ماذا يخبرنا الـ "ميركاتو" عن قوة الأندية؟

1 week ago 3
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">ريال مدريد وبرشلونة ضمن الأقوى في عالم كرة القدم (رويترز)</p>

مع كل فترة انتقالات  تتحول سوق اللاعبين إلى مؤشر واضح يعكس التغييرات الاقتصادية في كرة القدم، ما بين حجم الإنفاق وتوزيع الصفقات بحسب الحاجات وفئات التعاقدات بين نجوم الفريق، وأصبحت هذه الخطوات مرآة تعكس الوضع المالي للأندية ومدى قدرتها على المنافسة داخل وخارج الملعب، من أجل تحقيق غايتها من التكامل الإداري والفني من أجل تحقيق البطولات، وهو ما لم يتوافر في بعض الأندية التي تكتفي بصفقات مجانية أو إعارات، مما يطرح تساؤلات حول الفوارق الاقتصادية المتزايدة وتأثيرها في شكل المنافسات.

وخلال الأعوام الأخيرة تحول الـ "ميركاتو" في أكثر من دوري إلى ما يشبه البورصة الكروية التي تعكس مقياس قوة الأندية، ليس فقط من حيث قدرتها على الشراء بل أيضاً من حيث قدرتها على التفاوض والإقناع واستغلال قيمتها التاريخية من أجل استثمار الموارد الخاصة بها، ومع دخول أطراف جديدة إلى السوق مثل الأندية السعودية بدفعة قوية من صندوق الاستثمارات السعودي، فقد بدأت ملامح القوة تتحرك من مراكز النفوذ التقليدية في أوروبا نحو خريطة أكثر تنوعاً.

تغيرات كثيرة طرأت على خريطة كرة القدم جعلت موازين القوى الشرائية تذهب بعيداً من الدوريات الكبرى مثل الدوري الإنجليزي والإسباني اللذين كانا يحتفظان بالصفقات التاريخية من الناحية المالية، ليزاحمهم الدوري السعودي للمحترفين ومن بعده بمسافة الدوري القطري في بعض الصفقات الكبرى، مما وضع معايير لحفاظ الأندية الأوروبية على لاعبيها من الإغراءات والقوة الشرائية التي ظهرت أخيراً على البطولات المذكورة، والتي تسعى إلى تطوير كرة القدم فنياً وإدارياً خلال الفترة الحالية، وهو ما تحقق بنسبة كبيرة في الدوري السعودي للمحترفين.

 ولكن وسط هذه التغيرات يبرز سؤال جوهري وهو إلى أي مدى يمكن اعتبار نشاط الأندية في سوق الانتقالات مؤشراً حقيقياً على قوتها الاقتصادية أو التفاوضية، وانعكاسها على منافسات الفرق وترتيب الدوريات حول العالم؟ فخلال الأعوام الأخيرة انقسمت القوة لدى أندية كرة القدم إلى القوة من الناحية الشرائية والتي تتمثل بصورة واضحة في الدوري السعودي، أو قوة من الناحية التفاوضية وفي هذه الحال قد يكون الأقرب لهذا نادي ريال مدريد الإسباني.

ضعف الإنفاق

سعت كثير من الأندية خلال الأعوام الأخيرة إلى امتلاك أفضل اللاعبين على الساحة الكروية من أجل الوصول إلى الكمال الفني وتحقيق النتائج الأفضل والتتويج بالبطولات، وهو ما توافر في كثير من الدوريات المختلفة حول العالم، مع بعض الحالات الاستثنائية التي حققت البطولات على غير المتوقع عقب صعوبة كبيرة خلال فترة الانتقالات الخاصة بها، سواء في بداية الموسم أو منتصفه، واختلف حجم الإنفاق على سبيل المثال في الدوري الإسباني لكرة القدم، فكان الوقت الذي يمتلك خلاله "ريال مدريد" فريقاً قوياً للغاية على مستوى جميع الخطوط بعد التحضير لذلك منذ أعوام عدة سابقة، كان في الناحية الأخرى "برشلونة" الذي عانى أزمة مالية طاحنة لم يستطع خلالها أن ينفق أي أموال من أجل التعاقد مع لاعبين خلال مرحلة انتقالية يرغب خلالها رئيس النادي خوان لابورتا في استعادة الفترة الذهبية للنادي بالعودة لمنصات التتويج، فبرشلونة لم يتمكن من التعاقد خلال الموسم الماضي إلا مع داني أولمو قادماً من "لايبزيغ" الألماني وباو فيكتور من "جيرونا" الإسباني، وذلك بسبب التزامه بسقف الرواتب المحدد له من قبل رابطة الدوري الإسباني.

