ليل تونس الطويل

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

ليل تونس طويل، ولا يبدو أنه سينجلي خلال زمن قصير. ورئاسة قيس سعيّد، التي بدأت في عام 2019، تجدّدت لولاية ثانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (2024). تراجع المسار الديمقراطي أشواطاً إلى الخلف، وخيّم الرعب والخوف على البلد الذي هبّت منه رياح "الربيع" في نهاية عام 2010، وعصفت بأحد أعتى الأنظمة الدكتاتورية، ومن جرّائها فرّ الرئيس زين العابدين بن علي إلى الخارج، لكن المسار السياسي الجديد تعثّر، ودخلت التجربة الديمقراطية في حقل من الألغام، بسبب النزاعات والحسابات الحزبية القاصرة عن رؤية تعقيدات المرحلة الانتقالية، وما تقتضيه التفاهمات والتحالفات من تنازلات متبادلة بهدف الحفاظ على إنجاز إسقاط النظام، وتحصين البلد في وجه الثورة المضادّة، التي بدأت العمل بوسائل مختلفة، مستفيدةً من الانقسامات بين الإسلاميين والعلمانيين.

خابت التوقّعات كلّها، وطال مُقام سعيّد، وفي كلّ يوم يُكذّب حسابات خصومه من خلال تجاوز خطّ أحمر، ومصادرة مساحة جديدة من فضاءات الحرية، وهدم أسس الدولة. وبعد أن أجهز على مجلس النواب المُنتخَب في انقلاب يوليو/ تموز (2021)، انتقل إلى الأحزاب المُعارِضة، ومن ثمّ إلى الشخصيات المستقلّة، وبعدها جاء دور القضاة والمحامين والصحافيين. وسار في نهج واضح للقضاء على مصادر التهديد، باستخدام الأحكام العالية بالسجن لإخافة المعارضة والمجتمع، ومنع الاحتجاج، تحسّباً من أيّ حراك يمكن أن يعترض طريقه، بعد فضيحة الانتخابات الرئاسية الماضية، التي بلغت نسبة المشاركة فيها 28%، حسب البيان الرسمي، و8% وفق مراقبين مستقلّين. وتتجاوز الأحكام بالسجن، التي صدرت ضدّ 40 من خصومه أخيراً، التغوّل إلى الخوف من حركة المجتمع، فقد وصلت بعض الأحكام إلى 66 عاماً، وتنوّعت بين سياسيين معارضين ورجال أعمال وحقوقيين وناشطين، علمانيين وإسلاميين، رجال ونساء، بمن فيهم المديرة السابقة لديوان الرئاسة ناديا عكاشة، التي حكم عليها بالسجن 33 عاماً بتهمة التآمر على أمن الدولة. وما يجمع بين المحكومين أنهم يزعجونه لأنهم جهروا بالرأي، وفضحوا الدور التخريبي الذي يمارسه واجهةً لمافيا من جنرالات الجيش، تحكم البلد بدعم إقليمي دولي.

لم تعد تونس خضراء كما هو معهود عنها، باتت مسكونةً بالخوف، وتردّى وضعها السياسي والاقتصادي، وفقدت تلك الجاذبية التي تمتعت بها على مرّ تاريخها بفضل حيوية المجتمع التونسي المنفتح اجتماعياً وثقافياً، والذي راكم تراثاً، بفضل ارتباطه العميق بجذوره، والصلات التي بناها مع الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. ورغم صغر حجمها الجغرافي، لعبت تونس دوراً مهماً في التنوير والتحديث، الذي عاشه العالم العربي في بداية القرن العشرين، وساهمت في إغناء الإنتاج الثقافي الذي تجلّى في الموسيقى والشعر والرواية والسينما والمسرح والفنّ التشكيلي والفكر. وبرز منها إصلاحيون كبار وشعراءٌ وروائيون ومفكّرون وفنّانون، قدّموا إضافات متميزة إلى المستوى العربي.

يتجاوز حجم التخريب خلال أعوام حكم سعيّد الخمسة كل ما خلّفه بن علي في نحو ربع قرن في السلطة، وما كان له أن يفعل ما قام به لولا تحالفه مع الجيش، وجهاز الدولة البوليسية من عهود ما قبل الثورة، وتنقل المدرّعات المنتشرة في شوارع العاصمة صورة عن نظام عسكري مباشر، تولّى مقاليد الحكم ليلة انقلاب تمّوز (2021)، حينما أغلق مدخل مجلس النواب بعربة مدرعة. وقد شكّل ذلك إعلان انتقال تونس من حكم البوليس السياسي، إلى شراكة هؤلاء مع جنرالات الجيش والمخابرات العسكرية، بعد أن كانت الجمهورية العربية الوحيدة التي لم يحكمها الجيش سابقاً، وكان هذا الأمر هاجس مؤسّس تونس الحديثة الحبيب بورقيبة، الذي أبعد الجيش من العمل بالسياسة.

Read Entire Article