لبنان وسورية... فرص ما بعد رفع العقوبات

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

تتسارع الخطوات الدوليّة المُتجهة إلى فك العزلة الماليّة عن سورية، ورفع العقوبات التي لطالما قيّدت اقتصادها. وكان من البديهي أن تُطرح التساؤلات بخصوص أثر هذه التطوّرات على الاقتصاد اللبناني، وحول طبيعة الفرص التي ستحملها هذه المرحلة المقبلة بالنسبة للبنانيين. فمنذ نشأة البلدين، ظلّت الأحداث السياسيّة والاقتصاديّة تتفاعل فيما بينهما، بحيث لا يمكن فهم ما يجري في إحدى الدولتين من تطورات أو أزمات من دون معرفة ما يحدث في الجانب الآخر من الحدود. أمّا العقوبات المفروضة على سورية بالذات، فلعبت دوراً حاسماً في تحديد شكل العلاقة الماليّة بين دمشق وبيروت.

تطوّرات الأسابيع الماضية فتحت باب الحديث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المصارف اللبنانيّة -رغم أزمتها الراهنة- في سورية. فمنذ صدور القانون الخاص بتأسيس المصارف الخاصّة في سورية عام 2001، تدرّجت سبعة مصارف لبنانيّة في تأسيس كيانات شقيقة لها في السوق السوريّة، بالشراكة مع أطراف محليّة سوريّة. وبهذا الشكل، كان للمصارف اللبنانيّة حضور مباشر في نصف الكيانات المصرفيّة السوريّة الخاصّة، التي جرى الترخيص لها قبل العام 2011.

بعد فرض العقوبات على سورية، حرصت المصارف اللبنانيّة على فصل ميزانيّاتها الخاصّة في لبنان، عن ميزانيّات المصارف السوريّة الشقيقة المملوكة منها. وبينما باع مصرفان لبنانيّان استثماراتهما في السوق السوريّة، لجأت المصارف اللبنانيّة الأخرى إلى الاحتفاظ بهذه الاستثمارات، لكن من دون التوسّع في السوق السوريّة خوفاً من تأثير الأحداث الأمنيّة والعقوبات الغربية. وبهذا الشكل، حافظ القطاع المصرفي اللبناني على حضوره في سورية حتّى الآن، لكن بشكلٍ متحفّظ، بانتظار حصول انفراجات على مستوى العقوبات والاستقرار الأمني.

اليوم، باتت الظروف مهيأة ليلعب القطاع المصرفي اللبناني دوراً في تطوير القطاع المصرفي السوري وتوسيعه. فالمصارف اللبنانيّة حاضرة أساساً في تلك السوق

اليوم، باتت الظروف مهيأة ليلعب القطاع المصرفي اللبناني دوراً في تطوير القطاع المصرفي السوري وتوسيعه. فالمصارف اللبنانيّة حاضرة أساساً في تلك السوق، من خلال الكيانات المملوكة منها هناك. وإداراتها كوّنت خبرة العمل ضمن الإطار التنظيمي والقانوني في سورية. وتاريخياً، امتلكت المصارف اللبنانيّة علاقات مميزة مع المتمولين السوريين، بالاستفادة من التقارب الجغرافي بين البلدين، ومن الروابط الاجتماعيّة القائمة بينهما.

غير أن استفادة المصارف اللبنانيّة من الواقع المُستجد لها شروطها. وأهمها الإبقاء على الفصل الصارم بين ميزانيّات المصارف اللبنانيّة الأم، والمصارف السوريّة الشقيقة المملوكة منها. فعلى المدى القصير، من الضروري تطمين الجهات الرقابيّة السوريّة، لجهة عدم تأثّر المصارف السوريّة الشقيقة (المملوكة من مصارف لبنانيّة) بالأزمة المصرفيّة القائمة في لبنان. مع الإشارة إلى أنّ هذا الفصل بين الميزانيّات قائم أساساً حالياً، وهو ما عزل الأزمة المصرفيّة اللبنانيّة عن القطاع المصرفي السوري. وبفعل هذا الفصل أيضاً، تمكّنت المصارف السوريّة، المملوكة من مصارف لبنانيّة، من الاحتفاظ بقاعدة زبائنها.

على المدى الأبعد، ولتتمكّن المصارف اللبنانيّة من توسيع حضورها في السوق السوريّة، من المهم إنجاز عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، للتخلّص من كتلة الخسائر التي يعاني منها هذا القطاع. وهذا ما يرتبط بمشاريع القوانين الإصلاحيّة التي يتم العمل عليها في لبنان، والتي يفترض أن يتم إقرارها قبل توقيع الاتفاق النهائي بين لبنان وصندوق النقد الدولي. فمن دون معالجة الأزمة المصرفيّة في لبنان، من المستبعد أن تتمكن المصارف اللبنانيّة من إخراج أي سيولة جديدة لزيادة استثماراتها في الخارج.

