ARTICLE AD BOX
تزايد الإقبال على الطاقة الشمسية في السودان خلال الفترة الأخيرة، في ظل النقص الكبير في الكهرباء وتدمير محطات الطاقة من قبل مليشيات الدعم السريع، فانتعشت مبيعات أنظمة الطاقة الشمسية بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، لكن ارتفاع أسعار مدخلات أنظمة الطاقة الشمسية، وعدم مطابقة الكثير منها للمواصفات، عوامل تزيد التحديات أمام المواطنين.
ووفقًا للمزارع شريف محمود، فإن الانقطاع الطويل للكهرباء دفعه للتفكير في حل عاجل لإنقاذ محاصيله الزراعية من العطش، بعد أن كان يعتمد بنسبة 90% على الكهرباء في الري. ويقول محمود: "لجأت إلى حلول الطاقة الشمسية، لكن تكاليف البطاريات والمحولات والمواد الأخرى كانت مرتفعة جدًا، ولا توجد شركات يمكن الاعتماد عليها في ظل انتشار التجارة العشوائية لمعدات أنظمة الطاقة، واعتمادها على تجار غير معتمدين، ما يؤدي إلى دخول معدات وأجهزة غير مطابقة للمواصفات، وتشكل بالتالي عبئًا على المزارع".
لكن بشير فضل، وهو مهندس مختص في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، يرى أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود معامل اختبار تحدد كفاءة الأجهزة التي يُجلب معظمها من الخارج عبر تجار ليست لديهم المعرفة الكافية، ويوضح قائلاً: "نتسلم في أحيان كثيرة طلبات تركيب من مزارعين أو سكان يقدمون لنا أجهزة، نجد أن كفاءة الكثير منها متدنية، ونكتشف أنهم اشتروها من تجار لا يملكون معرفة كافية بمواصفات وأنواع الأجهزة والمعدات".
دعم الطاقة البديلة
وقال وزير الطاقة السوداني محيي الدين نعيم لـ"العربي الجديد"، إن هناك حاجة ماسّة إلى تطوير قطاع الطاقة بعد الأضرار التي لحقت به بسبب الحرب، وأشار إلى بعض الشركات الصينية التي سوف تتولى تشغيل بعض حقول النفط بالاعتماد على الطاقة البديلة، وقال إن الأولوية في العمل ستكون لمناطق الإنتاج الزراعي والتعديني، وبيّن أن الصين تتمتع بخبرة واسعة في مجال الطاقة الشمسية ولها تجارب عديدة في الأراضي السودانية.
وأوضح الوزير أن الشركة الصينية ستعمل على تأهيل خطوط نقل الكهرباء في السودان التي دُمرت بسبب الحرب، وأشار إلى مساعٍ لتشغيل محطة أم دباكر الحرارية بالغاز أو الطاقة الشمسية، ما يساهم في استدامة التغذية الكهربائية.
ودخلت إدارات بعض البنوك في تمويل صغار المزارعين والجمعيات التعاونية الزراعية والمشاريع المتوسطة والكبيرة في مجال الطاقة الشمسية، بهدف المساهمة في التوسع في استخدام الطاقة البديلة في الإنتاج الزراعي وخفض كلفة مشاريع الطاقة الشمسية.
كما بدأت الأسواق تتلقى طلبيات كبيرة من مزارعين وسكان في مناطق عديدة، وهو ما يشير إلى تحول كبير في سلوكيات ومفهوم الطاقة، خصوصًا من قبل المزارعين الذين يعانون من نقص واضح في التيار الكهربائي. وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الطاقة والتعدين أنس أحمد إن هناك اتجاهًا نحو الطاقة النظيفة والطاقة الشمسية، وأضاف أن العقود الموقعة ستساهم في إنتاج نحو 1500 ميغاواط من الطاقة الشمسية، كما أن هناك توجهًا نحو استعمال معدات كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية.
