في تكريم يوسف بكّار

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

موجز الخبر أن عالم اللغة والأدب والنقد، الباحث والمترجم والمحقّق والأكاديمي والأستاذ الجامعي، والمعجمي ... يوسف بكّار (1942)، كان من المكرّمين في حفل عيد الاستقلال في بلاده الأحد الماضي، فقد منحَه الملك عبد الله الثاني وسام الملك عبد الله الثاني للتميّز من الدرجة الأولى، لينضاف هذا التكريم المستحقّ إلى حزمةٍ من جوائز وأوسمةٍ أحرزها أستاذُنا تقديراً لجهوده العلمية والمعرفية والمهنيّة الغزيرة، منها (أمثلة فقط) جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عن فئة الإنجاز (مشاركة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وروجر آلان وموسى بيدج) في 2020، وجائزة الدولة التقديرية للآداب في الأردن (1993)، وجائزة التفوّق في التدريس من جامعة مشهد في إيران (1973) التي أمضى فيها خمس سنواتٍ أستاذاً. وقد تمكّن هناك من اللغة الفارسية، ما جعله يُترجِم إليها ومنها كتباً ونصوصاً عديدة، فضلاً عن أنه أصبح الباحث العربي الأهم (في ظنّي) في عمر الخيّام ورباعيّاته التي ترجمها، وأنجز أكثر من مؤلَّفٍ عن صاحبها وعن ترجماتها إلى العربية. وفي مقدّمته أحدثَ كتبه عنهما "في دوْحة الخيّام... دراسات نقدية" (الآن ناشرون وموزّعون، عمّان، 2022) يفيدُنا بأن الدراسات العشر فيه "ليست الوحيدة المُجتباة من تشعّبات تلك الدوْحة، فثمّة ما درستُه في عددٍ من كتبي عن الخيّام وترجمات الرباعيات، وأخال أن ثمّة غيرها قد ينبجس عن الاستقراء والملاحقة الدائمة والمستجدّات".

أما دوْحة يوسف بكّار نفسه، فلا أظنّني، لا في هذه السطور العجولة ولا في غيرها، قادراً على التطواف فيها كلها، من فرط تنوّعها، وتعدّد قطوفها وثمارها، فقد جالت كتُبها في قديمٍ من الشعر العربي ومن حديثه، في نزار قبّاني وإحسان عبّاس وفدوى طوقان ومصطفى وهبي التل وأبي فراس الحمداني وغيرهم، في شعر الغزل، وفي النقد ومناهجه، وفي الأدب (والنقد) المقارَن، وأستاذُنا من أبرز أعلامه العرب، وكان أول من درّسه في جامعة اليرموك في الأردن (في 1979)، وله أكثر من مصنّفٍ فيه. ولئن تزيد كتبُه عن الثمانين، تأليفاً وتحريراً وترجماتٍ، فلافتٌ أن بينها كتباً ضمّ فيها درساتٍ وأبحاثاً لغيره ومقابلاتٍ مع كتّاب وأدباء صرَف وقتاً في جمْعها. أما بشأن ترجماته، فإحداها "سيرنامة" (سير الملوك)، لنظام المُلك السلجوقي، وقد توالت عدّة طبعاتٍ لهذا الكتاب، فائق الأهمية، منذ أولاها في 1980. ولمّا كان له أكثر من كتابٍ عن الترجمة ومزاولتها، وعن مزالقها (كما عنوانٌ لأحد كتبه)، فلافتٌ إنجازُه كتابه التعليمي في جزأيْن "العربية للإيرانيين والفارسية للعرب".

ليس مُراد هذه المقالة أن تُحيط بكل ما أعطاه يوسف بكّار وأضافه، فهذا شاقّ، إذ ليس الحديث هنا عن باحثٍ انقطع للتأليف والتعليم، وإنما عن رجلٍ يستحقّ أن يوصَف بأنه مؤسّسةٌ موسوعية، من قماشة المتبتّلين للدرس والمعرفة، من سمْت جيلٍ عتيق، من قماشة عبّاس العقاد وطه حسين وحمد الجاسر وعبد الهادي التازي وغيرهم ممن تغذّت المكتبة العربية بكثيرٍ من علمهم واجتهاداتهم ونُقولاتهم، بمقارباتٍ تقليديةٍ وحداثيةٍ وتعليميةٍ ومدرسيةٍ ونقديةٍ ومتجدّدةٍ ووصفيةٍ، فلم يكن الواحد منهم في لونٍ واحد. ويوسف بكّار يعصى على التصنيف، فإنك تراه على غير وجهةٍ وغير وجه. والأهم من الانشغال بأمرٍ كهذا أن تعرفَ الأجيال صنيع هذا الرجل ومنجزاته، وأن تقف على الأُمثولة في نموذجه النادر، فليس الموضوع عدد الكتب والأبحاث والترجمات التي أنجزها منذ أزيد من 50 عاماً، ولا في أعداد الطلاب الذين درسوا عليه في جامعاتٍ في الأردن وقطر والكويت وإيران والولايات المتحدة (وربما في غيرها)، وصار كثيرون منهم أساتذةً مرموقين في عدّة جامعات، وإنما الموضوع في الإخلاص للعمل قيمةً عليا في شخص هذا الأستاذ، فقد أخلص لخيارِه الذي مضى فيه منذ دراسته الجامعية الأولى في القاهرة، أن يبحث، وأن يضيف إلى سابقيه، وأن يترُك لمن بعده أثراً يُتابَع.

أخذني الوسام الملكي إلى جامعة اليرموك إبّان كنتُ طالباً فيها في النصف الأول من الثمانينيات، وكان فيها أستاذٌ رائقٌ يحبّه طلابه، ويأنسون إليه، وقد صار بعضُهم من أصدقائه. ولمّا تعرّفتُ، لاحقاً، إليه، وجالستُه مرّاتٍ عديدة، وقعتُ في شخصه على مقادير باهظةٍ من رفعة العلماء وتواضعهم، وهو المتحدّث الشائق، وأستاذ الأجيال من قبلُ ومن بعد، متّعه الله بالصحة.

Read Entire Article