ARTICLE AD BOX
في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، أعلن قائد المحور الثاني في قوات البشمركة الكردية بإقليم كردستان شمالي العراق، اللواء مردان جاوشين، المضي في تشكيل لواءين مشتركين من الجيش العراقي والبشمركة، بهدف الانتشار في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإربيل، والتي يقع بعضها تحت سيطرة حكومة بغداد، والبعض الآخر تحت سيطرة حكومة إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
وتمتد المناطق المتنازع عليها ضمن محافظات كركوك التي تضم قضاء طوزخورماتو التابع إدارياً لمحافظة صلاح الدين، ونينوى الذي يشمل أقضية سنجار، والشيخان، والحمدانية، وناحية بعشيقة، والقحطانية، وديالى التي تضم قضاء خانقين ونواحيه، إضافة إلى قضاء بلدروز، كما تتنازع حكومتا بغداد وإربيل على قضاء بدرة، وناحية جصان في محافظة واسط الحدودية مع إيران.
وجاء الاتفاق على تشكيل اللواءين المشتركين لضبط خطوط التماس بين الجيش العراقي والبشمركة، فيما عُرف بعد الغزو الأميركي للبلاد بـ"المناطق المتنازع عليها"، وهي المدن والبلدات التي تضم خليطا قومياً كردياً وعربياً وتركمانياً، وتُصر إربيل على أنها جزء من مناطق إقليم كردستان، بينما ترفض بغداد ذلك. وبموجب المادة 140 من الدستور العراقي، فإنه يتوجب تنظيم استفتاء شعبي للسكان بتلك المناطق للاختيار، لكن منذ عام 2005 لم يتم تنظيم هذا الاستفتاء، بسبب عمليات التغيير الديمغرافي والعبث بتركيبة السكان، فضلاً عن التباين بين القوى السياسية، ورفض بعضها تنفيذ هذه الفقرة من الدستور على اعتبار أنها "غير صحيحة"، أو "انتهى زمنها"، بحسب تصريحات وردت في السنوات الماضية عن عدد منهم.
إدارة المناطق أمنياً عبر الشراكة بين بغداد وإربيل، هو ما تم التوصل إليه قبل نحو 3 سنوات، لكن لا شيء يذكر على أرض الواقع، إذ أعلنت قيادة العمليات العسكرية المشتركة في بغداد، مطلع عام 2023، أن "جميع الإجراءات المتعلقة بإنشاء اللواءين المشتركين مع قوات البشمركة قد استُكملت، ولم يبقَ إلا القليل للمباشرة بمهامها في مناطق الفراغ الأمني". لكن المباشرة لم تُعلن لغاية الآن، فيما يتحدث مراقبون كرد عن أن أحزاباً ووجهات نظر في بغداد، لا تريد المضي نحو شراكة عسكرية حقيقية مع إربيل.
وتواصل "العربي الجديد"، مع مسؤول من حكومة إقليم كردستان، الذي أكد أن "جميع الالتزامات التي كانت على عاتق الإقليم نُفذت، من ناحية تفريغ اللواء 20 من قوات البشمركة، وغيرها من الالتزامات الإدارية"، لافتاً إلى أن "قرار تأسيس القوة العسكرية المشتركة كان مطروحاً منذ عام 2018، لكن مماطلة متعمّدة من بغداد تجري بدفع سياسي لمنع القوات المشتركة، وأن بعض الأحزاب تريد أن تبقى مسيطرة على المناطق المتنازع عليها لتحقيق أهداف سياسية، خصوصاً في محافظة نينوى التي تجاوزت فيها بعض الأحزاب والفصائل المسلحة مرحلة التغيير الديمغرافي، إلى مراحل التغيير الطائفي".
وأضاف المسؤول الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن "وجود القوات الكردية مع قوات الجيش العراقي يمنع حالات التهريب والابتزاز السياسي وغيره من السلوكيات التي تضر الأهالي بتلك المناطق على الشريط الحدودي لإقليم كردستان، وفي ذلك خسارة لجهات حزبية كثيرة، ولذلك فهي تضغط لمنع نشر هذه القوات"، وفقاً لقوله. وأشار إلى أن "القوات المشتركة موجودة في المعسكرات التي تدربت فيها ببغداد وديالى وكركوك، ولم تُنشر لغاية الآن"، معتبراً أن أحد أبرز الأسباب التي تمنع مضي هذه الخطوة الأمنية والعسكرية المهمة بالنسبة لبغداد وإربيل، وتسهم في زيادة الاستقرار المجتمعي، أنها ستُبعد قوات وألوية الحشد الشعبي التي تنتشر حالياً في مناطق كثيرة، لذلك فإن الموقف السياسي حاضر في هذه الخطوة الأمنية.
