ARTICLE AD BOX
يعيش معوقو مخيمات النزوح في غزة الواقع الأكثر قسوة بين أكثر بين مليوني نازح فلسطيني، في ظل عدم توفر أدنى مقومات الحياة الكريمة لهم، بينما يزيد انعدام المتطلبات الأساسية معاناتهم اليومية. وتتضاعف قسوة النزوح وأوامر الإخلاء عند أصحاب الإعاقات المختلفة، سواء في لحظة انتقالهم القسري من منطقة إلى أخرى، أو خلال عيشهم داخل خيام غير مهيأة، وفي طرق وعرة، ومراحيض لا تصلح لاستخدام من لا يستطيع المشي أو الاعتماد على نفسه.
ويواجه ذوو الإعاقة الحركية صعوبات جسدية، بينما يعاني الصم والمكفوفون عزلة تامة داخل بيئة مزدحمة ومليئة بالضجيج والتوتر، خاصة في ظل تكدّس مدارس ومخيمات النزوح بمئات آلاف الفلسطينيين الذين يعانون مختلف أشكال الحرمان والقسوة. ويزيد النقص الحاد في المواد الغذائية بفعل نفاد المواد الأساسية وتفشي المجاعة معاناتهم، إذ يتسبب غياب الوجبات الغنية بالعناصر الصحية بآثار جانبية تضاعف معاناتهم وتؤخر استجابتهم للعلاج، خاصة في ظل فقدان العديد من الأدوية اللازمة، واضطرارهم إلى استخدام بدائل أقل جودة. أيضاً لا يخصص النظام الإغاثي برامج لذوي الإعاقة، في ظل ندرة الكراسي المتحركة، وإذا توافرت فهي لا تتلاءم مع طبيعة أماكن وجودهم.
ويقدر عدد ذوي الإعاقة في قطاع غزة بأكثر من 100 ألف، بحسب بيانات محلية ودولية. وتتراوح أسباب إعاقاتهم بين إصابات الحروب، وأمراض وراثية، ومشاكل في الحمل والولادة، إضافة إلى الحصار الذي يعطل الوصول للعلاج والتأهيل. وبعد التهجير القسري الواسع النطاق خلال الحرب لجأ آلاف منهم إلى مدارس ومخيمات نزوح غير مهيأة إطلاقاً لاحتياجاتهم في ظل تضمنها أرضيات رملية وحفر وغياب الأرصفة، وعدم توفر حمامات مجهزة، ما جعل الحركة شبه مستحيلة لمن يستخدم كراسي متحركة أو عكازات، ويضطر معظمهم إلى الحصول على مساعدة من أحد أفراد الأسرة للذهاب إلى المرحاض العام وسط انعدام الخصوصية.
وتسبب العدوان في غياب الخدمات الطبية والتأهيلية، إذ توقفت معظم مراكز العلاج الطبيعي بسبب الحرب وتدمير البنى التحتية، في ظل انقطاع جلسات التفريغ النفسي، والنقص الحاد في الأجهزة المساعدة مثل الأطراف الصناعية، والكراسي المتحركة، والسماعات الطبية، أو عدم القدرة على صيانتها.
يعيش الفلسطيني شريف عزام، وهو أصم، داخل خيمة بيضاء مهترئة نُصبت على أرض رملية وسط مدينة غزة، وبدأت أزمته مع الإعاقة منذ ولادته، لكن معاناته تضاعفت جراء النزوح المتواصل وقسوة حياة التشرد. وقال نجله محمد لـ"العربي الجديد": "يشعر والدي بأنه عاجز منذ بداية الحرب بعدما اضطرت العائلة إلى النزوح مرات وكانت كل مرة أصعب عليه خاصة في ظل فقدانه القدرة على مواصلة جلسات التأهيل والعلاج. أضاف: "لا يوجد إشارات أو مترجمون، وحين يصدر إنذار بالإخلاء أو غارة لا يفهم والدي ماذا يجري حوله سوى عندما يلاحظ الحركة غير الطبيعية وحالة الاستنفار من حوله".
