مصر: إيداع "سفاح المعمورة" مستشفى الأمراض النفسية

5 days ago 3
ARTICLE AD BOX

أمرت محكمة جنايات الإسكندرية، شمالي مصر، اليوم الثلاثاء، بإيداع المتهم المعروف إعلامياً بـ"سفاح المعمورة" مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية لمدة 15 يوماً قابلة للتمديد إلى 30 يوماً، لعرضه على لجنة ثلاثية طبية متخصصة تفحص حالته النفسية والعقلية، وترفع تقريراً طبياً مفصلاً وموقعاً من مدير المستشفى حول مدى سلامة قواه العقلية وقت ارتكاب الجرائم. ومن المقرر استئناف جلسات المحاكمة في 28 يونيو/حزيران المقبل، عقب ورود رأي اللجنة.

وفي جلسة اليوم، التي جاءت الثانية له، بدا المتهم في بداية الجلسة متوتراً، ممسكاً بالمصحف ويتمتم بكلمات غير واضحة، قبل أن يستعيد تماسكاً نسبياً وحاول الرد على شهود العيان، إما بتكذيب رواياتهم أو التعليق عليها بقدر من التحكم في انفعالاته. لكن هذا التماسك لم يدم طويلاً، إذ عاد المتهم إلى حالة من الارتباك النفسي قبيل إعلان القاضي الاستراحة، مردداً عبارات غير مفهومة، وسط دهشة الحضور وترقب هيئة الدفاع، ما دفع المحكمة للاستجابة لطلب عرضه على لجنة طبية متخصصة، باعتبارها خطوة جوهرية قد تحدد مسار المحاكمة برمتها.

وعند سؤال هيئة المحكمة للمتهم عن رغبته في استدعاء شهود جدد، أجاب بالنفي مكتفياً بما جرى خلال الجلسات السابقة.

تُعد قضية "سفاح المعمورة" واحدة من أكثر القضايا الجنائية إثارة للرعب في الإسكندرية خلال السنوات الأخيرة، لما احتوته من تعدد جرائم قتل وبشاعة في الأساليب، مع تداخل دوافع مادية ونفسية، واستغلال المتهم – وهو محامٍ – لثقة الضحايا ومكانته القانونية. المتهم، البالغ من العمر 52 عاماً، تورط في قتل ثلاثة ضحايا على الأقل خلال سنوات عدة، وإخفاء جثامينهم داخل شقق مستأجرة حتى قادت بلاغات متكررة والصدفة إلى كشف القضية.

وكانت الضحية الأولى زوجته العرفية "م. ف. ث"، ربة منزل، حيث نشبت بينهما خلافات دفعته لقتلها وإخفاء جثتها تحت البلاط في شقة المعمورة. أما الضحية الثانية، فكانت موكلته "ت. ع. ر" التي طالبت برد أموال استولى عليها، فقتلها ودَفن جثتها بجوار جثة زوجته في ذات الشقة. والضحية الثالثة هي المهندس "م. إ. م"، الذي اختفى قبل أكثر من ثلاث سنوات، وعثر على جثته مدفونة في شقة أخرى بالعصافرة.

وتنوعت طرق القتل بين الخنق والضرب بآلات حادة، فيما عمد المتهم إلى دفن الجثث بطرق احترافية مستخدماً الأسمنت والرمال لإخفاء الروائح، مما صعّب اكتشاف الجرائم لفترات طويلة. كما استولى على أموال وممتلكات الضحايا بعد كل جريمة، دافعاً بذلك بأسباب مالية إلى جانب دوافع شخصية ونفسية. وبدأت القضية بتلقي بلاغات عن اختفاءات غامضة، لكن نقطة التحول الحاسمة كانت سماع جيران صراخ امرأة بشقة المعمورة، ليتم التدخل واكتشاف جثتين مدفونتين فيها، قبل أن يُعثر لاحقاً على الجثة الثالثة في العصافرة، ما أثار صدمة واسعة وتحول إلى قضية رأي عام.

وعلى الرغم من فداحة الجرائم وتعقيد ملفها، طغى ملف الصحة النفسية للمتهم على سير المحاكمة، خاصة بعد ظهوره بحالة اضطراب نفسي متكرر خلال الجلستين الماضيتين. والقرار الأخير بإحالته إلى مستشفى العباسية يمثل منعطفاً هاماً قد يغير من طبيعة المسؤولية الجنائية إذا ثبت وجود مرض نفسي وقت ارتكاب الجرائم، وهو ما ستحدده نتائج التقرير الطبي المنتظر.

قضية "سفاح المعمورة" ليست مجرد قضية جنائية تقليدية، بل هي تقاطع بين الانحراف النفسي والاجتماعي، والفساد الأخلاقي والمهني، وتطرح تساؤلات عن آليات الرقابة على بعض رجال القانون، وثقافة العنف الخفي، وقدرة المجتمع على رصد الخطر الكامن خلف الواجهة القانونية المحترمة.

هل كان المتهم مختلاً منذ البداية؟ أم أنه مجرم متقن ارتدى قناع الجنون بعد انكشاف أمره؟ وهل ستنجح اللجنة الطبية في حسم هذا الجدل؟ أسئلة تنتظر أجوبتها في جلسة 28 يونيو/حزيران المقبلة، التي من المتوقع أن تكون حاسمة في ملف إحدى أشهر الجرائم الكبرى في مصر خلال السنوات الأخيرة.

Read Entire Article