واتفق عضو في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مع ما ذهب إليه المسؤول، بالقول إن "القرار بنشر هذه القوات يقع ضمن صلاحيات رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه أيضاً، أن "من بين الاتفاقات التي ذهبت إليها القوى السياسية ضمن ائتلاف إدارة الدولة، هو تطبيق نشر القوات المشتركة في المناطق المتنازع عليها، بالإضافة إلى إقرار قانون النفط والغاز خلال أول ستة أشهر من عمر الحكومة، وغيرها من الاتفاقات التي تخص إقليم كردستان، وجميعها لم تُنفذ".
وضمّ تشكيل اللواءين ضمن اتفاقية التنسيق المشترك بين وزارتي الدفاع والبشمركة، أربعة بنود، وهي "فتح مراكز التنسيق المشترك، ومسك الثغرات الأمنية بين الجيش والبشمركة، وفتح ونصب نقاط تفتيش مشتركة بين الجانبين، والقيام بعمليات توسعية في المحاور لتمشيط القواطع ومطاردة بؤر وأوكار تنظيم داعش، إلى جانب تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية لمكافحة الإرهاب".
في السياق، قال وزير البشمركة السابق في حكومة إقليم كردستان جبار ياور، إن "تشكيل اللواءين جاء بسبب أهمية وجود هذه القوة العسكرية في المناطق المختلطة والقريبة من حدود إقليم كردستان، وقد تم بالفعل وجرى تسليحها، لكنها لم تتلقً الأوامر بالانتشار في مواقعها بسبب عدم وجود أبنية المقار الخاصة بها، بالإضافة إلى عدم استكمال تجهيز الثكنات العسكرية.. وفي بداية الأمر قالت الحكومة في بغداد، إنها لا تملك التخصيصات المالية، لكن بعد فترة عولج هذه الأمر"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، أن "هذه القوات موجودة في وحدات التدريب الخاصة بها منذ أكثر من عامين، وهناك جهات تعطل المباشرة بعملها وانتشارها".
من جانبه، أشار عضو مجلس محافظة نينوى عبد الله النجيفي، إلى أن ما وصفه بـ"الاستغلال وتوظيف الصراعات القومية والعنصرية والطائفية داخل المناطق المتنازع عليها، من قبل الأحزاب"، مضيفاً أن "أحزاباً نافذة متورطة في كونها تسعى إلى حكم المشهد فيها عبر طريقة الغلبة التي لا تسهم في صناعة الاستقرار"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "اللجوء إلى حلول صعبة قد يؤدي إلى تأخير صناعة الحل، وهو ما يتعلق بالقوات المشتركة من الجيش العراقي والبشمركة. ولو أن صانع القرار لجأ إلى ما هو أبسط، لكان الأزمة قد انتهت".
ولفت النجيفي، إلى أن "الوضع الأمني في المناطق المتنازع عليها يمكن حلّه من خلال الشرطة المحلية التي تكفي لضمان حماية المكونات في تلك المناطق، ومن الغريب التفكير بقوات مشتركة بين حدود مدينتين في العراق وكأنها حدود مع دولة أجنبية خطيرة"، مؤكداً أن "المناطق الحدودية مع إقليم كردستان يمكن اعتبار أنها دائماً على حافة الصراع، وتُستخدم سياسياً من جميع الأطراف، بالتالي فهي بحاجة إلى حماية من أهلها الذين يعرفونها".
من جهته، أشار الباحث في الشؤون الكردية كفاح محمود إلى أن "معظم الإشكاليات بين إربيل وبغداد منذ عام 2005 تراكمت مثل كرة الثلج حتى وصلت إلى مستوى التعقيد، بسبب قوى متنفذة وضعت العصي في عجلة الاتفاقات وتعيق تطبيقها، مع العلم أن الاتفاقات الأمنية والعسكرية، ومن ضمنها القوة العسكرية المشتركة على حدود إقليم كردستان، وكذلك تطبيق المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها وتشريع قانون النفط والغاز، والمجلس الاتحادي وهي الغرفة الثانية للمجلس النواب، جميعها وأكثر، كانت ضمن البرنامج السياسي الذي اتفقت عليه الأحزاب في ائتلاف إدارة الدولة".
وبيّن محمود في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القوى السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة وكتلاً برلمانية في نفس الوقت، هي التي تعرقل الاتفاقات، وبعد أن كانت هذه الجماعات تقصف إربيل والسليمانية بالصواريخ، تعمل حالياً على قطع رواتب الموظفين، وتتلاعب في تصدير النفط، وتعيد عمليات التغيير الطائفي في مناطق عدة، من ضمنها كركوك وسنجار وخانقين، وبالتالي فإن هذه القوى تمنع أي اتفاقات تجري بين بغداد وإربيل، وتعمل على إفشال مشروع الفيدرالية، والعودة تدريجياً باتجاه الشمولية".
