قانون ترامب الكبير: هل يدفع الأميركيون ثمن التفاوت الطبقي؟

3 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

في خضم الاستعدادات للانتخابات المقبلة، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروع قانون اقتصادي ضخم وصفه بـ"الكبير والجميل"، تتجاوز ميزانيته 3 تريليونات دولار، ويشمل تخفيضات ضريبية هائلة وزيادات في الإنفاق الدفاعي وبرامج البنية التحتية. لكن هذه الحزمة تواجه انقسامًا حادًا داخل الحزب الجمهوري نفسه، ومعارضة من أصوات اقتصادية بارزة، وسط جدل واسع حول تأثيرها المحتمل على العجز المالي، والتفاوت الطبقي، وشكل الدولة الأميركية في العقد المقبل.

على الصعيد الأول، كانت الأنظار موجهة إلى الصراع الحاد بين الرئيس ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك، الذي شن حملة قوية ضد مشروع القانون، معتبراً أنه سيزيد العجز المالي بحوالي 2.4 تريليون دولار. هدّد ماسك حتى بإزاحة المشرعين الجمهوريين الذين لا يدعمون موقفه الرافض للمشروع. لكن رغم هذا التهديد والصخب الإعلامي الذي صنعه، يبدو أن تأثير ماسك على الناخبين الجمهوريين محدود للغاية، وفقاً لتصريحات خبراء وتحليلات مستقلة.

أما على الصعيد الثاني، فقد استمر القادة الجمهوريون في دفع الحزمة المقدمة، مع بعض التعديلات الطفيفة التي لم تمس الجوهر أو تخفض التكلفة الإجمالية للمشروع. وأكد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثيون في خطاب له، يوم الخميس، بالضغط على دواسة البنزين، متجاهلاً تحذيرات ماسك، مؤكدًا أن الحزب الجمهوري ما زال موحدًا نسبيًا في دعم المشروع.

 تقليص ضريبة SALT مناورة لتوفير التكاليف

شهدت المفاوضات هذا الأسبوع بعض التغييرات التي تستهدف تقليص التكاليف، مثل اقتراح تقليص ضريبة الولاية والضرائب المحلية (SALT) بمبلغ يصل إلى 40,000 دولار، وهو تغيير قد يوفر مبلغاً كبيراً. لكن هذه الخطوة تواجه معارضة شديدة من مجلس النواب، لكن صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت هذا الأسبوع أن ترامب أعرب عن استعداده لتخفيض الخصم.

في المقابل، هناك توجه من بعض أعضاء مجلس الشيوخ لجعل الحوافز الضريبية للشركات دائمة، خاصة في مجالات الاستهلاك العقاري والفوائد والبحث والتطوير، وهي حوافز مؤقتة في قانون مجلس النواب الحالي. وهذا التوجه من شأنه زيادة تكلفة المشروع وتعويض أية وفورات متحققة من تقليص اقتطاع SALT. ولكن، الموقف ما زال قيد النقاش، إذ يطالب بعض الصقور الجمهوريين مثل السيناتور رون جونسون بعدم جعل هذه الإعفاءات دائمة، بينما ترامب لم يحسم موقفه بعد. وقد برز جونسون ناقدا شرسا للحزمة بسبب الإنفاق، ويهدد أيضًا بإصلاح المشروع أو تقسيمه إلى أجزاء مختلفة. وسيحتاج إلى انضمام ثلاثة أعضاء جمهوريين على الأقل إليه لمواجهة حملة الضغط المتوقعة من البيت الأبيض.

ومن بين التغييرات الأخرى البارزة هذا الأسبوع، بند يمنع الولايات من سن قوانين محلية تنظم الذكاء الاصطناعي خلال العقد القادم. هذا البند أثار اعتراضات داخل مجلس النواب، حيث صرحت النائبة مارغوري تايلور غرين بأنها لم تكن على علم به عند التصويت. لذا، تقترح لجنة التجارة في مجلس الشيوخ تعديل هذا البند ليحول الحظر الشامل إلى نظام يمنع التمويل الفيدرالي للإنترنت فقط في حال سنّت الولايات قوانين محددة تنظم الذكاء الاصطناعي.

سلاح ضريبي ضد الخارج

أما على صعيد الضرائب، هناك نقاش متصاعد حول تعديل المادة 899 من قانون الضرائب الأميركية التي تسمح بفرض ضرائب جديدة ضد الدول الأجنبية التي تمارس ما يصفه الجمهوريون بـ"التمييز"، وهو تعديل قد يزيد من تكلفة المشروع أو قد يقلل إيرادات الحكومة إذا أُزيل. وقد تأتي تغييرات أخرى أيضًا من شأنها أن تزيد من تكلفة المشروع، حيث لا يزال بعض أعضاء مجلس الشيوخ قلقين من أن التدابير الحالية لتوفير التكاليف مبالغ فيها.

بالإضافة لذلك، أبدى السيناتور جوش هاولي اعتراضه على تقليص مزايا برنامج "ميديكيد" ضمن الحزمة، معتبراً أن هذه التخفيضات قد تضر بالطبقة العاملة، ومؤكداً على صراع داخلي حول هوية الحزب الجمهوري: هل يكون حزب الأغلبية الذي يدافع عن مصالح الطبقة العاملة، أم أقلية تخدم مصالح مجالس الإدارة فقط؟ بحسب ما كتبه في مقال حديث بصحيفة "نيويورك تايمز".