وعلى رغم ضيق حدود التعاقدات فقد خرج "برشلونة" عن المألوف وتوج بالدوري والكأس وكأس السوبر ووصل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وسط أداء فني قوي، وهذا يعود لتفكير الإدارة في تعويض قلة الصفقات بالتعاقد مع مدرب قوي متمثل في الألماني هانسي فليك الذي استغل قيمة قطاع الناشئين داخل النادي، وهي حال استثنائية تعكس قيمة وقوة النادي على رغم ضعف حجم الإنفاق، قادها رغبة النادي الذي ينفق الملايين من أجل تكوين فريقه وتحقيق البطولات.

الدوري السعودي لاعب اقتصادي جديد

والنجاح وسط عدم الانفاق على الصفقات حالات استثنائية مثلما حدث في "برشلونة" خلال موسم 2024 – 2025، ولكن قوة الإنفاق هي ما يصنع النسبة الأكبر في نجاح الأندية بالبطولات، وأفضل مثال ما قام به الدوري السعودي للمحترفين بعدما فرض نفسه كلاعب رئيس في سوق انتقالات اللاعبين عالمياً، فكانت البداية الحقيقية للتحول في ديسمبر (كانون الثاني) 2022 حين أعلن نادي النصر السعودي ضم كريستيانو رونالدو في صفقة قدرت بـ 200 مليون يورو (227.7 مليون دولار) سنوياً، لتصبح واحدة من أضخم العقود في تاريخ كرة القدم، ولم يكن هذا الانتقال مجرد صفقة رياضية بل خطوة إستراتيجية أعادت رسم ملامح سوق اللاعبين بصورة عامة خلال الأعوام الأخيرة، إذ فتحت الباب لانفجار تعاقدات كبرى بعدها.

وفي صيف عام 2023 أصبح العمل على أشده في الدوري السعودي للمحترفين مع انطلاق فترة تعاقدات غير مسبوقة قادتها الأندية السعودية الكبرى بدعم مباشر من صندوق الاستثمارات العامة، إذ ضم البرازيلي الهلال نيمار دا سيلفا من "باريس سان جيرمان"، وألكسندر ميتروفيتش من "فولهام"، إضافة إلى روبن نيفيز من "وولفرهامبتون"، والنصر من جهته دعم صفوفه بساديو ماني من "بايرن ميونيخ"، والحارس دافيد أوسبينا، فيما ضم الاتحاد كريم بنزيما ونغولو كانتي، لكن بعقود مالية ضخمة وصلت لأكثر من 100 مليون يورو سنوياً لبعض اللاعبين، وأصبحت وجهة سوق الانتقالات عقب "ميركاتو" صيف 2023 هي الدوري السعودي للمحترفين، إذ لم تعد أندية أوروبا هي الوجهة الوحيدة للاعبي الصفوة حول العالم، إذ تجاوزت قيمة الصفقات في الدوري السعودي خلال "ميركاتو" صيف 2023 حاجز الـ900 مليون يورو، وهو ما وضعه في المركز الثاني عالمياً بعد الدوري الإنجليزي الممتاز، الدوري الأقوى في العالم، وبذلك يعكس الـ "ميركاتو"" قوة الأندية من حيث الإنفاق، ونتيجة ما قام به الدوري السعودي من نتاج كبير ومثمر، فقد زادت حدة المنافسة والأداء الفني خلال الموسمين الماضيين، وهو ما كتب لـ "الأهلي السعودي" التتويج بدوري "أبطال آسيا" للنخبة للمرة الأولى في تاريخه بعد امتلاكه كثيراً من المحترفين المميزين وعلى رأسهم روبرتو فيرمينو ورياض محرز وفرانك كيسيه وغيرهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دور الاستثمار

