ARTICLE AD BOX
في الخامسة صباحاً، علت تكبيرات المصلين بعد انتهاء صلاة فجر اليوم الثاني من عيد الأضحى في الإسكندرية شمال مصر، وصاحبتها نسائم هواء رطب محمّلة برائحة البحر المميزة، وتوافدت أفواج من الرجال والنساء والأطفال على الساحات والميادين لاستكمال الأضاحي والتنزه في الطرقات وشواطئ الكورنيش الممتد نحو 60 كيلومتراً.
لم تمنع آثار العاصفة الثلجية التي ضربت المدينة فجأة قبل أيام، أبناء الإسكندرية من الاحتشاد بملابس العيد حاملين فرشهم وألعابهم وسط فرحة جماعية عارمة ومظاهر بهجة في كل مكان. في ساحة مسجد القائد إبراهيم، المعلم السكندري الشهير المطل على كورنيش البحر، بدت الصورة كأنها مرسومة سلفاً. خرجت جموع المصلين في وقت ازدحم فيه الباعة الجوالون على الأرصفة، وأطلق أطفال بالوناتهم في الهواء، حتى رجال المرور بدوا أكثر تسامحاً هذا الصباح، ولوّحوا بأيديهم أكثر مما أطلقوا صفاراتهم.
وكالعادة في كل عيد انشغل كثيرون بعد الصلاة بذبح الأضاحي، وحرص آخرون على تنفيذ زيارات عائلية وتبادل التهاني والتقاط صور تذكارية لتوثيق اللحظات المباركة، وسط أجواء من البهجة والسعادة. قال الحاج محمود، أحد المصلين الذين حرصوا على القدوم من حي القباري: "لا يبدأ العيد بالنسبة لي إلا بالصلاة في مسجد القائد إبراهيم. صليت هنا وأنا عريس، وجلبت أولادي للصلاة، والآن حفيدي". وأخذت أسر كثيرة طريقها إلى الشواطئ المفتوحة للاستمتاع بحركة الأمواج والمنظر الخلاب للبحر الأبيض المتوسط. وكان الشاطئ المجاني في منطقة الأنفوشي أول مستقبلي الوفود الغفيرة، وشهد توافداً ملحوظاً لعائلات جاءت مبكراً لحجز أماكن ومقاعد ومظلات بعدما أحضرت معظم احتياجاتها ومشروباتها من البيوت.
وبخلاف ما حدث خلال الأيام السابقة حين منعت المحافظة نزول البحر بسبب ارتفاع الأمواج، بدا البحر هادئاً في اليوم الثاني للعيد كأنه يعتذر عن غضبه المؤقت في أيام العاصفة التي لم تعهدها المدينة. وقال أحمد سمير، وهو موظف في شركة خاصة جاء من منطقة كرموز وسط المدينة، بصحبة زوجته وأطفاله الثلاثة: "كنا محبطين من الجو لكن البحر مميّز اليوم والموج هادي، ربنا عوّضنا". أضاف لدى فرشه ملاءة قماش على الرمل: "أريد أن يشعر أولادي بفرحة العيد، وأنه ليس كل شيء غالياً وليس في متناولهم".
إلى ذلك، قصد كثيرون شاطئ المعمورة، حيث الكورنيش النظيف والتنظيم الرسمي، رغم ارتفاع أسعار تذاكر الدخول نسبياً، ودخل عشرات للاستمتاع بيوم العيد. أما شواطئ العجمي غرب الإسكندرية فشهدت حركة أكثر بطئاً صباحاً، ثم زادت تدريجياً مع اقتراب الظهر، خصوصاً في المناطق الشعبية مثل البيطاش والهانوفيل.
