمة أربعة مليارات دولار.
الامتيازات الروسية في نفس التوقيت، وقع وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، حسن الخطيب، ووزير الصناعة والتجارة الروسي أنطون أليخانوف عقد حق الانتفاع للمنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في شرق بورسعيد للصناعات اللوجستية لمدة 50 عاماً وتجدد تلقائياً كل خمس سنوات. وتبلغ مساحة المشروع 5.2 ملايين متر مربع باستثمارات متوقعة تصل إلى سبعة مليارات دولار.
توسيع الاستثمارات الصينية والروسية في محور قناة السويس جرى الاتفاق عليه أثناء زيارة عبد الفتاح السيسي روسيا والاجتماع بالرئيس فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ على هامش مراسم احتفالات عيد النصر الـ80 في موسكو، وفق "سي أن أن"، وهي الزيارة التي تزامنت مع استبعاد السيسي من حضور القمة الأميركية الخليجية في الرياض وحضور الرئيس السوري أحمد الشرع.
الامتيازات الإماراتية
في مطلع هذا الشهر، وقعت مجموعة موانئ أبوظبى الإماراتية، اتفاقية امتياز مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتطوير منطقة صناعية ولوجستية وتشغيلها على مساحة 20 مليون متر مربع، لمدة 50 سنة قابلة للتجديد، وكشف وليد جمال الدين، رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن مكانها والعائد منها بقوله إنها جزء من المنطقة الصناعية لشرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية للقناة والقريبة من ميناء شرق بورسعيد في مقابل 15% من الإيرادات السنوية.
وفي يونيو/ حزيران الماضي أيضاً، استحوذت المجموعة على امتياز لمدة 15 عاماً لتطوير ثلاث محطات للسفن السياحية للرحلات البحرية في مدخل قناة السويس الجنوبي في موانئ الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ وتشغيلها. وفي 2023، استحوذت على امتياز بناء محطة سفاجا متعددة الأغراض بقيمة 200 مليون دولار وتشغيلها، وقبلها في مارس/ آذار 2022، استحوذت المجموعة الإماراتية نفسها على امتياز تطوير وإدارة ميناء العينة السخنة، بالبحر الأحمر في مدخل قناة السويس الجنوبي، وهي امتيازات جميعها بالأمر المباشر ولمدد زمنية طويلة وعوائد زهيدة، ودون التزام بتشغيل الشباب المصري العاطل من العمل وانعدام اتفاقيات نقل الخبرات للمؤسسات الوطنية لإدارة هذه الموانئ في مستقبل غير منظور.
تاريخ الامتيازات الأجنبية
تخصيص الحكومة المصرية لمساحات واسعة من الأراضي داخل المنطقة الاقتصادية للقناة ومنح امتيازات للشركات والحكومات الأجنبية، هو انقلاب على سياسة تأميم القناة وتمصير خدمات شحن وتفريغ السفن المارة بها، والتي اتخذها الرئيس جمال عبد الناصر ضد الإدارة البريطانية الفرنسية للقناة، ودفعت مصر ثمناً للقرار بتعرضها لعدوان ثلاثي من الدولتين وإسرائيل.
أما منح الامتيازات وحق الانتفاع لشركات ودول دون أن تثمر استثماراً حقيقياً وعوائد مجدية منذ أكثر من عشر سنوات، في مقابل مبالغ مالية زهيدة ولمدد زمنية طويلة، وصلت إلى 38 سنة في مناطق و50 سنة في أخرى أكثر حيوية واستراتيجية في المدخل الشمالي للقناة شرق مدينة بورسعيد دون قواعد قانونية ومبادئ محاسبية هو إهدار للمال العام، وتضييع لفرص نهوض الاقتصاد المصري من جديد، وهو وأد لبادرة الخروج من كهف الفقر المظلم وعهد البطالة الذي دخلته مصر بعد 2013.
من ناحية أخرى، فإن تحصين عقود التخصيص للشركات الأجنبية بعدم جواز الطعن عليها أمام المحاكم المصرية وفق قوانين إذعان غير عقلانية، تفتقد الشفافية والنزاهة والمراجعة والمحاسبة، أصدرها رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور في عام 2014، وهي قوانين دُفع ببطلانها أمام نفس المحكمة، لمخالفتها مواد الدستور، وتذكر بنظام الامتيازات والمحاكم القنصلية التي غزت مصر في القرن التاسع عشر، تحت ضغوط مارستها حكومات الدول الأجنبية على الدولة المصرية لضمان أملاك رعاياهم وحماية مصالحهم في مصر وفي قناة السويس.
وكان من مساوئ هذه الامتيازات، تغلغل النفوذ الأجنبي في الوزارات والمصالح العمومية، والتحكم في إدارة شؤون مصر، وانتهت بالاحتلال البريطاني العسكري لمصر سنة 1882، والذي استمر لمدة 74 سنة وحتى عام 1936، بعد مفاوضات مضنية بدأت بتسوية لإلغاء نظام الامتياز للأجانب في مصر، باعتباره أم الكبائر، ووضع الأجانب تحت سلطة القضاء المصري تدريجياً خلال 12 سنة ونفذ في 15 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1949.
مرسي لم يمنح امتيازات
روجت بعض القنوات الإعلامية، في فترة الرئيس محمد مرسي وبعد عزله، أن مشروع مرسي لتنمية محور قناة السويس بيع لدولة بعينها، وأن حكومته قامت بتخصيص حصص من المشروع لدول وشركات بعينها، على نحو ما يقوم بتنفيذه حقيقة نظام السيسي الآن، ورد الرئيس مرسي في حوار على قناة الجزيرة في إبريل/ نيسان سنة 2013، بأن شائعات بيع قناة السويس لقطر هي من النكات التي تثير السخرية والضحك، وأنه لا مجال لاتفاقيات غير قانونية، وأن أرض مصر حرام على غير المصريين.
وكذلك بثت قنوات إعلامية تسجيلاً للدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء في عهد الرئيس مرسي، بعد إلقاء القبض عليه في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013 بأسبوعين، وكان قد طلب إذاعته في حال اعتقاله، وأكد فيه أنه لم تخصص حصص من مشروع تنمية محور قناة السويس لأي دولة.
وفي 2014، ادعت صحيفة المصري اليوم، أن مشروع السيسي لتنمية محور قناة السويس مصري خالص بعكس مشروع مرسي، وهو ما تنفيه اتفاقيات وعقود الامتياز التي يمنحها السيسي حول قناة السويس للشركات والحكومات الأجنبية وفق عقود محصنة بامتيازات سيادية لا يجوز الطعن على مشروعيتها القانونية والدستورية أو مراجعة قيمتها المالية وتقييم مردودها على الاقتصاد المصري وشفافيتها ونزاهتها عن شبه التواطؤ والتربح وإهدار المال العام، والمدد الطويلة التي يتضمنها امتياز حق الانتفاع، وهي الامتيازات والقوانين التي لم يمنح مرسي أو يشرع واحداً منها على الإطلاق خلال سنة حكمه اليتيمة.