وقال محمد الراجي الذي فقد قدمه جراء قصف إسرائيلي استهدف بيت جيرانه بداية الحرب لـ"العربي الجديد": "تسبب العدوان الإسرائيلي بمعاناة في مختلف تفاصيل الحياة، وهي مضاعفة لدى الجرحى والأشخاص ذوي الإعاقة بسبب صعوبة الحركة. شخصياً أحتاج إلى أرضية مستقرة للحركة على العكاز، وهذا غير متوفر في المخيمات العشوائية والمقامة في أراضٍ رملية أو زراعية، لذا أشعر بالقلق مع كل خطوة أخطوها، فقد يتسبب تعثري بكسر قدمي الثانية". أضاف: "النقص الشديد في الغذاء والطلب المتواصل بالإخلاء من منطقة إلى أخرى يزيد معاناتي، إذ أُجبَر على التكيّف مجدداً بالحدّ الأدنى مع المكان الجديد".
من جهتها، لم تستطع أم خالد عبد الباري الحصول على كرسي متحرك بعدما فقدت القدرة على الحركة جراء جلطة دماغية، وتعيش اليوم في أحد مراكز الإيواء حياة بائسة، وتضطر إلى استعارة كرسي من أحد أقاربها عند حاجتها للتحرك خارج خيمتها. وقالت لـ"العربي الجديد": "حاولت ابنتي فاطمة بلا جدوى توفير كرسي متحرك لي، لأن هناك نقصاً شديداً بالكراسي في ظل عدم السماح بدخول المستهلكات الطبية والأجهزة المساعدة، كما لا تتوفر قطع الغيار لإصلاح الكراسي المعطلة".
وتحدث أخصائي التأهيل المجتمعي سليم مراد لـ"العربي الجديد" عن أن "الفئات الأكثر هشاشة، مثل ذوي الإعاقة، تبقى خارج دائرة الاهتمام في كثير من الأحيان بظل الدمار والنزوح في غزة، علماً أنها كانت تعاني أصلاً التهميش وضعف الإمكانيات قبل الحرب التي تسببت بظروف لا تطاق للأشخاص ذوي الإعاقة الذين اضطر كثيرون منهم إلى النزوح من بيوتهم من دون معداتهم الطبية أو مساعدة، وفي بعض الحالات من دون أطرافهم الصناعية أو الكراسي المتحركة.
ويشدد مراد على أن "الخيام والمدارس غير مهيأة إطلاقاً في ظل عدم وجود حمامات تتناسب مع احتياجاتهم أو أرضيات تسمح بالحركة الآمنة، أو حتى بيئة تراعي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية. وفي ما يتعلق باستجابة المؤسسات المعنية لمتطلبات ذوي الإعاقة، قال: "الاستجابة العامة غير موجهة كفايةً لذوي الإعاقة، معظم الجهات كانت تقدم مساعدات عامة مثل الخيام، والطعام والمياه دون التفكير في مدى قدرة الشخص على الوصول للخيمة أصلاً أو استخدام الحمام أو الحصول على وجبته بدون مساعدة".
ويشير مراد إلى أن "تكرار النزوح بات يؤثر على الصحة النفسية للأشخاص ذوي الإعاقة. نتحدث عن فئة كانت تجد صعوبة في التأقلم مع بيئتها الطبيعية، وعندما تغير كل شيء زادت المعاناة، ما تسبب بدخول غالبيتهم في نوبات اكتئاب أو عزلة، أو شعور بالعجز نتيجة عدم القدرة على توفير متطلبات الأسرة". تابع: "الحاجة ماسة لتوفير بيئة آمنة ومهيأة، وحمامات مخصصة، وأرضيات مستقرة، وأجهزة مساعدة ومتخصصين نفسيين، وأيضاً إلى دمج ذوي الإعاقة في التخطيط والاستجابة، وعدم الاكتفاء باعتبارهم مجرد مستفيدين أو حالات، ما يساهم في تحسين حالتهم النفسية".
ويعاني الصم والبكم صعوبة التواصل، إذ لا يوجد مترجمون للغة الإشارة داخل المخيمات، بينما يفقد المكفوفون حسّ الاتجاه والتوازن بسبب التغير الكبير في بيئتهم الجديدة، في ظل عدم وجود مساحات آمنة أو هادئة، ما يؤدي إلى تدهور كبير في صحتهم النفسية، خاصة لمن لديه اضطرابات إدراكية أو عقلية. ولا توجد آلية خاصة للمعوقين في حال توزيع المساعدات، ما يضطرهم إلى الوقوف في الطوابير أو الاعتماد على آخرين، ما يشعرهم بالإهانة والعجز. كما تعاني شريحة منهم الانسحاب الاجتماعي ويصابون بنوبات اكتئاب بفعل تراكم الأعباء عليهم وعلى أسرهم في ظل قسوة حياة النزوح.
