في ذكرى 1700 سنة على مجمع نيقية المسكونيِّ الأوّل (325)

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX
نقيم في هذه السنة ذكرى 1700 سنة على المجمع المسكونيّ الأوّل، الذي التأم في نيقية سنة 325، للنظر في تعاليم آريوس، وهو كاهن عاش في الإسكندرية في أوائل القرن الرابع، وراح يعلِّم أنّه لا وجودَ إلاّ لإلهٍ واحد، الآب الذي في السماوات، وأنّ يسوع المسيح ابن الله هو مخلوقٌ في الزمن. وإذ ناقض في تعاليمه الإيمانَ القويم، حرمه مجمعٌ محلِّيٌّ برئاسة الإسكندر أسقف الإسكندريّة. فانقسم الأساقفة في العالم المسيحيِّ بين مؤيِّدٍ لآريوس ومناقضٍ له. وإذ رأى الإمبراطور قسطنطين انقسامَ المسيحيّين، قرّر الدعوةَ إلى مجمعٍ مسكونيّ، ليوحِّدَ الإيمانَ المسيحيَّ في الإمبراطورية الرومانيّة. فاجتمع في نيقية (قرب القسطنطينيّة) الأساقفة من الشرق والغرب، وأعلنوا قانونَ الإيمان ("نؤمن بإله واحد...")، في جزئه الأوَّل حتى عبارة "وبالروح القدس"، وحرموا آريوس. أمّا الجزء الثاني فأكمله المجمعُ المسكونيُّ الثاني المنعقد في القسطنطينيّة سنة 381.  فأضاف: "وبالروح القدس الربِّ المحيي ..." حتى آخر جملة: "ونترجَّى قيامةَ الموتى والحياةَ في الدهر الآتي". وقانون الإيمان هذا تعترف به وتتلوه جميع الكنائس المسيحيّة: الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والإنجيليّة. وهو مؤلَّف من ستّة أقسام:
القسم الأوَّل يتعلَّق بالله الآب: "أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ ضابط الكلّ، خالق السماء والأرض، كلِّ ما يُرى وما لا يرى". القسم الثاني يتعلّق بيسوع المسيح ابن الله الوحيد: "وبربٍّ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كلِّ الدهور، نورٍ من نور، إلهٍ حقٍّ من إلهٍ حقّ، مولودٍ غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كلُّ شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنَّس. وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطيّ، وتألَّم وقُبِر، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب. وأيضًا يأتي بمجدٍ عظيمٍ ليدينَ الأحياءَ والأموات. الذي لا فناءَ لملكه". 
هذا القسم هو الأطول في قانون الإيمان، لأنّه جوابٌ على بدعة آريوس. وقد شدَّد فيه المجمع على نقطتَيْن أساسيّتَيْن ضدّ تعاليم آريوس. أوّلاً كان آريوس يقول: "هناك زمنٌ لم يكنْ فيه ابنُ الله موجودًا". أمّا المجمع فقال: "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كلِّ الدهور". ثانيًا كان آريوس يقول: إنّ ابنَ الله خلقه الله من العدم. أمّا المجمع فقال: إنّه "نور من نور، إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق". الخلق يعني اختلافًا في الجوهر والطبيعة. أمّا في الولادة، فالمولود له جوهرُ الوالد نفسُه وطبيعةُ الوالد نفسُها. لذلك أضاف المجمع: "مساوٍ للآب في الجوهر"، أو بترجمةٍ أدقّ: "له الجوهر نفسه للذي للآب". والجوهر هنا هو جوهر الألوهة. فكما أنّ الآبَ هو إلهٌ كذلك الابن هو إله. فالآب والابن لهما جوهرٌ واحد، أي طبيعةٌ إلهيّةٌ واحدة. 
