فلسطين بين زيارتَين

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

اللجنة الوزارية العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن غزّة، والمؤلفة من وزراء خارجية السعودية والبحرين ومصر والأردن، والأمين العام لجامعة الدول العربية، قرّرت زيارة الضفة الغربية تلبيةً لدعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، للاطلاع على الأوضاع هناك، وعلى واقع السلطة. كان من المفترض أن تتم الزيارة منذ يومَين، وفق برنامج كان معدّاً. منعت إسرائيلُ اللجنة من القيام بمهمتها وتنفيذ رغبتها.
قبل أسبوع، منعت إسرائيل وفداً دبلوماسياً أوروبياً مصرياً من الدبلوماسيين المعتمدين لديها من زيارة مخيّم جنين، والاطلاع على التطوّرات الميدانية إثر اعتداءات جيش الاحتلال المتكرّرة. وأطلقت النار ترهيباً. قامت القيامة في أوروبا على مستوى رؤساء حكومات ووزراء خارجية، طالبوا بإيضاحات مقنعة. جاء الجواب بطريقة التعامل نفسها مع الوفد العربي. لكن بشاعة المسألة هنا أن الدول المعنية بالزيارة لا تتّخذ مواقف عدائية من إسرائيل. والتعليق على قرار المنع كان: "هذا يثبت عجرفة إسرائيل". لم يكن أحد ينتظر هذا الموقف ليتأكّد أن دولة الاحتلال تتصرّف بعجرفة واستعلاء ولا تقيم اعتباراً لأحد. إسرائيل تتحكم بخروج الرئيس الفلسطيني ودخوله. تدمّر، تقتل، تحرق البيوت والمؤسّسات، وترتكب الإبادة الجماعية، وتصادر الأراضي، تتوسّع، تعلن مواقفها وأهدافها علناً. العالم كلّه يشاهد ما تفعله في شاشات التلفزة. والمناطق التي كانت تنوي اللجنة زيارتها هي "يهودا والسامرة" بالنسبة إلى الحكومة والجيش الإسرائيليين، ويعتبر المستوطنون أنفسهم ملوكها. ألا يرى العرب ذلك؟

قرار إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على كلّ فلسطين، وهذا سيترك آثاره على كلّ المنطقة، والسياسة العربية هي هي

كلّ فكرة الزيارة لم تكن في محلّها، وهي لا تشكّل دعماً لحلّ الدولتَين أبداً، ولا حتى للشعب الفلسطيني أمام الرفض الإسرائيلي القاطع لتنفيذ القرارات الدولية أو الاتفاقات المعقودة معها بشأن غزّة، ولا للتجاوب مع النداءات الدولية الرسمية والصادرة عن الهيئات والمنظّمات الإنسانية، التي وصفت بأقسى العبارات ما يجري من قتل جماعي للأطفال والنساء والشيوخ، وحرمان كلّ المدنيين من المواد الغذائية في عملية "تجويع قسرية" تمارس ضدّهم. وللدفاع عن نفسه، ادّعى نتنياهو أنه "لم تكن مجاعة في غزّة لأننا اعتقلنا آلاف المدنيين وصوّرناهم عراة ولم تظهر عليهم آثار الجوع. بل هم لا يقومون بالتمارين الرياضية". وقاحة ما بعدها وقاحة. يعترف باعتقال مدنيين ويزعم أنه صوّرهم عُراة ليثبت أن لا آثار مجاعة على أجسادهم، فيما المقصود إذلالهم. وفي الحالتَين، إذلال وقهر وظلم مفتوح يمارس ضدّهم.
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وعصاباته، يقتحمون المسجد الأقصى. يحتلّونه وقتاً طويلاً. يرقصون، يقيمون الطقوس التلمودية، ويقول: "من الممتع أن نرى ذلك. اليوم أصبح من الممكن الصلاة والسجود". أمّا بتسلئيل سموتريتش فيجدّد التأكيد: "سنوسّع حدود دولة إسرائيل، وسنبني الهيكل بأموال وزارتي. ونصل إلى الخلاص التام. لا نخاف من الاحتلال ولا من النصر فليسمعوها في غزّة". والشعار الأساس الذي كُتب على لافتة في باب العامود: "من دون نكبة لا انتصار". وانضم إلى الجوقة عضو الكنيست تسيفي سوكوت، الذي قال: "بعد 58 عاماً من الحروب، اليهود هنا اليوم مع بن غفير أكثر من العرب. جبل الهيكل تحت سيطرتنا. نحن في الطريق إلى الخلاص بفضل جنودنا الذين يقاتلون في كلّ مكان".
إسرائيل ماضية في مشروعها، وتحقّق خطوات متقدّمة، والداعم الأساس لها أميركا، التي عاد رئيسها من زيارته إلى الخليج بخمسة تريليونات من الدولارات، والعرب الإبراهيميون، وغير الإبراهيميين، وجامعة الدول العربية، كلهم يُمنعون من زيارة رام الله لأن سلطة الاحتلال تقول علناً: "لا مكان لحماس"، و"لا دور للسلطة الفلسطينية"، و"لا قيام لدولة فلسطينة". فعن أيّ سلام أو اتفاقات أو دعم للشعب الفلسطيني بهذه الطريقة يتحدّثون، وقد أهانتهم إسرائيل بصفعة كبيرة؟

الضغط الذي يجب أن يمارس هو على أميركا الراعية والحامية والداعمة والمُسلّحة لإسرائيل

الضغط الذي يجب أن يمارس هو على أميركا الراعية والحامية والداعمة والمُسلّحة. فوزارة الأمن الاسرائيلية أعلنت بالتزامن مع الحديث عن زيارة اللجنة العربية أن إسرائيل استقبلت 940 طائرة وسفينة محمّلة بالسلاح الأميركي منذ بدء الحرب على غزّة". فهل هذه هبات من أميركا بلا حساب ولا أهداف تخدم مصالحها؟... الشيء بالشيء يذكر. في هذا التوقيت، أعلن وزير خارجية فرنسا جاك نويل بارو أن "فكرة الدولة الفلسطينية تمثّل مصلحة للإسرائيليين وأمنهم. إنها البديل لحرب دائماً". جاء الجواب من وزير خارجية إسرائيل، جدعون ساعر: "لن تقرّروا نيابةً عن الإسرائيليين مصالحهم، وإسرائيل تعارض قيام دولة فلسطينية". ومن السفير الأميركي لدى إسرائيل، حين قال: "يمكن لفرنسا اقتطاع جزء من أراضيها لإقامة دولة فلسطينية". هل ثمّة أوضح (وأوقح) من ذلك، لا سيّما أن مسؤولين إسرائيليين سبق أن ردّوا على دعوة السعودية لإقامة دولة فلسطينية بالمضمون ذاته: "خذوا الفلسطينيين إلى أراضيكم الواسعة". إنه قرار تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على كلّ فلسطين على المدى الطويل غير البعيد، وهذا سيترك آثاره على كلّ المنطقة، والسياسة العربية هي هي.

Read Entire Article