تكاليف مرتفعة
وتعوّل ولاية الخرطوم على نشر ألواح الطاقة الشمسية لرفع المستوى الاقتصادي للسكان وتحسين نمط حياتهم، بالإضافة إلى توفير طاقة تمكن الدولة من رفع مستوى التحصيل الأكاديمي لطلاب المدارس وتوفير الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية. وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن نتائج المشروع التجريبي في الخرطوم أكدت إمكانية البدء بتعميم عملية استخدام الألواح الشمسية في ضخ المياه للشرب وري الأراضي الزراعية في جميع المناطق التي لا تدخلها الكهرباء من خلال الشبكة الحكومية. ويقول تجار ومستوردون إن كلفة تركيب ألواح الطاقة الشمسية في السودان تختلف باختلاف الهدف الذي ستُستخدم من أجله، سواء للاستعمال المنزلي فوق أسطح العقارات، أو للري والزراعة في المناطق الشاسعة التي تتطلب حماية من نوع خاص.
وأضافوا أن أكثر الأنواع في السودان استخدامًا هي تلك التي تُركّب للمنازل، والتي تتفاوت كلفتها كالآتي: نظام شمسي بسعة 50 واط بكلفة 400 دولار، ونظام بقدرة 100 واط 600 دولار، ونظام شمسي بقدرة 200 واط أكثر من 1000 دولار. وبدأت بعض الولايات السودانية في إنشاء محافظ تمويلية مع بعض البنوك لصغار المزارعين والجمعيات التعاونية والمشاريع المتوسطة والكبيرة في مجال الطاقة الشمسية.
عقبات أمام التمويل
وقال الخبير الاقتصادي محمد بابكر لـ"العربي الجديد"، إن ما يحد الآن من إنتاج الطاقة الشمسية هو كلفتها الكبيرة عالميًا مقارنة بكهرباء السدود المائية وكهرباء الفحم الحجري والغاز الطبيعي، لكن وفقًا لتقديرات خبراء الطاقة، من المتوقع أن تنخفض بشكل سريع تكاليف إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية لتصبح الأرخص في غضون عشرة أعوام، بسبب التقدم التقني الكبير في صناعة ألواح الطاقة الشمسية.
لذلك، يقول مختصون إن على السودان وضع خطط طموحة للتحول بنسبة 50% للطاقات المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية، لأنها الأكثر توفرًا في السودان، وأيضًا الأقل كلفة، ويمكن أن يتم بناء المحطات الكهربائية التي تعتمد على الطاقة الشمسية بنظام البوت، لكن توجد عقبات عديدة تحول دون ذلك. ومن أهم العقبات الصعوبات التي تواجه القطاع المصرفي السوداني بسبب الغياب الطويل عن نظام التحويلات المصرفية العالمي الذي تطوّر كثيرًا.
وما زال السودان يرزح تحت العقوبات الأميركية التي تستمر في عزل النظام المصرفي السوداني عن النظام المصرفي العالمي، إضافة للمخاطر العالية بسبب التضخم الكبير في السودان، وعدم استقرار السياسات والقوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي. يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد إسماعيل لـ"العربي الجديد"، إن السودان يواجه عقبات متعددة لتمويل المشروعات الكبيرة، في وقت تتدهور فيه العملة المحلية، وفي ظل عقبة التحويلات المالية من السودان وإليه وفق نظام السوق الحر، فإنه يصعب تمامًا جلب استثمارات ذات قيمة لقطاع الطاقة الشمسية في السودان.
وطالب بعض المراقبين المسؤولين في السودان بفتح باب التمويل الأصغر للأسر والمواطنين لامتلاك خلايا شمسية تُخفض الكلفة أولًا، وهو موجود في كل دول العالم، فالإجراء يحل مشكلة العجز وانعدام الكهرباء دون خسارة مليارات لإنشاء محطات حرارية، فالكلفة التشغيلية للطاقة الشمسية منعدمة.
