لماذا لم تتحسّن العلاقات السورية اللبنانية؟

3 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

يبدو أن مقولة "خلاص سورية هو خلاص للبنان" التي كان يردّدها مثقفون وسياسيون سوريون ولبنانيون، وتعبّر عن مدى ارتباط الأوضاع بين البلدين، بحاجةٍ إلى مزيد من النظر والفحص، بالنظر إلى أن تغيّر الأوضاع في سورية مع السقوط المدوّي لنظام الأسد البائد لم يصاحبه تغيّر كبير في الوضع في لبنان. وبالأحرى، لم يؤثر كثيراً على مسار تصحيح العلاقة بين البلدين، على الرغم من انتخاب رئيس جديد في لبنان وتشكيل حكومة جديدة، جرى أول مرّة، ومنذ عدة عقود، بعيداً عن أي تدخّل من الطرف السوري.

صحيح أن سقوط نظام الأسد أسهم في تسهيل عملية انتخاب الرئيس جوزاف عون، واختيار نواف سلام لرئاسة الحكومة اللبنانية، إلا أن العامل الأهم الذي حسم ذلك تراجع دور حزب الله في إثر الضربات القاصمة التي تلقّاها من إسرائيل، وأفضت إلى تصفية معظم قياداته السياسية والعسكرية، واضطرّ مكرهاً إلى قبول تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701. وبالتالي، لم تعد علاقات لبنان الخارجية، ومعها كل القرارت المصيرية في لبنان، وتلك المتعلقة بمصير السياسيين اللبنانيين، لم تعد تُصنع في دمشق بالتنسيق مع طهران مثلما كان الأمر خلال عهد الوصاية السورية، وكان حزب الله صاحب الكلمة العليا في الداخل اللبناني، ويستطيع فرض "فيتو" على أي قرار سياسي لبناني لا يرضى عنه، فضلاً عن أنه كان يمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان، وأدخل لبنان في حرب مع إسرائيل في أكثر من مرّة، من دون استشارة أحد من اللبنانيين.

إذن، لم يتأثر مسار العلاقات السورية اللبنانية بالرغم من الزلزال الاستراتيجي الذي حدث في سورية في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ومن التغير الحاصل في التركيبة الحكومية في لبنان، حيث لم يتم إحداث تقدّم في ملفات المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، وخصوصاً معتقلي الرأي في سجن رومية، على الرغم من تحرك السلطات السورية في هذا الخصوص، والوعود التي تلقتها من المسؤولين اللبنانيين. كما أن مطالبتها باسترداد الأموال السورية المودعة في المصارف اللبنانية لم تلق آذاناً مسموعة، على الرغم من حاجتها الماسّة إليها، كونها تمثل أحد أهم موارد تمويل لتعافي الوضع المعيشي للسوريين، وتمويل عملية إعادة الإعمار، لا سيّما وأن حجمها يتجاوز 20 مليار دولار حسب تقديرات مراكز البحوث والدراسات، ويفوق كل ودائع القطاع المصرفي الخاص وأصوله في سورية. وينسحب الأمر كذلك على ملف ترسيم الحدود البحرية والبرّية الذي أبدت الإدارة الجديدة استعداها للتعاون بشأنه وتقديم الخرائط، وترحيبها بعودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم.

لا تخفي الإدارة السورية الجديدة انزعاجها من التعامل اللبناني الرسمي معها، على الرغم من انفتاحها لفتح صفحة جديدة مع لبنان

في الجانب الأمني، تعتبر الإدارة السورية الجديدة ملف تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية اللبنانية الملف الأبرز الذي يؤرقها، كونه يفاقم التحدّي الأمني الذي تواجهه منذ سقوط نظام الأسد، حيث لا تقوم السلطات اللبنانية بما عليها من إجراءات لضبط الحدود ووقف التهريب، على الرغم من وعود المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا نظراءهم السوريين في دمشق أو في سواها من العواصم. كما أن الوفود العسكرية اللبنانية التي زارت دمشق لمتابعة الملفات الأمنية والحدودية لم تفعل شيئاً في هذا الخصوص، فيما يغيب الجيش اللبناني في المناطق الحدودية نظراً إلى وجود عشائر ومجموعات موالية لحزب الله فيها.

