ARTICLE AD BOX
في مشهد استفزازي بات يتكرر سنوياً ضمن ما تُعرف بـ"مسيرة الأعلام" أو "رقصة الأعلام" التي تنفّذ في ذكرى احتلال القدس عام 1967، أو ما يعرف إسرائيلياً "يوم توحيد القدس"، جاب آلاف المستوطنين شوارع البلدة القديمة في القدس المحتلة، اليوم الاثنين، على وقع الأغاني الصاخبة والهتافات العنصرية والرقص الجماعي ورفع أعلام الاحتلال الإسرائيلي بكثافة، ويتوسّطهم الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ومعهما أعضاء في الكنيست من تيار "الصهيونية الدينية".
وتعد "مسيرة الأعلام" من أبرز مظاهر تهويد القدس التي ينفّذ خلالها المستوطنون بدعمٍ رسمي حكومي وحماية من شرطة الاحتلال انتهاكات متصاعدة غير مسبوقة في كلّ عام، وسط زيادة في أعداد المقتحمين، وتعمّد إغراق المدينة المقدسة بالعلم الإسرائيلي. وفي تقييمه لـ"مسيرة الأعلام" لهذا العام، أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، ناصر الهدمي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ ما حدث فيها خلال التنقّل بين شوارع القدس المحتلة، وأزقة البلدة القديمة وصولاً إلى باب العامود، "لم يكن مجرد تكرار للمشهد السنوي، بل قفزة تهويدية كبيرة على المستوى الرمزي والميداني".
وأوضح الهدمي: "نحن لا نتحدث فقط عن الأعداد، بل عن مضمون ما جرى، عن تطورات خطيرة في نمط الاقتحام ونوعية الشخصيات المشاركة". ومن أبرز الشخصيات وفق الهدمي، بالإضافة إلى سموتريتش وبن غفير، "عضو الكنيست عميت هاليفي الذي يعتبر صاحب مشروع قانون التقسيم المكاني للأقصى، وعضو الكنيست زيفي يديدا سكوت الذي تفاخر بقتل الفلسطينيين يوميًا". وأشار الهدمي إلى أنّ "عدد المشاركين في المسيرة زاد عن السابق، وكذا الفعاليات التهويدية التي جرت في الأشهر الماضية؛ نتيجة قناعة الحركات الصهيونية بأن ردّة الفعل الفلسطينية والعربية عمّا يجري غائبة تماماً".
وأضاف أنّ "محاولة اقتحام الأقصى من قبل المستوطنين؛ بهدف ذبح القرابين فيما يسمى عيد الفصح قبل نحو أسبوعين، أعطى مؤشراً عن شكل المسيرة التي حصلت اليوم والتي على إثرها زادت الرغبة الإسرائيلية في تسريع وتيرة التهويد بعد وجود تصريحات ومواقف علنية خلال كلمات استعراضية ألقاها بن غفير أثناء المسيرة أعلن فيها بصراحة تغيير الوضع القائم بالقدس"، لافتاً إلى أنّ "أعداد المشاركين في المسيرة واقتحام الأقصى هو الأعلى منذ السنوات الماضية، وسط مشاركة من غلاة الحاخامات المتطرفين".
"مسيرة الأعلام".. سياسة إسرائيلية ممنهجة
وأوضح أنّ "الطقوس التي أُديت داخل المسجد تُعد سابقة في مستوى العلنية والتنظيم، فقد رفع المستوطنون أعلام الاحتلال داخل باحات الأقصى، وارتدى بعضهم قمصاناً مزينة بعلم إسرائيل، بينما أدى آخرون طقوس ’السجود الملحمي’ في الساحات الشرقية والغربية معاً، وليس فقط الشرقية كما جرت العادة في السنوات السابقة"، محذراً من أن "ما جرى في مسيرة الأعلام ليس فعلاً عشوائياً أو طارئاً، بل سياسة إسرائيلية ممنهجة".
