ARTICLE AD BOX
لا يزال الشاب التونسي طارق الحلواني يحاول استرداد حقوقه المدنية، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على مغادرته السجن، بعد قضاء عقوبة مدة سنة بتهمة الاعتداء على شخص. يحاول الحلواني (32 سنة) تنقية سجله المدني من السوابق العدلية وشطب العقوبة بغاية الحصول على وظيفة في إحدى الشركات الصناعية واستغلال كفاءته في مهنة السباكة واللحام، وهو أمر غير متاح بالنسبة لمن خاضوا تجربة السجن.
يقول لـ"العربي الجديد" إن "خريجي السجون ممنوعون اجتماعياً وعملياً من الحصول على وظائف. تجاوزت مرحلة الوصم الاجتماعي، لكنني غير قادر على تجاوز البطالة القسرية نتيجة عدم قدرتي على تنقية بطاقة السوابق العدلية التي يطلبها المشغلون كلما تقدمت بطلب عمل"، مضيفاً أنه يعاني من الإقصاء الآلي من الشغل كلما تقدم لطلب وظيفة، كما أنه محروم من المشاركة في مناظرات الانتداب بسبب عدم نقاوة سجله المدني وطول إجراءات استرداد الحقوق المدنية.
ويعتبر الشاب التونسي أن مرارة الحرمان من حق العمل بسبب عدم نقاوة السجن العدلي أصعب من تجربة السجن نفسها، لافتاً إلى أن آلاف الشباب الذين عاشوا التجربة نفسها يعانون من الإقصاء الممنهج من سوق الشغل، ما يدفع العديد منهم إلى العودة للجريمة، مشيراً إلى أنه تتعيّن مراجعة آليات استرداد الحقوق وتنقية صحيفة السوابق العدلية لحماية الشباب المُسرحين من السجون من التهميش والوصم الاجتماعي والفقر.
وتعد بطاقة السوابق العدلية وثيقة أساسية في عملية التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، غير أن صعوبات عديدة تعترض المساجين السابقين في محو الأحكام الصادرة ضدهم من صحيفة السوابق، ما يحول بينهم وبين وصولهم إلى سوق الشغل وإبعاد شبح العودة إلى الجريمة.
%40 من سجناء تونس السابقين مهدّدون بالعودة إلى الجريمة نتيجة البطالة
وتحتاج تنقية السجل العدلي لمن سبقت محاكمتهم وفق الإجراءات المعمول بها في تونس إلى تحرير طلب عفو أو استرداد حقوق باسم وزير العدل وحقوق الإنسان الذي يرأس لجنة العفو. ويرفق الطلب بتقديم مؤيدات على غرار شهادة الخروج من السجن أو "وصل خلاص الخطية" أو شهادة سقوط العقاب بمرور الزمن، وذلك بعد عامين من ارتكاب الجناية أو ستة أشهر من ارتكاب الجنحة. وفي حال سبق للسجين التمتع باسترداد الحقوق، فإن اﻷجل يضاعف إلى أربع سنوات بالنسبة للجناية وسنة واحدة بالنسبة للجنحة، ولا يمكن تجديد الطلب الذي يُرفض إلا بعد انقضاء عام على الأقل من تاريخ الرفض.
يقول المحامي نزار الجابري إنه عملياً تستغرق مدة استرداد الحقوق للمساجين السابقين فترة زمنية أطول بكثير من الآجال المنصوص عليها في النصوص المنظمة استردادَ الحقوق المدنية. وأكد لـ"العربي الجديد" أن فترة تنقية صحيفة السوابق العدلية قد تصل إلى خمس سنوات أحياناً.
وينصّ القانون التونسي على أن تسند "شهادة استرداد حقوق"، التي تخوّل استخراج وثائق هوية لا تذكر فيها السوابق العدلية للمعني بالأمر، في أجل سنتين إن كان العقاب جناحياً (ارتكب الجاني جنحة عقابها سنتان سجناً أو أقل)، أو بعد خمس سنوات من قضاء عقوبة سجنية من أجل جناية (خمس سنوات فأكثر سجناً)، وتقدم الشهادات لطالبيها إما إثر طلب إلى وزارة العدل أو آلياً في وضعيات خاصّة.
وورد في تقرير رصد السجون التونسية 2022- 2025 الذي أصدرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أن 41% من نزلاء السجون هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة. ويؤكد مصطفى بن زين، رئيس جمعية "معاك" التي تهتم بمساعدة المساجين السابقين على الاندماج الاجتماعي، أن العراقيل التي تحول دون اندماج الشباب المُسرحين من السجون تساهم في عودتهم إلى الجريمة بنسبة عالية.
ويقول بن زين لـ"العربي الجديد" إن دراسة أنجزتها جمعية "معاك" أظهرت أنّ "السجون التونسية تستقبل نحو 23 ألف سجين، 40 % منهم مهدّدون بالعودة إلى الجريمة وقضاء عقوبات جديدة نتيجة صعوبات تحول دون اندماجهم مجدداً في المجتمع".
وكشفت الدراسة، استناداً إلى بيانات وزارة العدل، أنّ تكلفة السجين الواحد سنوياً تصل إلى 15 ألف دينار تونسي (نحو خمسة آلاف دولار أميركي) وهو مبلغ يضاهي تكلفة تأمين تعليم عشرة تلاميذ، بحسب تقديرات تكلفة التمدرس التي عمل عليها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
وتدفع منظمات حقوقية نحو تعويض العقوبات السجنية السالبة للحرية بعقوبات مدنية أو سوار إلكتروني للحدّ من الاكتظاظ في السجون، ومنح فرص إصلاح أكبر للتلاميذ والطلاب الذين يقعون في براثن الجريمة، إذ إنّ الحرية هي الأصل في القوانين الدولية.
