"عيون غزة" للشابة بلستيا العقاد... الإبادة في 44 يوماً

1 week ago 3
ARTICLE AD BOX

برزت الصحافية الفلسطينية الشابة بلستيا العقاد صوتاً هادئاً ومؤثّراً، يحمل الحقيقة من قلب غزة المحاصرة إلى كل أرجاء العالم. لم تكن تبلغ سوى 21 عاماً حين بدأت توثق بعدستها وكلماتها يوميات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023. واليوم، تطل علينا بكتابها الأول "عيون غزة"، وهو شهادة مؤثرة وواقعية عن حياة الفلسطينيين بين الموت والأمل. بدأت العقاد بنقل تفاصيل الحياة اليومية في غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، رغم انقطاع الكهرباء والاتصالات، متجاوزةً الخوف والمجهول. أطلق عليها متابعوها اسم "عيون غزة"، بعدما أسرت قلوب الملايين بصوتها الصادق ولقطاتها الحقيقية من الشوارع المدمرة والمستشفيات المكتظة بالألم.

كتابها "عيون غزة" الذي صدر في إبريل/نيسان الماضي باللغة الإنكليزية عن دار بان ماكميلان، في أستراليا، هو توثيق حيّ لأربعةٍ وأربعين يوماً من حياتها في ظل القصف والحصار. يوميات كُتبت أحياناً على أرضية مستشفى القدس، أو على أرصفة الشوارع، أو داخل سيارة تشق طريقها بين الأنقاض، وحتى على أسرة الفنادق التي أقامت بها بعد الخروج من غزة.

اللافت في تجربة بلستيا العقاد أنها لم تكن تكتب بصفتها صحافية محترفة، بل بصفتها ابنة غزة، التي ترعرعت بين أحيائها وتعرف تفاصيلها الصغيرة. كتابها لا يتحدث عن الحرب بلغة الأرقام، بل بلغة الوجوه، والأصوات، واللحظات الإنسانية. عن أم تنتظر ابنها الذي لم يعد، وعن أطفال يرتجفون تحت الأغطية، وعن أصوات الطائرات المُسيرة التي لا تتوقف. ورغم الألم، فإن الكتاب لا يغرق في البكائيات أو اليأس، بل يقدّم ما يمكن تسميته بيانَ أمل، كما وصفه النقاد، أو نداء سلام نابض بالحياة. وكأن العقاد، في أشد اللحظات سواداً، كانت تبحث دوماً عن بصيص من النور.

ولدت بلستيا العقاد في غزة، وشهدت في طفولتها أربع حروب على الأقل قبل أن تصبح هي نفسها من توثق الحرب الخامسة. درست الإعلام في جامعة شرق المتوسط قي قبرص، وتخرجت عام 2022 بتفوق. ومع بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، لم تتراجع، بل أمسكت بالكاميرا والهاتف، وانطلقت لتنقل ما تراه لحظة بلحظة. أكثر من 4.5 ملايين شخص تابعوا تغطياتها على "إنستغرام"، ونُقلت أعمالها عبر العديد من وسائل الإعلام الدولية مثل "بي بي سي"، و"نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست". حصلت العقاد على عدة جوائز مرموقة، منها جائزة "صحافية العام" من One Young World، وجائزة "ليرا ماكي للشجاعة"، واختيرت ضمن قائمة "100 امرأة مؤثرة في العالم" لعام 2024 التي تنشرها هيئة الإذاعة البريطانية.

غادرت بلستيا العقاد غزة بعد حصولها وعائلتها على تأشيرة إنسانية بفضل وجود قريب لهم يحمل الجنسية الأسترالية. وكان الخروج بمثابة هجرة قسرية للبقاء على قيد الحياة، كما تقول. استقرت بعدها في أستراليا، لكنها لم تنسَ رسالتها، بل واصلت نشاطها الإعلامي والحقوقي، فحصلت على منحة شيرين أبو عاقلة لدراسة الماجستير في الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت، وألقت كلمات مؤثرة في مؤتمرات دولية كبرى، من بينها TEDx ومؤتمر القمة العالمية للحكومات في الإمارات العربية المتحدة.

ما يميز بلستيا العقاد، إلى جانب شجاعتها المهنية، هو صدقها الإنساني. فهي لا تتحدث عن نفسها بطلة، بل امرأة شابة تحب الحياة وتكره الحرب، لكنها مضطرة إلى النجاة أولاً، ثم الكلام. في صفحتها على "فيسبوك" كتبت تقول: "لقد تطبعتُ مع الخطر، ليس لأنه طبيعي، بل لأنه الواقع الوحيد الذي عرفته".

بلستيا العقاد تُجسّد ملامح جيل فلسطيني شاب يرفض أن يُختزل في إحصائيات أو يُمحى خلف أرقام الأخبار. إنه جيل يحمل الكاميرا والصوت، ويسرد الحكايات، ويعبّر بالفن والكلمة، ويُقاوم بالصوت والصورة. جيل يؤمن بأن الرواية حق، وأن الوجود الفلسطيني لا يجب أن يُسكت، بل يُروى للعالم كما هو، جيل نابض بالكرامة والإنسانية. أما كتابها "عيون غزة" فيمثل وثيقة تاريخية وإنسانية، تفتح لنا الشابة الفلسطينية فيه قلبها ودفتر يومياتها، وتدعونا لنرى غزة كما تراها هي: مدينة مقاومة، ومكان مليء بالحب رغم كل شيء.

Read Entire Article