القسم الثالث يُعلِن الإيمانَ "بالروح القدس". هنا توقَّف مجمع نيقية. وإذ كان كثيرون لا يؤمنون بألوهيّة الروح القدس، أضاف مجمع القسطنطينيّة: "وبالروح القدس الربِّ المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجودٌ له ومُمجَّد، الناطق بالأنبياء". بهذا القول أكَّد المجمع ألوهيّةَ الروح القدس. ثمّ إنّ قولَ الروح القدس "المنبثق من الآب" متَّخذٌ من قول السيِّد المسيح لتلاميذه: "روح الحقّ الذي من الآب ينبثق" (يوحنّا 26:15). لكن في الغرب على أيّام شارلمانيه، زادوا على "المنبثق من الآب" كلمةَ "والابن" (باللاتينيّة filioque (، رغبةً منهم في تأكيد ألوهية الابن ضدّ الآريوسيّين. لكنّ هذه الزيادة قد خلقتْ أزمةً بين الشرق والغرب، لأنّه لا يجوز أن يُضافَ شيءٌ على قانون إيمانٍ أعلنه مجمعٌ مسكونيٌّ إلا من خلال مجمعٍ مسكونيٍّ آخر.
القسم الرابع يُعلِن: "بكنيسةٍ واحدةٍ جامعةٍ مقدَّسةٍ رسوليّة". والقسم الخامس يقول: "ونعترف بمعموديّةٍ واحدةٍ لمغفرة الخطايا". والقسم السادس: "ونترجَّى قيامةَ الموتى والحياةَ في الدهر الآتي". 
في الخلاصة أكّد مجمع نيقية، ضدّ آريوس، ألوهيّةَ يسوع المسيح ابن الله، وذلك استنادًا إلى ما ورد في الإنجيل المقدَّس. فيسوع هو "المسيح ابن الله"، كما اعترف بذلك بطرس: "أنتَ المسيح ابنُ الله الحيّ" (متّى 16:16). لكنّه أيضًا، بحسب إنجيل يوحنّا، الكلمةُ الذي كان منذ الأزل مع الله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله. وكان الكلمة الله" (يوحنّا 1:1). ثم أضاف: "والكلمة صار بشرًا، وسكن بيننا مملوءًا نعمةً وحقًّا. وقد رأينا مجدَه، مجدَ ابنٍ وحيدٍ آتٍ من الآب" (يوحنّا 14:1). 
إنّ لفظة "الكلمة" (باليونانيّة logos) تعني، في الفلسفة اليونانيّة، العقلَ المنظِّمَ للكون، وفي التقليد اليهوديِّ الكلمةَ الموجودةَ منذ الأزل مع الله. تأمَّل إنجيلُ يوحنّا بكلمات الربِّ يسوع المسيح، فرأى فيها هذَيْن المعنيَيْن، فقال إنّ هذا "الكلمة" الذي كان في البدء، أي منذ الأزل، مع الله، قد تجسَّد في شخص يسوع المسيح، "ابن الله الوحيد". فعندما نسمع كلامَ يسوع المسيح، لا نسمع كلامَ بشرٍ مخلوق، بل نسمع كلامَ الله نفسه. لذلك يسوع المسيح ليس مجرَّدَ إنسانٍ مخلوق، فأيُّ إنسانٍ مخلوقٍ لا يمكن أن يُخلِّصنا. بل هو "الكلمة" الأزليّ، و"إلهٌ حقّ من إلهٍ حقّ". لذلك هو "مخلِّصُ العالَم" (يوحنّا42:4). وهذا ما قصده أيضًا إنجيل يوحنّا بوضعه على فم يسوع تلك الأقوالَ المُذهِلة: "إنّ مَنْ رآني رأى الآبَ" (يوحنّا 9:14). (يوحنّا 9:14). و"قبل أن يكونَ إبراهيم أنا كائن" (يوحنّا 58:8)، و"أنا والآب واحد" (يوحنّا 30:10)، هذا ما أراد مجمع نيقية أن يؤكِّدَه بإعلانه، ضدّ آريوس، ألوهيّةَ يسوع المسيح. 
Read Entire Article