ARTICLE AD BOX
تواجه خطط تدشين خط أنابيب "نيتسانا" الاستراتيجي لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر تأخيرات غير متوقعة، نتيجة خلافات بين شركاء حقلي ليفياثان وتمار من جهة، وهيئة الغاز الطبيعي الإسرائيلية من جهة أخرى، بشأن تقاسم الكميات والتكاليف، وهو ما يهدد أمن الطاقة في القاهرة، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة حادة في إمدادات الغاز وتراجعاً في الإنتاج المحلي. كما يهدد برسم ملامح جديدة لسوق الغاز في شرق المتوسط خلال السنوات المقبلة. وبحسب تقرير حديث نشرته منصة "ميس" لأخبار الطاقة، فإن مشروع خط نيتسانا الذي تبلغ سعته المخططة 600 مليون قدم مكعبة يومياً، والذي كان من المفترض تشغيله خلال عام 2025، جرى تأجيله حتى النصف الأول من عام 2028، وفقاً لشركة "نيو ميد إنيرجي"، إحدى شركاء حقل ليفياثان.
ويتوقع أن يؤدي هذا التأخير إلى إبقاء صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر عند سقف 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً، بدءاً من النصف الثاني من عام 2026، وهو ما يضع قيوداً على قدرة مصر في تأمين بديل مستقر وأقل تكلفة لواردات الغاز الطبيعي المسال مرتفعة الأسعار، لا سيما مع تزايد الطلب المحلي وتراجع الإنتاج المحلي من الغاز. وبلغت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر في الربع الأول من عام 2025 مليار قدم مكعبة يومياً، وسط خطط لرفع الكمية إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً بحلول نهاية العام، عبر تحديث خط أنابيب شرق المتوسط ومحطات الضغط بالأردن. لكن هذه الزيادة ستبقى قيد التجميد حتى إشعار آخر ما لم يجر حل الخلاف حول مشروع نيتسانا.
ضغوط إسرائيلية على مصر
ويمتد خط نيتسانا على مسافة 65 كيلومتراً، ويهدف إلى ربط الشبكة الجنوبية للغاز في إسرائيل بالشبكة المصرية في شرق سيناء. وبسعة مستهدفة تصل إلى 600 مليون قدم مكعبة يومياً، فإن الخط يعد مفتاحاً لرفع الطاقة التصديرية الإسرائيلية إلى 2.2 مليار قدم مكعبة يومياً، مقارنة بالحد الحالي البالغ 1.6 مليار قدم مكعبة فقط. لكن المشروع لا يواجه فقط عراقيل فنية، بل أيضاً حسابات سياسية واقتصادية معقدة، إذ تشير تقارير متداولة في القاهرة وتل أبيب إلى نية شركاء ليفياثان وتامار إعادة التفاوض على أسعار بيع الغاز لمصر، ورفعها من أقل من 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إلى مستويات أعلى، مستغلين فجوة العرض والطلب في السوق المصري.
وقالت مصادر في قطاع الطاقة لوكالة رويترز الأسبوع الماضي إن إسرائيل تمارس ضغوطاً لزيادة صادراتها من الغاز إلى مصر بنسبة 25%، وهو ما ينظر إليه بوصفه جزءاً من محاولة إسرائيلية لتعزيز مكانتها مصدراً رئيسياً للغاز في الإقليم، في وقت تتصاعد فيه الحاجة المصرية لتأمين الإمدادات، خصوصاً خلال ذروة الاستهلاك في الصيف. وتعد مصر ثاني أكبر مشتر للغاز الإسرائيلي بعد الأردن، وتشتريه بسعر أقل من الغاز المسال المستورد، لكن تأخر توسعة البنية التحتية للأنابيب، واحتمال تعديل الأسعار قد يضيف عبئاً مالياً جديداً على شركة "بلو أوشن إنيرجي" المصرية، الجهة المستوردة للغاز.
خيارات مصر
وتشكّل أزمة تأجيل "نيتسانا" انتكاسة لجهود القاهرة في تنويع مصادر الغاز وخفض فاتورة الاستيراد، فالأزمة ليست مجرد تعثر في جدول زمني لمشروع، بل تعبير عن هشاشة معادلة أمن الطاقة في مصر، التي باتت تعتمد بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي باعتباره مصدراً أقل تكلفة لكن عالي المخاطر، في ظل هشاشة التفاهمات السياسية والاقتصادية بين الطرفين.
وأمام هذا المشهد، لا تملك مصر كثيراً من الخيارات السهلة. فهي تدرس العودة إلى الشحنات الفورية رغم ارتفاع تكلفتها، وتسعى لتفعيل مشاريع الربط مع ليبيا والجزائر، أو الدخول في مفاوضات جديدة لعقود توريد طويلة الأجل بأسعار تفضيلية. وفي الوقت ذاته، تحاول الحكومة رفع إنتاج الحقول القائمة وجذب استثمارات جديدة في قطاع التنقيب، لكن العائد منها لن يكون فورياً.
وفي 26 مايو/أيار الماضي، أعلنت وزارة البترول المصرية، أن وحدة التخزين وإعادة التغييز العائمة "إنرغوس باور" وصلت إلى مصر قادمة من ألمانيا بسعة 174 ألف متر مكعب، في إطار سعي القاهرة لزيادة وارداتها من الغاز استعداداً لذروة الطلب على الطاقة خلال فصل الصيف. وأضافت الوزارة أن الوحدة مستأجرة من شركة "نيو فورتريس إنرجي" ومقرها الولايات المتحدة، وهي واحدة من أربع وحدات تعتزم مصر استئجارها، لم يصل اثنتان منها بعد.
أزمة خانقة
وكشفت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة رويترز، الأسبوع الماضي، أن مصر بدأت مفاوضات مكثفة مع شركات طاقة وتجارة عالمية لاستيراد ما بين 40 إلى 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، بتكلفة قد تصل إلى 3 مليارات دولار، لمواجهة أزمة طاقة خانقة تهدد بانقطاعات كهرباء واسعة خلال أشهر الصيف. وتعاني مصر من تراجع حاد في إنتاج الغاز الطبيعي، حيث سجل فبراير/شباط الماضي أدنى مستوى للإنتاج منذ تسع سنوات، ما دفع البلاد إلى التخلي عن طموحاتها في تصدير الغاز إلى أوروبا، لتعود إلى وضع "المستورد الصافي". وقد اشترت بالفعل 1.84 مليون طن من الغاز المسال في 2024، بحسب بيانات "ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس".
ومع ضيق هامش المناورة بسبب شح النقد الأجنبي، بات خيار استيراد الغاز المسال عبئاً مالياً كبيراً، خاصة أن سعره العالمي يتجاوز 13 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بنحو 6 دولارات للغاز الإسرائيلي المرتبط بأسعار النفط.
وتشير إحصاءات مبادرة البيانات المشتركة (جودي) إلى أن الغاز الإسرائيلي يمثل بين 40% إلى 60% من واردات مصر من الغاز، وما بين 15% إلى 20% من إجمالي الاستهلاك المحلي. وتُجري القاهرة محادثات مع كل من قطر، والجزائر، وأرامكو السعودية، وعدد من شركات التجارة العالمية لتأمين هذه الشحنات، لكن الغموض ما زال يكتنف نتائج هذه المفاوضات، خاصة في ظل الضغط الكبير على الأسواق الدولية خلال ذروة الطلب الصيفي.