وأكد العميد أحمد إبراهيم، مدير الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاستعدادات الأمنية واللوجستية اللازمة مكتملة لاستقبال فترة إجازات عيد الأضحى وموسم الصيف، وتوفير سبل الراحة للمواطنين، وقد تابعت الأجهزة أحوال الشواطئ التي تستهدف الشريحة الأكبر من المواطنين بعد صلاة عيد الأضحى، ووضعت أجهزة الإنقاذ لافتات للإرشاد والتحذير ورايات البحر، ووفرت أدوات وحدة الإسعاف والإنقاذ في كل شاطئ". أيضاً توافد مواطنون إلي قلعة قايتباي الأثرية والحدائق العامة، وبعضهم إلى "ملاهي الغلابة" الشعبية الموجودة في طرقات وساحات عامة وتشهد إقبالاً متزايداً خلال الأعياد.
وفي شرق الإسكندرية، بدت حدائق أنطونيادس كأنها استعادت عافيتها بعدما تسببت الأمطار والعواصف الأخيرة في سقوط بعض الأشجار وتضرر أجزاء من المسطحات الخضراء، علماً أن فرق الصيانة التابعة لمديرية الحدائق بالمحافظة كانت بدأت أعمال التنظيف والتقليم منذ فجر أمس الجمعة، ما ساعد في إعادة فتح الحديقة صباح العيد. ويقول مصطفى عبد الله، وهو شاب ثلاثيني حضر مع أسرته الصغيرة لـ"العربي الجديد": "كنت هنا الأسبوع الماضي، وكان وضع الحديقة صعباً لكن الوضع اختلف اليوم وعادت الناس، وجرى الاهتمام بالورد والاشجار وبتوفير موسيقى خفيفة فعادت الروح إلى المكان".
وشهدت حديقة الحيوانات المجاورة في منطقة النزهة ازدحاماً من نوع خاص، إذ توافدت الأسر بصحبة أطفالها رغم ما تعانيه الحديقة من تراجع في مستوى النظافة والرعاية. لكن الحضور الجماهيري بدا كافياً لإعطاء المكان جرعة حياة مؤقتة.
وفي وسط المدينة، حيث المحلات التجارية والمناطق الأثرية، قدم شارع النبي دانيال الذي خضع لتطوير شامل أخيراً، مجدداً بوصفه أحد أبرز الوجهات المفتوحة للعائلات إلى جانب المقاهي القديمة التي فتحت أبوابها مبكراً، وافترش البائعون الأرصفة بألعاب خشبية، ومعدات "مقالب العيد" الشهيرة التي يشتريها الأطفال ويصوّبون بها على بعضهم البعض.
وقال باسم طه، أحد أصحاب المكتبات القديمة في الشارع: "شُغلت الناس فترة بالعواصف، لكن العيد دائماً يعيد الروح. الناس تضحك مجدداً الآن، والحركة جيدة في الشارع".
ورغم موجة الغلاء التي سبقت العيد، ظهرت مؤشرات التعافي صباحاً في الأسواق الشعبية والمقاهي، خصوصاً أماكن بيع المأكولات والمشروبات التي كانت مزدحمة بوصفها وجهة رئيسية لعشاق طقوس العيد السكندرية.
وقال محمد عادل، وهو شاب في العشرينيات يبيع سندويشات في ميدان الشهداء، لـ"العربي الجديد": "حضرت أيام العاصفة هنا. كانت الناس تجري لتفادي المطر، واليوم تجري على الحدائق والشواطئ والمقاهي. هذه حال الإسكندرية. يوم فوق ويوم تحت".
ورغم هذه المشاهد المليئة بالحياة، لم يغب الحذر عن أذهان المسؤولين، وأعلنت المحافظة حالة استعداد قصوى تحسباً لأي تغيّر مفاجئ في الطقس، وخصصت فرقاً للتدخل السريع في شواطئ المدينة وحدائقها، بينما كثفت مديرية الصحة وجودها في المستشفيات العامة لاستقبال أي حالات طارئة. كما انتشرت فرق النظافة في الشوارع منذ مساء الوقفة، وبدت المدينة نسبياً أنظف من الأعوام السابقة في مثل هذا التوقيت، وهو ما أرجعه بعض الأهالي إلى تراجع أعداد الذبائح والأضاحي.