ولم يعد النجاح الرياضي مرتبطاً فقط بالتاريخ أو امتلاك الفريق جماهير أم لا، بل أصبح الاستثمار حجر أساس مهم لبناء الأندية الحديثة، وهو ما أثبتته تجارب بارزة في أوروبا والعالم العربي، إذ كان للإنفاق المالي المدروس تأثير مباشر في النتائج داخل الملعب، وأفضل الأمثلة على ذلك تجربة نادي باريس سان جيرمان منذ استحواذ "جهاز قطر للاستثمار" عليه عام 2011، فحولته من ناد محلي إلى قوة أوروبية، وتجاوز إجمال ما أنفقه النادي على التعاقدات 1.5 مليار دولار خلال العقد الماضي، نتج منه احتكار محلي تام للدوري الفرنسي والوصول إلى نهائي "دوري أبطال أوروبا" للمرة الأولى في تاريخه عام 2020، والتتويج باللقب أخيراً خلال العام الحالي لتتم التجربة الاستثمارية بنجاح.

وتكرر السيناريو نفسه مع "نيوكاسل يونايتد" بعد استحواذ من صندوق الاستثمارات العامة السعودي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فخلال موسمين فقط تحول النادي من فريق يصارع على الهبوط إلى أحد المتأهلين لـ "دوري أبطال أوروبا" بعد ضخ أكثر من 436 مليون دولار على صفقات مميزة، أبرزها برونو غيماريش وألكسندر إيزاك وغيرهما، وفي الساحة العربية يمكن أن نذكر تجربة بيراميدز في الدوري المصري الممتاز ضمن حالات الاستثمار الناجحة، بعد أن أصبح قادراً على منافسة "الأهلي" و"الزمالك" في أكثر من موسم، ووصل إلى نهائي "الكونفدرالية الأفريقية" عام 2020، وتتويجه بدوري أبطال أفريقيا العام الحالي بعد أداء مميز.

القوة التفاوضية للأندية

وبعيداً من قوة الإنفاق فهناك بعض الأندية التي ستكون لديها القدرة المالية على ضم أية صفقة مهما كان حجمها، ولكن ذلك يعتمد في المقام الأول على قوته التفاوضية والتي تعود لتاريخه وقيمته الكبرى، مثلما فعل "ريال مدريد" الإسباني بعد ضم المهاجم الفرنسي كيليان مبابي، والذي انتظره حتى انتهى عقده مع "باريس سان جيرمان" واكتفى بالتكفل بعقد اللاعب وبعض المميزات من دون حصول النادي الفرنسي على أي مقابل مادي للصفقة، وهو أسلوب سلكه رئيس النادي فلورنتينو بيريز خلال الأعوام الأخيرة بضم صفقات كانتقال حر من دون دفع مقابل مادي كبير، وآخرها الإنجليزي ترينت ألكسندر أرنولد، إذ كان من المفترض أن يضمه في صفقة انتقال حر ولكنه دفع 10 ملايين دولار من أجل حضور اللاعب معه في كأس العالم للأندية، وهذه النماذج تؤكد أن الإنفاق المالي ووحده ليس انعكاساً على قوة الأندية، لكنه قد يصبح دافعاً حاسماً حين يكون مدعوماً بتخطيط إداري وهيكل فني متماسك وقوة تفاوضية تغني عن أي استهلاك مادي لموارده.

subtitle: 
أسلوب "ريال مدريد" والقيود المالية في "برشلونة" طريقتان مختلفتان تقودان إلى النجاح
publication date: 
الثلاثاء, يونيو 3, 2025 - 20:45
Read Entire Article