مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا أسيرة التعنت المتبادل

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX

مع استمرار العد التنازلي للموعد الذي اقترحته روسيا لعقد جولة جديدة من المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول التركية، غداً الاثنين، لم تؤكد كييف قبولها الدعوة لحضور مفاوضات إسطنبول بصورة رسمية. ولا يزال الغموض سيد الموقف حول ما إذا كانت المحادثات ستنعقد من أساسها، وما إذا كانت ستفضي إلى انفراجة بعد ثلاث سنوات على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022. ثمة عوامل تزيد من ضبابية آفاق مفاوضات إسطنبول بين الروس والأوكرانيين، ومن بينها إصرار روسيا على مطالبها المتعلقة بانسحاب القوات الأوكرانية من المقاطعات الأوكرانية الأربع (دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون) التي ضمتها موسكو في عام 2022. ويقابل ذلك تزايد الدعم الأوروبي لأوكرانيا، لا سيما بعد رفع ألمانيا القيود على الضربات الأوكرانية بصواريخ غربية في عمق الأراضي الروسية. يضاف إلى ذلك تبادل الهجمات المكثفة بين روسيا وأوكرانيا باستخدام المسيّرات والصواريخ في الأيام الأخيرة.


مكسيم يالي: التصعيد المتبادل لا يعني بالضرورة أن روسيا وأوكرانيا عازمتان على مواصلة الحرب

ظروف المعركة قبل مفاوضات إسطنبول

في المقابل، تبرز بوادر حسن نية من موسكو وكييف، ومن بينها إتمام أكبر صفقة تبادل أسرى منذ بداية الحرب شملت ألف أسير من كل طرف، بالإضافة إلى إبداء الكرملين استعداداً لإرساء هدنة مع أوكرانيا، في تغيّر لافت لموقف روسيا التي رفضت مراراً المقترحات الأوكرانية والغربية بإقرار هدنة مدتها 30 يوماً، مع اكتفاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإعلان هدنتين قصيرتين بمناسبة عيد الفصح في إبريل/نيسان الماضي وبمناسبة ذكرى النصر على ألمانيا النازية في التاسع من مايو/أيار الماضي. ومع ذلك، يعتبر المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، أن التصعيد المتبادل لا يعني بالضرورة أن روسيا وأوكرانيا عازمتان على مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، مشيراً إلى أن التصعيد العسكري في المراحل الختامية من الحروب أمر طبيعي يعكس سعي كل طرف لتحسين مواقفه قبل مفاوضات إسطنبول وإحلال السلام.

ويقول يالي في حديث لـ"العربي الجديد": "في المراحل الختامية من النزاعات، تسعى أطرافها لتعزيز مواقفها التفاوضية عبر تحقيق نجاحات في ساحة المعركة، وهو ما نشهده حالياً. روسيا، وفق تصريحات بوتين، واثقة أنها تنتصر وتسعى لتغيير مسار المعارك بواسطة شن هجمات إرهابية مكثفة على كييف وغيرها من المدن، بعد زيادة التصنيع المحلي للمسيرات باستخدام تصاميم إيرانية، بحثاً منها عن قلب الرأي العام الأوكراني ضد السلطة، وإن كانت هذه المقاربة خاطئة، نظراً لتزايد الكراهية تجاه العدو بعد كل عملية قصف".

وحول رؤيته لدوافع أوكرانيا لشن هجمات على مختلف المناطق الروسية، يرى يالي أن "أوكرانيا تسعى للإظهار أمام الجانب الأميركي أن لديها قدرة على شن هجمات مكثفة على المواقع العسكرية الروسية، بما فيها مصانع حربية، بعد وضع موسكو شروطاً تعجيزية خلال الجولة الأولى من مفاوضات إسطنبول ومطالبتها بالسيطرة على شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع، رغم أنها لا ولن تسيطر عليها بالكامل بأساليب عسكرية في الأفق المنظور، خصوصاً وأن شقا من مقاطعة خيرسون يقع في الضفة الغربية لنهر دنيبرو".

