ARTICLE AD BOX
تُعقد في روما وبرعاية عُمانية جولة المفاوضات الخامسة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي. الإدارة الأميركية حرصت في الأيام الأخيرة على إبداء التفاؤل وإن بتحفظ. فهي "ما كانت لتنعقد لو لم يكن في اعتقادنا أنها تنطوي على احتمال تحقيق تقدم بشأنها"، كما قالت المتحدثة في وزارة الخارجية تامي بروس، الخميس. ويبدو أن هذا الاحتمال المفترض مبني على أساس أن تراجع الإدارة عن مطلب "تفكيك" المشروع الإيراني من شأنه أن يساهم في توسيع دائرة الحلحلة في المفاوضات ولو أنها استبدلته بشرط "وقف التخصيب". لكن الفرضية لا تستقيم، لأن الوقف التام للتخصيب هو عمليا تفكيك مؤجل.
في مقابلته الشاملة مع شبكة أن بي سي في برنامج "لقاء مع الصحافة" في الرابع من مايو/أيار الجاري، قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه لن يقبل بأقل من "التفكيك الكامل" للمشروع النووي الإيراني، مؤكداً أكثر من مرة هذا الشرط. في يوم 11 مايو/أيار الجاري عقدت الجولة الرابعة في مسقط وكان واضحا من تقييمات المتفاوضين والمراقبين، أنها انتهت إلى طريق مسدود. والأرجح أنها بلغت هذه النهاية بعد اصطدامها بهذا الشرط. على الأثر، نسب إلى مصادر المبعوث ستيف ويتكوف قولها إنه إذا لم تأت إيران بأفكار جديدة فإن الجولة اللاحقة "قد لا تعقد". بعدها طرحت الإدارة على طهران عرضا وطلبت الرد عليه قبيل اللقاء القادم. بالترافق مع هذا الطرح، بدأ ويتكوف يتحدث عن شرط "الصفر تخصيب" في أي اتفاق جديد. كرر ذلك في أكثر من مقابلة مع التشديد على تمسك الإدارة بهذا المطلب الذي صار بمثابة "الخط الأحمر" في هذا المجال. "حتى 1% تخصيباً لن نسمح به"، كما قال.
والثلاثاء الماضي، ردد الوزير ماركو روبيو، المعزوفة نفسها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. قال إن "الإدارة مصرة على وقف إيران التام للتخصيب". الرئيس ترامب أكد هو الآخر هذا الحظر، مع أنه ترك موضوع "التفكيك" معلقاً حينما قال خلال زيارته الخليجية إن إدارته "لم تتخذ مثل هذا القرار بعد". لكن في الواقع كان قد جرى تجاوزه على أساس أن التمسك به يقطع الطريق على الصفقة التي يسعى إليها الرئيس ترامب والتي يبدو أنها "تمضي في المسار الصحيح لأن الرئيس يريد التوصل إلى اتفاق" كما قالت المتحدثة في البيت الأبيض. ويأتي تأكيدها هذا في أعقاب ما نقلته معلومات إسرائيلية قبل يومين بأن حكومة نتنياهو "تعدّ لضربة عسكرية تستهدف مواقع نووية إيرانية".
واضح من التوقيت أن إسرائيل، لو صح الخبر، تنوي التخريب على اتفاق بات قريب المنال. الرئيس ترامب تحدث عن الاتفاق المحتمل، خلال مكالمة هاتفية أجراها، الخميس، مع نتنياهو لتقديم التعازي بمقتل اثنين من طاقم السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وتردد أن الرئيس ترامب وافق على طلب نتنياهو بضرورة توفير "الضمان" لعدم حصول إيران على السلاح النووي. مع ذلك "احتفظ نتنياهو بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد من يريد إزالتها". احتفاظه بهذه الورقة يحظى بتفهم ترامب الذي وضع معادلة جديدة في العلاقة مع إسرائيل تقوم على "الفصل بين المصالح الحصرية للجانبين وترك التصرف بها لصاحب الشأن مع الالتزام بالشراكة في القضايا الاستراتيجية" وفق إحدى القراءات للتباينات التي ظهرت بين الرئيس وإسرائيل في أكثر من مسألة مثل الاتفاق مع الحوثيين والتفاوض مع إيران ومع حماس.
الآن السؤال يدور حول ما إذا كان بإمكان الفريق الأميركي المفاوض حل مشكلة التخصيب مع الجانب الإيراني. تصريحات الرئيس الإيراني أمس، لا ترجح هذا الاحتمال. صفر تخصيب يعني إحالة أجهزة الطرد المركزي على التقاعد وبالتالي على تفكيك محتوم في نهاية المطاف. احتمال يستبعده أكثر من مراقب ولو أن ضغوط الجمهوريين والمحافظين خاصة في الكونغرس لا تكف عن المطالبة بمثل هذه النهاية للنووي الإيراني. وربما من هنا كلام الإدارة عن "اتفاق أقوى" من صفقة 2015، أي اتفاق يحدد مقدار التخصيب، من باب أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان. والمعروف عن الرئيس ترامب أنه في بداية المساومة يرفع السقف، ثم يهرع إلى خفضه في اللحظة المناسبة مع الإسراع في ذات الوقت إلى إعلان النجاح في عقد الصفقة.
