لماذا نصمت على شبكات صُمّمت لنتكلم؟

6 days ago 4
ARTICLE AD BOX

هل لاحظت أنك تقضي وقتًا طويلًا في تصفّح شبكات التواصل من دون أن تكتب أو تُعلّق؟

هذا التحوّل من التفاعل إلى المشاهدة الصامتة أصبح ظاهرة جماعية، تقف خلفها خوارزميات ذكية وتصميمات بصرية مدروسة، تدفعنا لاستهلاك المحتوى بدلًا من إنتاجه.

شبكات التواصل... إلى أين؟

في بداياتها، كانت شبكات مثل فيسبوك وإنستغرام ساحات للتواصل الشخصي، نتابع فيها أخبار الأصدقاء ونشارك لحظاتنا. لكن خلال العقد الأخير، تحوّلت هذه المنصّات إلى ما يشبه وسائل الإعلام، تُهيمن عليها مقاطع ترويجية ومحتوى احترافي ومقاطع مولّدة بالذكاء الاصطناعي. هذا التحوّل جعل المستخدم العادي يشعر بأنّ صوته لا يُسمع وسط الضجيج الرقمي.

مارك زوكربيرغ نفسه أقرّ بأن "ميتا" باتت تركّز على الترفيه العام أكثر من التواصل الشخصي. بيانات الشركة تُظهر تراجعًا في نسبة مشاهدة محتوى الأصدقاء على فيسبوك من 22% إلى 17%، وعلى إنستغرام من 11% إلى 7% خلال عامين فقط.

بيئة تعزّز الصمت!

إذن، نحن أمام بيئة رقمية تعزّز الصمت، من خلال:

(1): الخوارزميات المُخصّصة

تعتمد منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك على خوارزميات تعرض محتوى مخصّصًا بناءً على سلوك المستخدم، مما يخلق حلقة من التمرير المستمر. هذه الخوارزميات تُبقي المستخدمين منشغلين بلا توقف، حيث تُظهر محتوى جذابًا من دون الحاجة إلى بذل جهد في البحث، مما يقلّل الحافز للإنتاج.

يقضي المستخدمون في المتوسّط تسع ساعات يومياً في التصفّح، مقارنةً بدقائق محدودة لإنتاج ومشاركة المحتوى

(2): سهولة الوصول إلى المحتوى

توفّر المنصّات كميات هائلة من المحتوى الجاهز للاستهلاك (فيديوهات قصيرة، صور، منشورات)، ممّا يجعل المشاهدة أسرع وأقلّ تكلفةً من إنشاء محتوى جديد. وفقًا لدراسات، يقضي المستخدمون في المتوسّط تسع ساعات يوميًا في التصفّح، مقارنةً بدقائق محدودة لإنتاج ومشاركة المحتوى.

(3): التصميم البصري الجذاب:

تُركّز المنصّات على واجهات مستخدم تدفع للتمرير الأفقي أو العمودي، مع إبراز المحتوى الأكثر تفاعلًا. هذا التصميم يُعزز "ثقافة التمرير" بدلًا من ثقافة المشاركة.

لماذا نفضل دور المتفرج؟

(1): الخوف من النقد العلني

يُعتبر الخوف من التعليقات السلبية أو "التصيّد" أحد العوامل الرئيسية. تشير دراسة لـ"إغنايت سوشيال ميديا " إلى أن 60% من المستخدمين يتجنبون المشاركة خوفًا من السخرية أو سوء الفهم.

تفضّل الشبكات المستخدم الصامت لأنه يزيد من وقت التصفح، وبالتالي من عائدات الإعلانات، ويُنتج بيانات تُباع للمعلنين، من دون الحاجة لتفاعله النشط

(2): متلازمة المحتال

يشعر كثيرون أن مساهماتهم لن تكون ذات قيمة مقارنةً بالمحتوى الاحترافي المنتشر، مما يدفعهم للبقاء في الظل. وفقًا لموقع "إفري وين سوشيال"، فإنّ 45% من الموظفين في الشركات يرفضون مشاركة محتوى بسبب هذا الشعور.

(3): الخوف من الالتزام

 يتطلّب إنشاء محتوى منتظم وقتًا وجهدًا، بينما لا يضمن تفاعلًا ملحوظًا. يفضّل المستخدمون تجنّب هذا "الاستثمار المجهول".

الربح في الصمت

شبكات التواصل تفضّل المستخدم الصامت لأنه يزيد من وقت التصفّح، وبالتالي من عائدات الإعلانات، ويُنتج بيانات تُباع للمعلنين، من دون الحاجة لتفاعله النشط.

تحوّلت شبكات التواصل الاجتماعي من ساحات للتفاعل الإنساني والتبادل الثقافي إلى مسارح ضخمة يُشاهد فيها الجميع ولا يتحدّث أحد

تشير قاعدة 90-9-1 إلى أنّ 90% من المستخدمين يشاهدون فقط، و9% يتفاعلون أحيانًا، و1% فقط يُنتجون المحتوى. ووفقًا لـبحث لـ"إغنايت سوشيال ميديا"، فقد انخفضت التعليقات بنسبة 40% بين 2020 و2025، بينما زادت مشاهدات الفيديوهات بنسبة 70%.

منصّات تُعزّز النخبوية

الخوارزميات تُفضّل المحتوى الاحترافي، مما يخلق فجوة بين "النخبة الرقمية" والمستخدم العادي. كما تُروّج للمحتوى المثير للجدل أو العاطفي، مما يُقلّل من تنوّع الآراء ويُعزّز التيارات الفكرية السائدة.

هل من أمل؟

لقد تحوّلت شبكات التواصل الاجتماعي من ساحات للتفاعل الإنساني والتبادل الثقافي إلى مسارح ضخمة يُشاهد فيها الجميع ولا يتحدّث أحد. هذا التحوّل لم يكن عشوائيًا، بل نتيجة هندسة رقمية دقيقة تستغل علم النفس الاجتماعي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الاستهلاك وتقليص المشاركة.

رغم هذا الواقع، لا يزال بالإمكان استعادة روح المشاركة. يتطلب ذلك من خلال إصلاحات تقنية وتشريعية تُعيد التوازن بين الاستهلاك والإبداع، ودعم ثقافة التعبير الفردي، وتوفير بيئة آمنة نفسيًا للمستخدمين، ووعي جماعي بأنّ الصمت الرقمي موقف، لكنه غالبًا ما يخدم مصالح لا تمثلنا.

وكما قال كريس دوكير: "المحتوى الفردي هو روح المنصات... دمرته الخوارزميات، والآن حان وقت إحيائه"، فهل نملك الشجاعة لنُعيد الحياة إلى هذه الروح؟

Read Entire Article