وعلى الرغم من الضجة الكبيرة حول دور إيلون ماسك في معارضة "مشروع القانون الكبير والجميل"، فإن تأثيره على شكل القانون ومصيره محدود للغاية. الجمهوريون يواصلون الدفع بهذا المشروع مع تغييرات طفيفة تهدف إلى موازنة التكلفة دون المساس بجوهر الحزمة الضريبية والإنفاقية. الصراع الحقيقي يدور بين فصائل داخل الحزب الجمهوري نفسها، ما بين المحافظين الماليين الصارمين والمعتدلين، وبين مصالح الشركات الكبرى واحتياجات الطبقة العاملة.

ترامب يهدد عقود ماسك: تصعيد خطير

وفي سياق متصل، أوردت عدة وكالات أنباء دولية أبعادًا إضافية للنقاش الدائر، فقد نقلت وكالة "رويترز" أن الرئيس ترامب صعّد من مواجهته مع إيلون ماسك عبر إعلانه نيّته مراجعة العقود الفيدرالية الموقّعة مع شركاته مثل "تسلا" و"سبيس إكس"، في خطوة تُفسَّر على نطاق واسع بأنها محاولة لردع أي تكتلات اقتصادية أو تكنولوجية قد تُهدد نفوذ الإدارة الجديدة داخل الحزب الجمهوري أو خارجه. ويأتي هذا التطور في ظلّ تصاعد النفوذ السياسي لماسك، خاصة عبر منصّته "إكس"، ما يُنذر بصدام طويل المدى بين السلطة السياسية ورأس المال التكنولوجي.

من جهتها، أفادت "أسوشيتد برس" أن ترامب يضغط بقوة على مجلس الشيوخ لإقرار الحزمة قبل 4 يوليو/تموز، واصفًا إياها بأنها "خطة وطنية ضرورية" تشمل خفضًا ضريبيًا واسعًا وزيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي، مع استعداده لتقديم تنازلات محدودة في بنود مثل تقليص SALT وتعديلات على "مديكايك". لكن خبراء اقتصاديين تحدّثوا للوكالة حذّروا من أن الهيكلية المقترحة ستؤدي إلى تفاقم العجز المالي الأميركي إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار خلال عقد، ما قد يُجبر الولايات المتحدة لاحقًا على خفض الإنفاق في مجالات أساسية كالبنية التحتية والتعليم والصحة.

أما مجلة "تايم" فقد سلطت الضوء على الانقسامات المتفاقمة داخل الحزب الجمهوري، مشيرة إلى ما وصفته بـ"أزمة هوية داخلية"، إذ تجد الكتلة الشعبوية التي يمثلها بعض النواب الجدد أنفسهم في مواجهة مع الجناح المالي التقليدي. ووفق المجلة، فإن أكثر من 10 ملايين أميركي مهددون بفقدان التغطية الصحية في حال تمرير تخفيضات "مديكايك" المقترحة، وفق تقديرات مراكز أبحاث مستقلة. كما نقلت عن خبراء أن الحزمة ستؤدي إلى تعزيز التفاوت الطبقي، إذ إن معظم التخفيضات الضريبية تصبّ لصالح الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع، بينما يتحمّل المواطن العادي أعباء خفض الإنفاق على الخدمات.
أميركا على مفترق طرق

بدورها، صحيفة "الغارديان" نشرت تحقيقًا موسعًا حول الأثر الاجتماعي المحتمل للحزمة، ناقلة عن منظمات حقوقية كـ"هيومن رايتس ووتش" و"مركز الأولويات السياسية والميزانية" أن التخفيضات المقترحة في برامج عدة، ستترك الملايين في مواجهة خطر الجوع وفقدان المأوى، خاصة في ولايات ذات كثافة سكانية مرتفعة مثل نيويورك وكاليفورنيا. ووفقًا لخبراء اجتماعيين تحدثوا للصحيفة، فإن مشروع القانون بصيغته الحالية "يعيد تعريف العقد الاجتماعي الأميركي" عبر تقليص دور الدولة بشكل غير مسبوق منذ عهد ريغان، في مقابل توسيع غير مقيّد لمصالح رأس المال.

تعكس هذه التطورات أن الجدل حول "مشروع القانون الكبير والجميل" لا يقتصر على الصراع الإعلامي بين ترامب وماسك، بل يتعداه ليكشف عن انقسام عميق في الرؤية المستقبلية للولايات المتحدة: بين من يرى أن الحل في تقليص الدولة وفتح المجال أمام السوق الحرة دون قيود، ومن يؤمن بضرورة الحفاظ على شبكة أمان اجتماعي تحمي الفئات الضعيفة وتمنع الانهيار المجتمعي. هذا الانقسام لا يُهدد فقط شكل القانون، بل يعيد رسم حدود السياسة الاقتصادية والاجتماعية في أميركا، في لحظة مفصلية عشية انتخابات حاسمة يمكن أن تعيد تشكيل توازنات السلطة لعقود قادمة.

Read Entire Article