"لعبة" مُفخخة تحول رحلة البحث عن الطعام لمأساة في غزة

2 weeks ago 7
ARTICLE AD BOX

خرج الطفل الفلسطيني محمد بكر برفقة شقيقه الأصغر، قبل أيام قليلة، في مدينة غزة، بحثا عن رغيف خبز يسد جوعهما، لكن رحلتهما القصيرة تحولت إلى مأساة حين عثرا في طريقهما على جسم "مُفخخ" على شكل لعبة كان من مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

اعتقد الطفلان أن هذه اللعبة قادرة على تشتيت جوعهما وخلق أجواء من المرح في ظل اشتداد المجاعة ووسط أصوات الانفجارات التي لا تتوقف في مناطق مختلفة من القطاع، فاصطحبا اللعبة بفرحة عارمة إلى الخيمة التي تؤويهما في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، وبدآ باللعب فيها، حيث قال محمد لوالدته آنذاك، إنه "سيضيء لها الخيمة بهذه اللعبة".

وقعت هذه الكلمات كالصاعقة على مسامع والدته حينما شاهدت اللعبة التي يقصدها طفلها وكانت على شكل "صاروخ"، لتدرك أنها ستنفجر قريبا. لم تنجح الوالدة في إزالة هذا الخطر القاتل، حيث انفجرت "اللعبة" بعد ثوانٍ معدودة، ما أسفر عن إصابتها وطفليها بجراح مختلفة. تسبب هذا الانفجار ببتر في يد الطفل محمد وإصابات مختلفة في جسد شقيقه الأصغر وإصابة في وجه والدته. 

قال محمد لوالدته إنه "سيضيء لها الخيمة بهذه اللعبة"، ولم يكن يدرك أنها حقاً ستنفجر

وبين الفينة والأخرى يشهد قطاع غزة انفجار مخلفات عسكرية إسرائيلية بمدنيين، معظمهم من الأطفال، أثناء اللعب بها. وبحسب مسؤول طبي، فإن هذه المخلفات تكون عادة على شكل ألعاب للأطفال أو معلبات غذائية، حيث يصل إلى المستشفيات جرحى إصاباتهم مختلفة جراء انفجارها، ومعظمهم من الأطفال.

وفي مارس/ آذار الماضي، قال محمد الزرقة، المتحدث باسم الشرطة بغزة، إن التقديرات تشير لوجود أكثر من 30 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب منتشرة في القطاع. وتقول تقارير حقوقية إن هذه المخلفات تشكل خطرا حقيقيا على حياة المدنيين بغزة خاصة الأطفال، محذرة من العبث فيها.

 

 يقول الطفل بكر بصوت مرتجف وهو يرقد على سريره بمجمع الشفاء الطبي، إنه وشقيقه الأصغر وجدا لعبة خلال رحلة بحثهما عن الخبز قبل أيام، مضيفا أن هذه اللعبة التي جلبها للخيمة التي تؤوي عائلته "انفجرت بهم"، ما تسبب ببتر في يده وإصابات في جسد شقيقه ووجه والدته.

بدورها، قالت والدته تهاني العرايشي إن طفلها الأصغر استيقظ في ذلك اليوم الذي انفجرت فيه اللعبة يبكي من شدة الجوع. وتابعت: "لم أعرف من أين أجلب الطعام والخبز، فأرسلت الأطفال لطلب رغيف من الجيران"، وأوضحت أن عائلتها تعيش في فقر شديد، حيث انقطع عمل زوجها منذ بدء الإبادة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وباتوا يعتمدون منذ ذلك الوقت على المساعدات والتكايا.

وبسبب إغلاق إسرائيل المعابر ومنع دخول المساعدات منذ أكثر من شهرين، يعيش أطفال العائلة في حالة جوع شديد حيث غاب عنهم رغيف الخبز منذ أسبوع، وفق قول الوالدة، التي توضح أن رحلة البحث عن الخبز التي قطعها الشقيقان في ذلك اليوم فشلت، وتحولت إلى مأساة حينما عادا بمخلفات عسكرية إسرائيلية انفجرت بهم، وتقول وهي تبكي: "ابني يده بترت، والثاني قدمه بحاجة لعملية جراحية وأصيب في ظهره"، وناشدت الدول العربية العمل لوقف حرب الإبادة الجماعية والمجاعة التي تمارسها إسرائيل بحقهم، كما طالبت بتوفير يد اصطناعية لطفلها وطعام لكل أطفال غزة.

أكثر من 30 ألف جسم متفجر من مخلفات الحرب منتشرة في قطاع غزة

وعن حالة الجوع، تقول إنها تسمع أصوات الأطفال وهم يبكون من شدة الجوع فيما تشعر الأمهات بحالة من العجز جراء نفاد الطعام لديها. وخلال حديثها، قالت العرايشي إنها تتمنى "الموت" بسبب عجزها عن توفير الطعام والخبز لأطفالها بينما تشاهدهم جائعين ومنهكين، وأشارت إلى أنها ما زالت في حالة صدمة إزاء انفجار هذه "اللعبة" بين أيدي طفليها.

ومنذ 2 مارس/آذار ترتكب إسرائيل أكبر جريمة تجويع بعدما أغلقت معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية. حيث يعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.

وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90% من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون في ملاجئ مكتظة أو في العراء دون مأوى، ما زاد تفشي الأمراض والأوبئة.

بدوره، قال حسن الشاعر، المدير الطبي في مجمع الشفاء بمدينة غزة، إنهم يتعاملون مع الكثير من الإصابات نتيجة انفجار المخلفات العسكرية الإسرائيلية، وأوضح أن هذه الإصابات ازدادت مع عودة النازحين لمدينتي غزة والشمال منذ 19 يناير/ كانون الثاني الماضي حينما بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والذي تنصلت منه إسرائيل في 18 مارس/ آذار الماضي حيث استأنفت حرب الإبادة آنذاك، وذكر أن الكثير من المخلفات التي انفجرت بمصابين كانت على أشكال معلبات لحمة أو سردين (سمك صغير)، أو على أشكال ألعاب للأطفال، وأكد أن غالبية الإصابات الواصلة للمستشفى جراء انفجار هذه المخلفات هي من فئة الأطفال، لافتا إلى أن بعض الإصابات تكون صعبة بسبب قربها المباشر من الأشخاص أثناء الانفجار.

وحذر الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم طالبا منهم عدم العبث بأي مخلفات إسرائيلية أو ألعاب تكون في مناطق مفتوحة أو في الشوارع، وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد وضع تلك المخلفات في مناطق يعود إليها نازحون وذلك لإيقاع إصابات مباشرة في صفوف المدنيين، خاصة الأطفال.

وتواصل إسرائيل حرب إبادة جماعية واسعة ضد فلسطينيي قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت تلك الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

(الأناضول)

Read Entire Article