بانتظار حصول ذلك، تُظهر الأرقام وجود آفاق واسعة لتفعيل عمل المصارف السوريّة المملوكة من مصارف لبنانيّة، حتّى من دون ضخ أي استثمارات إضافيّة. فبنك سورية والمهجر، المملوك من بنك لبنان والمهجر اللبناني، يضم حوالي 114.5 مليون دولار من الودائع، بينما لا تتجاوز القروض الممنوحة من قبله حدود الـ 5.6 ملايين دولار. وهذا ما يشير إلى أنّ المصرف قادر على توسيع نطاق توظيفاته وقروضه داخل السوق السوري، بمجرّد توفّر البيئة الاستثماريّة الملائمة.

على المستوى النقديّ، من المعروف أن هناك تداخلاً كبيراً في أسواق القطع بين لبنان وسورية، وذلك بفعل وجود أنشطة تجاريّة وعلاقات اجتماعيّة عابرة لحدود الدولتين. وهذا ما يفسّر تداول الليرة السوريّة بيعاً وشراءً، مقابل الدولار أو الليرة اللبنانيّة، في العديد من أسواق القطع الموازية في لبنان. ولذلك، من المتوقّع أن تتأثّر سوق القطع اللبنانيّة بشكل إيجابي، بمجرّد انتعاش تدفّقات العملة الصعبة باتجاه سورية.

سيسمح رفع العقوبات باستعادة دور المرافئ اللبنانيّة بوصفها ممرا اقتصاديا باتجاه الداخل السوري، ومنه إلى دول عربيّة أخرى مثل العراق والأردن ودول الخليج

في الوقت نفسه، سيسمح رفع العقوبات باستعادة دور المرافئ اللبنانيّة بوصفها ممرا اقتصاديا باتجاه الداخل السوري، ومنه إلى دول عربيّة أخرى مثل العراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. فخلال السنوات الماضية، لم تنقطع طرق التجارة البريّة بين لبنان وسورية، غير أنّ العقوبات المفروضة على سورية حدّت كثيراً من نطاق التعاون التجاري بين شركات البلدين. وبسبب العقوبات أيضاً، لم تتوسّع الشركات اللبنانيّة والسوريّة في أي استثمارات مشتركة في القطاع اللوجستي أو أنشطة الشحن.

تطوير الحركة التجاريّة وأنشطة الشحن بين البلدين، سيفتح بدوره فرصاً كبيرة لزيادة الصادرات اللبنانيّة باتجاه سورية، ومنها باتجاه سائر الدول العربيّة. لكنّ استفادة لبنان على هذا النحو ستستلزم التفاوض بين الدولتين على معاهدات تجاريّة جديدة، لتخفيض رسوم العبور المتبادلة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة في مجالات الشحن والنقل. وكما هو معروف، سيستلزم ذلك معالجة جميع المسائل الأمنيّة والسياسيّة العالقة بين الدولتين، قبل الانتقال لتطوير العلاقات الاقتصاديّة.

من جهة أخرى، من المرتقب أن تشهد سورية طفرة كبيرة في المشاريع العمرانيّة، بعد رفع العقوبات والدخول في مرحلة إعادة الإعمار. وبذلك، ستكون النتيجة زيادة الطلب على اليد العاملة السوريّة في قطاعات البناء والصناعة والزراعة، ما يفتح باب العودة الطوعيّة والكريمة لجزء كبير من النازحين السوريين الموجودين في لبنان. وفي المقابل، ستتمكّن الشركات اللبنانيّة، وخصوصاً تلك المتخصّصة في مجالات البناء والمقاولات والاستشارات الهندسيّة، من لعب دور في هذه النهضة العمرانيّة، بالاستفادة من خبرتها السابقة في لبنان.

رفع العقوبات عن سورية، سيفتح الباب أمام العديد المشاريع المشتركة، التي كانت مجمّدة خلال السنوات الماضية. ومنها على سبيل المثال مشاريع الربط الكهربائي، الذي تسمح للبنان باستجرار الطاقة وشرائها من الدول العربيّة الأخرى، عبر الأراضي السوريّة. وفي قطاع الطاقة أيضاً، بدأ البحث في مشاريع أنابيب النفط التي يمكن أن تربط العراق بلبنان عبر الأراضي السوريّة، ما يسمح بتصدير النفط العراقي من المرافئ اللبنانيّة، كما يسمح باستفادة لبنان من نفط العراق بشكلٍ أوسع لتوليد الكهرباء.

في الخلاصة، يمنح رفع العقوبات عن سورية فرصاً كبيرة لاستعادة أدوار لبنان الاقتصاديّة على المستوى الإقليمي، وخصوصاً في مجالات التجارة والنقل والتصدير والطاقة. إلا أنّ الاستفادة من هذه الفرص يستلزم تطوير العلاقات الثنائيّة بين البلدين، وفق رؤية قائمة على التكامل الاقتصادي، والاستفادة المشتركة من المشاريع والاتفاقيّات المحتملة. أمّا من جهة لبنان، فيجب أن تكون هذه الخطوات جزءاً من رؤية متكاملة للنهوض الاقتصادي، بما يسمح بتجاوز تداعيات الأزمة الماليّة المستمرّة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات.

Read Entire Article