ARTICLE AD BOX
كان اللافت في منتدى قطر الاقتصادي الذي انطلق أمس بالعاصمة الدوحة الحضور المكثف من قيادات سياسية واقتصادية ومالية عربية وأجنبية، إذ بلغ عدد الحضور ما يقرب من 2500 مشارك من 150 بلدا، ما بين رؤساء دول ووزراء مالية واستثمار وطاقة عرب وأجانب. وضمت قائمة المتحدثين عدداً من رؤساء الحكومات، والرؤساء التنفيذيين العالميين.
كما كان من اللافت أيضا الحديث عن توجهات جديدة سواء في طريقة إدارة الأموال على مستوى العالم وفرص الاستثمار الجديدة والمتاحة خاصة بعد انطلاق الحرب التجارية العالمية الحالية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية وتنامي المخاطر الجيوسياسية وزيارة ترامب الأخيرة لمنطقة الخليج. كما تحدث وزراء قطريون عن جدوى الاستثمار في المنطقة، خاصة سورية ومصر لامتلاكهما فرصاً واعدة.
ويركز المنتدى الاقتصادي في دورته الخامسة التي افتتحها، أمس الثلاثاء، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على تحولات الاقتصاد العالمي، ويأتي من ضمنها قضايا الطاقة والتحولات في التدفقات النقدية العالمية وصعود منطقة الخليج مركزاً رئيسياً للقوة المالية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وتُعقد جلسة هذا العام في وقت يشهد العالم اضطرابات اقتصادية وانعداما للاستقرار الذي يؤدي إلى تقلبات في الأسواق، فضلا عن تداعيات الحرب التجارية العالمية وانعدام اليقين، بالإضافة إلى الصراعات العسكرية المستمرة وتداعيات الأزمة المناخية التي تزداد كلفتها يوميا. ويبحث المنتدى، على مدى ثلاثة أيام، خمسة محاور رئيسية تشمل: الجغرافيا السياسية والعولمة والتجارة، أمن الطاقة وإمداداتها، التكنولوجيا بين الضجيج والواقع، مستقبل الأعمال والاستثمار، والرياضة والترفيه.
وأكد أمير قطر في منشور بصفحته على منصة "إكس"، أمس، أن "منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبيرغ، أضحى منصة عالمية مهمة، وملتقى للخبراء وأهل الفكر وصناع القرار". وتابع: "سعدت اليوم بافتتاح منتدى قطر الاقتصادي في نسخته الخامسة، الذي أضحى منذ أطلقناه قبل نحو أربعة أعوام بالتعاون مع بلومبيرغ، منصة عالمية مهمة، وملتقى للخبراء وأهل الفكر وصناع القرار، الذين تابعت باهتمام بالغ بعضاً من نقاشاتهم وآرائهم حول موضوعات اقتصادية وجيوسياسية وتكنولوجية مهمة. تمنياتي لأعمال المنتدى بالنجاح، وللمشاركين بالتوفيق".
تحولات سياسية واقتصادية كبرى
في كلمته خلال افتتاح المنتدى، قال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي ينعقد تحت شعار "الطريق إلى 2030: تحويل الاقتصاد العالمي"، إن منتدى هذا العام ينعقد وسط تحولات سياسية واقتصادية كبرى، مؤكداً في الوقت ذاته أن الدوحة أضحت قبلة للمنتديات الدولية والدبلوماسية النشطة ومركزاً عالمياً يجمع صناع القرار والمفكرين لبناء جسور للحوار والتعاون.
وأكد أن قطر تتطلع إلى اقتصاد متنوع ومزدهر قائم على المعرفة والابتكار ويحاكي الثورة التكنولوجية ويتميز بالمرونة والتكيف، معرباً عن تطلعه إلى أن تكون قطر منصة تلتقي فيها الأفكار وتتقاطع فيها المصالح في بيئة يعززها السلام والاستثمار.