وأردف "فالاحتلال يعمل وفق خطة استراتيجية تقوم على مراكمة الإنجازات، أي تثبيت واقع معين في كل مرحلة، والبناء عليه لاحقاً لتحقيق مزيد من السيطرة الدينية على القدس والأقصى وصولاً إلى التقسيم المكاني بعد أن تم تمرير التقسيم الزماني". وأشار إلى أنه "منذ ما قبل عام 2003 لم تكن بالأقصى ومحيطه اقتحامات بهذه الطريقة أو مسيرات أعلام بهذه الشاكلة، ثم بدأنا نرى أفواج المستوطنين أنحاء البلدة القديمة وصولاً للأقصى، تلاها أداء طقوس فردية بصمت، واليوم أصبحت جماعية وعلنية، بل ويُعترف بها رسمياً من قادة سياسيين وأمنيين".
ولفت الهدمي إلى أن الاحتلال سيعمل على تسويق ما جرى في مسيرة الأعلام وقبلها وبعدها، كواحدة من "إنجازات الحرب على غزة"، في محاولة لإثبات أن الحرب فتحت المجال أمامهم للتمدد الرمزي والديني في قلب المدينة المقدسة، عازياً غياب وجود أيّ ردّة فعل مقدسي كما جرى في السنوات السابقة إلى "حالة الإحباط التي يعيشها المقدسي اليوم، نتيجة تراكم الضغوط الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وإبعاد الرموز الدينية والوطنية عن المدينة، مع شعور متزايد بالخذلان العربي والدولي". ووفق الهدمي، "في السابق، كانت غزة تشكّل مظلة حماية وظهر إسناد للمسجد الأقصى، ورادع لاستمرار مسيرات الأعلام، أما الآن فيشعر المقدسيون أنهم وحدهم".
ورغم ذلك، لا يستبعد رئيس الهيئة المقدسية أن تنفجر الأمور في أي لحظة، بفعل الضغط النفسي والقهر الذي يعانيه المقدسيون، مضيفاً أن ردة الفعل قد تأتي من الشارع، ولو في صورة غير متوقعة، كرد فعل على ما جرى في هذه المسيرة تحديداً. وشدّد الهدمي على أن المراهنة على المواقف الرسمية لم تعد مجدية، داعياً إلى تعزيز الوجود الفلسطيني في الأقصى من قبل المقدسيين والفلسطينيين في الداخل، والعمل على الحفاظ على الهوية المقدسية.
غياب المواقف
بدوره، اعتبر عضو الهيئة الإسلامية العليا في القدس، أمجد شهاب في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مسيرة الأعلام المدعومة حكومياً تُسرع عملية التهويد، وتمهّد لفرض سيطرة كاملة على الأقصى والبلدة القديمة"، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تنتهك الوضع القانوني للقدس المحتلة. وحذر من أن غياب ردود الفعل على ما جرى يعزز المخاوف من إصدار قرار يشرعن السيطرة الإسرائيلية على 70% من مساحة الأقصى.
وأوضح شهاب أن وصول المسيرات إلى باب العامود بما يشكّله من رمزٍ تاريخي قاوم فيها المقدسيون في السنوات السابقة مسيرات الأعلام يُرسل رسالة واضحة بأن الاحتلال يعتبر القدس "موحدة تحت سيطرته"، خاصة مع غياب المواجهات الفلسطينية الفاعلة. وشدد المتحدث ذاته على أن "صمود المقدسيين رغم العقبات بحقّهم والقيود يشكل حاجزاً أمام المخططات الإسرائيلية التي لا يكفي مواجهتها بالصمود المقدسي"، ما يتطلب، وفقه، "موقفاً واضحاً من الأطراف العربية الرسمية والفلسطينية التي تغيب تماماً عن دعم وسائل المواجهة لهذه المسيرة التي ستكرر في المراحل القادمة التهويدية".