لا تخفي الإدارة السورية الجديدة انزعاجها من التعامل اللبناني الرسمي معها، على الرغم من انفتاحها لفتح صفحة جديدة مع لبنان، تطوي صفحة الوصاية والهيمنة، وتقوم على المصالح المشتركة للشعبين وللدولتين. ولعل اللافت في الأمر أن بعض الأوساط اللبنانية تحذّر الرئاسة اللبنانية من الاستجابة للمطالب السورية، وتعتبرها بمثابة رضوخ يهدّد سيادة لبنان واستقلاله، في حين أنها كانت راضية طوال عقود عديدة عن رضوخه لوصاية نظام الأسد البائد والمحور الإيراني.

ما تزال القوى الخاسرة من التغير السوري تمتلك أوراق قوة، وتتخوّف من فقدانها

كان المأمول، بل والمفترض أيضاً، أن تؤدّي التغيرات التي حصلت أخيراً في كل من دمشق وبيروت إلى تحسّن في مسار العلاقات السورية اللبنانية، بالرغم من محاولات الإدارة السياسية الجديدة في سورية، ومساعي بعض السياسيين اللبنانيين، وفي مقدّمهم رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام الذي زار دمشق، ولم تؤثر زيارته كثيراً في حلحلة المسائل والملفات العالقة بين البلدين، بالنظر إلى أن رئيس الحكومة ليس وحده صاحب القرار في هذا الشأن، وليس هناك توجّه من رئيس الجمهورية اللبنانية لاستيعاب التغير الحاصل في سورية، لأنه لا يزال مشدوداً إلى حسابات نظام المحاصصة الطائفية في لبنان. وهنا الفرق بين التغير الحاصل في سورية الذي طاول النظام برمته والتغير الحاصل في لبنان واقتصر على تغير الشخصيات الرسمية، بينما بقي نظام المحاصصة الطائفي نفسه على الرغم من تراجع وزن حزب الله وتأثيره العسكري والسياسي في الداخل اللبناني، الأمر الذي يشي بأن الحسابات والتوازنات السابقة ما تزال تفعل فعلها في لبنان، وتؤثر ليس على وضعه الداخلي، بل على علاقاته الخارجية أيضاً. وهذا يفسّر عدم احتضان دول الخليج العربي التغير الحاصل في لبنان، حيث لم تتم دعوة الرئيس عون إلى القمة الخليجية الأميركية التي استضافتها الرياض في 14 مايو/ أيار، خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط. فيما دعي الرئيس السوري أحمد الشرع إليها، ثم جرى اللقاء التاريخي بين الشرع وترامب، وأعلن الأخير رفع العقوبات عن سورية، بينما ما يزال اللبنانيون ينتظرون تدفق المساعدات والاستثمارات العربية والدولية في وقت تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على معظم شحضيات حزب الله ومؤسساته، وتطاول العقوبات أيضاً شخصيات مقرّبة منه مثل جبران باسيل وغيره، الأمر الذي يعيق تعافي لبنان ويمنع تدفق الاستثمارات الأجنبية فيه، وإعادة الإعمار فيه.

المشكلة أن القوى السياسية في لبنان ما تزال متأخّرة عن مواكبة التغيّر السوري، نظراً إلى أن التغيير الحاصل في الوضع اللبناني لم يكن جذرياً مثل نظيره السوري، إذ ما تزال القوى الخاسرة من التغير السوري تمتلك أوراق قوة، وتتخوّف من فقدانها. إضافة إلى أن القوى المتحكّمة بالنظام اللبناني ما تزال تنظر إلى الإدارة السورية الجديدة بوصفها مجموعة إسلامية متشدّدة، فيما غيرت معظم الدول مواقفها مما جرى في سورية، واحتضنت التغير السوري الجديد ودعمته.

Read Entire Article