ما وضع المحيطات في ظل الاحترار الناجم عن النشاط البشري؟

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX

لولا المحيطات لشهد المناخ تدهوراً جذرياً، إلا أنّ حليفة الإنسان الكبيرة هذه باتت تدفع ثمن امتصاص الجزء الأكبر من الاحترار المناخي الناجم عن استهلاك مصادر الطاقة الأحفورية، مع ظواهر مقلقة مثل موجات الحرّ البحرية، وارتفاع نسبة حموضة المحيطات، وارتفاع مستوى مياهها، والضرر اللاحق بالثروة البحرية الحيوانية والنباتية على حدّ سواء.

ويُسلّط الضوء على المحيطات التي تغطّي 70.8% من مساحة سطح الكرة الأرضية أخيراً، وذلك قبيل انطلاق أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في التاسع من يونيو/ حزيران الجاري بمدينة نيس الفرنسية، علماً أنّ مقرّ المؤتمر فتح أبوابه لفعاليات على هامش المؤتمر ابتداءً من اليوم الاثنين. ويُؤمل في خلال المؤتمر إقرار أوّل معاهدة دولية ملزمة قانوناً بشأن التلوّث بالبلاستيك، وتصديق عدد أكبر من الدول على معاهدة أعالي البحار أو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتدخل حيّز التنفيذ بعد اعتمادها في عام 2023.

حرارة قياسية في المحيطات

من خلال امتصاصها 90% من فائض الحرارة العالق في الغلاف الجوي بسبب انبعاثات غازات الدفيئة، "تزداد حرارة المحيطات بسرعة متنامية" بوتيرة أسرع بمرّتَين في العقدَين الأخيرَين مقارنة بما كانت عليه في عام 1960، بحسب ما تُبيّن عالمة المحيطات في مركز "ميركاتور أوسيان" أنجليك ميليه لوكالة فرانس برس، مع الإشارة إلى أنّ معدّل الحرارة عند سطح المحيطات في عام 2024 حطّم المستوى القياسي الذي كان قد سُجّل في عام 2023. وهذا المركز العالمي الذي يتّخذ من فرنسا مقرّاً له يُعنى بالتحليلات والتوقّعات الخاصة بالمحيطات، ويُطبّق برنامج الاتحاد الأوروبي للخدمات البحرية التابع لمرصد كوبرنيكوس.

وعلى الرغم من بعض الاستقرار المسجّل في مطلع عام 2025، فإنّ معدّل الحرارة عند سطح المحيطات ما زال عند مستويات غير مسبوقة، بحسب ما تظهر بيانات مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي.

ويشير الباحث تيبو غينالدو في مركز "ميتيو فرانس" التابع للمركز الوطني الفرنسي لأبحاث الأرصاد الجوية في لانيون (شمال غرب) إلى أنّ منذ عام 1982، "انتقلت مساحة المحيطات التي شهدت موجات حرّ بحري، في خلال سنة معيّنة، من 50% إلى 80%، فيما تضاعف تواترها". ويشدّد غينالدو لوكالة فرانس برس على أنّ "البحر الأبيض المتوسط راح يحطّم مستوى الحرارة القياسي سنوياً في الأعوام الثلاثة الأخيرة"، وهو من أكثر الأحواض البحرية عرضة للتداعيات مع شمال المحيط الأطلسي والمنطقة القطبية الشمالية.

ومن التداعيات المباشرة لذلك بحار أكثر حرّاً، الأمر الذي يجعل العواصف عاتية أكثر و"موجات القيظ البحرية" أكثر فتكاً بالأنواع، ولا سيّما المرجان والشعاب البحرية غير القادرة على التنقّل. وبالنسبة إلى المرجان من المتوقّع أن ينفق ما نسبته 70% إلى 90% منها في حال بلغ الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية. وهو أكثر السيناريوهات ترجيحاً بالنسبة إلى الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

ارتفاع أكيد في مستوى المياه

عندما يُسخّن سائل أو غاز ما فإنّهما يتمدّدان ويشغلان مساحة أكبر. أمّا بالنسبة إلى المحيطات، فيترافق التمدّد الحراري مع ذوبان بطيء في الغطاء الجليدي، غير أنّه لا يُعوَّض. وتقول عالمة المحيطات في مركز "ميركاتور أوسيان" إنّ بمعدّل عالمي "ارتفع مستوى المياه من 20 إلى 25 سنتيمتراً منذ مطلع القرن العشرين"، نصفها تقريباً منذ عام 1993 "لأنّ الوتيرة هنا كذلك تسارعت"، بحسب ما تؤكد ميليه.

وفي حال تَواصَل الميل الحالي للاحترار، فقد تتضاعف هذه الوتيرة بحلول 2100 للوصول إلى سنتيمتر واحد في السنة، وفقاً لدراسة صدرت أخيراً. يُذكر أنّ نحو 230 مليون شخص في العالم يقيمون على مسافة أقلّ من متر فوق مستوى البحر. وتوضح ميليه أنّ "احترار المحيطات كما ارتفاع مستوى البحر من العمليات التي صارت حتمية في حياتنا وعلى مدى قرون عدّة". تضيف: "لكن، إذا خفّضنا انبعاثات غازات الدفيئة فإنّنا سوف نخفّض وتيرة الأضرار وحجمها وسوف نكسب بعض الوقت على صعيد التكيّف" مع التغيّرات.

حموضة أعلى وأوكسجين أقلّ في المحيطات

وتقول عالمة المحيطات في مركز "ميركاتور أوسيان" إنّ المحيطات لا تخزّن فقط الحرارة، "بل تمتصّ كذلك نحو ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بنشاطات الإنسان"، وهو ما أدّى بالتالي إلى "ازدياد حموضة سطح المحيطات بنسبة 30% في السنوات الأربعين الأخيرة". وتُضعف الحموضة المرجان وتجعل تكلّس قوقعات الرخويات والهيكل العظمي للقشريات وبعض العوالق أكثر صعوبة.

وتلفت ميليه إلى "مؤشّر رئيسي آخر هو تركّز الأوكسجين"، وهو أمر "مهمّ بطبيعة الحال للحياة البحرية"، علماً أنّه "تراجع بنسبة 0.8% إلى 2.4% في أعالي المحيطات في السنوات الخمسين أو المئة الأخيرة".

تقلّص الكتل الجليدية

في فبراير/ شباط 2025، بلغ تراكم الكتل الجليدية في القطبَين مستوى أدنى غير مسبوق، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى حلقة مفرغة. ويوضح الباحث في مركز "ميتيو فرانس" التابع للمركز الوطني الفرنسي لأبحاث الأرصاد الجوية أنّ من جهة تتقلّص الكتل الجليدية فتصل طاقة شمسية أكبر إلى البحر وترفع حرارته، ومن جهة أخرى "فإنّ الجليد الذي يذوب يكون لونه أكثر قتامة ولا يعكس الضوء بحسب ما يجب". يضيف غينالدو أنّ ذلك "يساهم في ذوبان أكبر للجليد" ويغذّي ظاهرة "التضخيم القطبي" التي تجعل الاحترار المناخي أسرع وأكثر حدّة في القطبَين.

(فرانس برس، العربي الجديد)

Read Entire Article