ARTICLE AD BOX
أكد الباحث الإيطالي البارز في شؤون القرن الأفريقي وزميل معهد "كلينجينديل" الهولندي للعلاقات الدولية، غويدو لانفرانكي، في مقابلة مع "العربي الجديد" أن هناك عقبات عديدة أمام الشراكات الاقتصادية بين الخليج والقرن الأفريقي. وفيما يلي نص الحوار:
- ما هي قطاعات الاستثمار الرئيسية لدول الخليج في دول القرن الأفريقي؟
القطاعان الرئيسيان هما الزراعة والخدمات اللوجستية والبنى التحتية الخاصة بالموانئ. لقد كانت الزراعة منذ سبعينيات القرن العشرين هدفاً لمختلف دول الخليج، التي رأت في الأراضي الخصبة في القرن الأفريقي فرصة لإنتاج الغذاء. ولكن هذه الاستثمارات لم تحقق بصفة عامة النجاح المنشود.
في هذا السياق، برز قطاع الخدمات اللوجستية، وبصفة خاصة البنى التحتية للموانئ، كقطاع محوري آخر، ولا سيما بالنسبة لدولة الإمارات التي توسع نفوذها في سوق الخدمات اللوجستية. ومن بين القطاعات المهمة الأخرى، وخاصة في دول مثل السودان التي تربطها بها علاقات اقتصادية وثيقة للغاية، يبرز القطاع المصرفي (وعلى سبيل المثال، تسيطر البنوك الإماراتية على أسهم الأغلبية في بنك الخرطوم، أحد البنوك السودانية الرئيسية)، وقطاع العقارات.
- ما هي أبعاد الدور الإماراتي في تجارة الذهب في السودان؟
تلعب الإمارات، وعلى وجه الخصوص إمارة دبي، دوراً محورياً في تجارة الذهب، ليس فقط في السودان. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على بيانات دقيقة بسبب غياب الشفافية، فإنه من المعروف أن غالبية الذهب السوداني يُنقَل إلى الإمارات إما بشكل مباشر، أو عبر تشاد وجنوب السودان ومصر، قبل الدخول إلى الأسواق العالمية.
هذه الأوضاع تغيرت في الآونة الأخيرة، حيث دفعت الخلافات المتنامية بين السلطات العسكرية السودانية والحكومة الإماراتية الخرطوم إلى استكشاف فرص بناء مصاف في دول خليجية أخرى (على سبيل المثال في قطر)، لتقليل اعتمادها على الإمارات.
- هل يمكننا القول إن ثمة استراتيجية للسيطرة على طرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر عبر الاستثمارات في الموانئ؟ وما هي تبعات ذلك على الدول الأفريقية المعنية؟
إن السيطرة على الممرات البحرية في البحر الأحمر تمثل هدفا طموحا للغاية، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للعديد من الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين والهند وغيرها. ولكن الأمر المؤكد هنا هو أن الإمارات، كجزء من استراتيجيتها للتنويع الاقتصادي، استثمرت بكثافة في الخدمات اللوجستية، وتبدو عازمة على توسيع نفوذها على طرق التجارة في البحر الأحمر كحد أدنى.
هذا التوجه الإماراتي من شأنه التسبب في عواقب جمة على البلدان الأفريقية المعنية: من ناحية، يمكن أن يكون لهذه الاستثمارات تأثير إيجابي كبير على تنمية الاقتصادات المحلية وربطها بالأسواق الدولية. ومن ناحية أخرى، هناك أيضا بعض المخاطر: إذ إن تأثير جهات فاعلة خارجية، إذا لم يتم التحكم فيه بشكل ملائم، فربما تكون له الغلبة على المصالح المحلية، كما أن تدفق كميات كبيرة من الأموال قد يؤدي إلى توليد أو تفاقم التوترات بين الجهات الفاعلة المحلية.
- إلى أي مدى تضمن العقود الموقعة مع الشركات الخليجية الشفافية وتحقيق الفوائد الملموسة للسكان المحليين؟
تتنوع الشروط المحددة حسب الاستثمارات والمشاريع المختلفة. وبصفة عامة، لا تتسم هذه الاستثمارات واسعة النطاق بالشفافية، وغالباً ما يجري التفاوض بشأنها خلف الأبواب المغلقة مع الحكومات المحلية (وفي بعض الحالات مع رجال أعمال محليين بارزين) وغالباً ما تتوج بالاتفاق.
- ما هي المخاطر التي تهدد السيادة الاقتصادية والسياسية للدول الأفريقية أمام هذا النوع من الشراكات مع بعض القوى الاقتصادية؟
الخطر الأبرز هو أن النفوذ الاقتصادي للقوى الأجنبية يخلق مستوى من التبعية يمكن أن يؤثر على قرارات الحكومات المحلية بشكل غير قانوني ولا مستحق. وهناك خطر آخر يتمثل في استحواذ مجموعة صغيرة من الجهات الفاعلة المحلية القريبة من مراكز السلطة على مزايا الاستثمارات الأجنبية على حساب السكان المحليين.
- كيف تتداخل المصالح الخليجية في القرن الأفريقي مع منافسة قوى كبرى أخرى؟
يعد القرن الأفريقي منطقة ذات قيمة جيوستراتيجية كبيرة، وقد اجتذبت تاريخياً العديد من اللاعبين الأجانب، كل بمصالحه الخاصة. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لها مصالح عسكرية قوية هناك، حيث بنت قاعدة عسكرية كبرى في جيبوتي وقاعدة عمليات في الصومال. كما افتتحت الصين قاعدة بحرية لأغراض تجارية في جيبوتي. أمّا تركيا، فقد وسعت حضورها في العقد الماضي، وخاصة في الصومال، وبشكل متزايد أيضا في السودان وإثيوبيا.
ومن المنظور التجاري، لا تفتقر المنطقة إلى ديناميات تنافسية، ولكنها في العموم أكثر محدودية مقارنة بالمنافسة على الجانب العسكري أو الجيوسياسي.
- برأيك، هل تنجح دول القرن الأفريقي في تحقيق استفادة متوازنة من هذا التنافس بين القوى الخارجية؟
يجعل اختلال التوازن في القوة بين الجهات الفاعلة في الخليج وتلك في القرن الأفريقي من الصعوبة بمكان تحقيق شراكات عادلة. ومن ناحية أخرى، نجد أن النخب المحلية في منطقة القرن الأفريقي أثبتت في كثير من الحالات قدرتها على التلاعب بمشاركة لاعبين أجانب في المنطقة من أجل تعزيز مصالحها. ولكي يتغير هذا الوضع، ثمة حاجة إلى تغيير المسار سواء ما يتعلق بشفافية الاتفاقيات أو بالإدارة الرشيدة في بلدان المنطقة.