ويشكك يالي في واقعية التوقعات بأن المواقف الحالية للإدارة الأميركية قد تجلب السلام إلى أوكرانيا، قائلاً: "ثمة مشروع قانون عقوبات قد أحيل إلى مجلس الشيوخ ويحظى بتأييد أكثر من 80 عضواً، ولكنه يواجه عقبة متمثلة في موقف الرئيس دونالد ترامب الذي لا يزال يصدق أن بوتين يرغب في السلام، بينما لا تفهم روسيا سوى لغة القوة والضغط عبر خطوات جدية، من شأنها إحداث انهيار للعوائد النفطية، وإلا قد تشن موسكو تقدماً صيفياً لتحسين مواقفها التفاوضية بحلول الخريف المقبل. لذلك لا أرى آفاقاً للتوصل إلى اتفاقات فورية، لا سيما على ضوء الرفض الروسي المتكرر للمقترح الأوكراني بشأن وقف إطلاق النار أثناء المفاوضات".


قسطنطين بلوخين: كييف تسعى لكسب الوقت لتكرار سيناريو محادثات مينسك 

في موسكو، يشكك الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، هو الآخر في واقعية إحداث انفراجة في تسوية النزاع الروسي الأوكراني في الأفق القريب، مرجعاً موافقة كييف على مفاوضات إسطنبول إلى إدراكها شح الدعم الأميركي تحت إدارة ترامب. ويقول بلوخين، في حديث لـ"العربي الجديد": "أتوقع فشلاً للجولة الجديدة من مفاوضات إسطنبول حتى في حال انعقادها. إذا كانت أوكرانيا صادقة في نيتها إنهاء أعمال القتال، لما كانت استمرت في شن هجمات على المدن الروسية بواسطة المسيرات، بما في ذلك أثناء الاحتفالات بذكرى نصر على ألمانيا النازية في 9 مايو. يبدو أن تكتيك أوكرانيا يتلخص في السعي لتجميد النزاع مؤقتاً عبر قبول التفاوض، إدراكاً منها أن الدعم الأميركي لها لن يكون كبيراً طالما ظلّ ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة". ويقلل بلوخين من أهمية إسهام الانفراجة في ملف الأسرى في التسوية الشاملة، معتبراً أن "صفقات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا كانت تتم حتى قبل استئناف المفاوضات المباشرة، وهذا أمر طبيعي أثناء الحروب ولا يشكل بالضرورة بادرة للتسوية، بل يبدو أن كييف تسعى لكسب الوقت لتكرار سيناريو محادثات مينسك التي لم تفض إلى تسوية الوضع في دونباس (يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك) بين عامي 2014 و2022".

نزع سلاح أوكرانيا

وكان رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، غريغوري كاراسين، قد أكد أن مفاوضات إسطنبول قد تتناول مسألة "نزع سلاح أوكرانيا"، وهو أحد المطالب الروسية منذ إعلان بوتين ما قال إنه "عملية عسكرية خاصة" في البلد المجاور ليلة 24 فبراير/شباط 2022. وقال كاراسين الذي شارك في المحادثات الروسية الأميركية حول أوكرانيا في الرياض في مارس/آذار الماضي، لصحيفة إزفيستيا الروسية في عددها الصادر أول من أمس الجمعة: "نزع سلاح أوكرانيا هو واحد من أحكامنا الأساسية. ستجري مناقشة كافة الجوانب الملحة لبلادنا والوضع الدولي بشكل عام". من جهته، أوضح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو أعدت مذكرة حول شروط التسوية السلمية، تلخص الموقف الروسي من كافة جوانب تجاوز "الأسباب الجذرية" للأزمة، بما فيها مطلب حياد أوكرانيا. وقال لافروف في كلمته بمنتدى موسكو للأمن الدولي، الأربعاء الماضي، إن روسيا لن تعدل عن إصرارها على إلغاء كافة "القوانين التمييزية" بحق سكان أوكرانيا الناطقين باللغة الروسية، رابطاً تسوية النزاع بتحول أوكرانيا إلى دولة محايدة وغير نووية.

Read Entire Article