وأعلن عن إطلاق الحزمة الأولى من برنامج مجموعة الحوافز للمستثمرين، ومشروع جديد يطمح للعالمية خلال هذا العام، موضحا أن الحزمة تستهدف قطاعات استراتيجية تشمل التصنيع المتقدم والتكنولوجيا الحديثة والخدمات اللوجيستية، وتمثل خطوة نوعية لتعزيز النمو في قطاعات تشكل ركيزة أساسية في مستقبل الاقتصاد الوطني. وتابع أن هدف قطر، الغنية بالغاز الطبيعي، بناء اقتصاد أكثر توازناً. وأضاف أن الدولة تعمل على تطوير الأطر القانونية والإدارية لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
تتنوع القضايا المطروحة في المنتدى التي سيناقشها المسؤولون والخبراء المشاركون، لتشمل تحولات التدفقات النقدية العالمية وتحديدا دور منطقة الخليج مركزاً مالياً رئيسياً للاستثمار الأجنبي المباشر، وتأثير صناديق الثروة السيادية الخليجية على المشهد المالي العالمي، إلى جانب قضية الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، ومستقبل الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الأسواق المالية، والابتكار في التكنولوجيا المالية والاستثمار في الأصول الرقمية.
توسع ضخم للغاز القطري
يأتي مؤتمر قطر الاقتصادي السنوي في وقتٍ محوري للدولة الخليجية. فمن المتوقع أن تُضيف خطة قطر لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي أكثر من 30 مليار دولار سنويًا إلى إيرادات الدولة، وسيُحوّل جزءٌ منها إلى صندوق الثروة السيادية. وتتوقع مؤسسة غلوبال إس دبليو إف أن ترتفع أصول جهاز قطر للاستثمار إلى 905 مليارات دولار بحلول عام 2030، ما يضعه في مصافّ أكبر المؤسسات الإقليمية مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وهيئة أبوظبي للاستثمار.
وخلال المنتدى حضر وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، إلى جانب الرئيس التنفيذي لشركة كونوكو فيليبس، رايان لانس، على المنصة في الجلسة الأولى. وناقشا جهود قطر لتأمين مشترين للغاز الطبيعي المسال من مشاريعها التوسعية الضخمة.
وبالنسبة إلى قطر، يُعدّ الغاز الطبيعي المسال مصدراً بالغ الأهمية. فهو أكبر مصدر دخل للبلاد، والمسؤول الرئيسي عن تحويلها إلى واحدة من أغنى دول العالم، وجلب معه نفوذًا هائلًا في المنطقة. وحاليًا تُنفَّذ توسعة ضخمة، من المرجح أن تضيف نحو 30 مليار دولار من الإيرادات سنويًا عند اكتمال المشاريع.
وقال الكعبي إن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية الأعلى ستذهب إلى أوروبا وأميركا الجنوبية، ولن تنافس صادرات قطر إلى آسيا. وشرح أنه أُبرِم عدد من صفقات الطاقة خلال زيارة ترامب الأسبوع الماضي. وتابع أن شركة قطر للطاقة تهدف إلى تداول 30-40 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال غير القطري بحلول 2030، وأن قطر للطاقة تتداول حالياً نحو 10 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال.
وقال إن مشتري الغاز الطبيعي المسال، الصينيين والهنود، يجرون نقاشات بشأن كميات إضافية من قطر، مضيفاً: "لا نشعر بالقلق إطلاقاً إزاء وفرة إمدادات الغاز الطبيعي المسال".
مضاعفة الاستثمارات في أميركا
وتناول الرئيس التنفيذي لشركة كونوكو فيليبس، رايان لانس، مستقبل أمن الطاقة العالمية ودور الغاز الطبيعي المسال في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وأكد أن العالم يشهد تحولات جذرية في قطاع الطاقة، إذ تتزايد الحاجة إلى مصادر موثوق بها ومستدامة لتلبية النمو الاقتصادي العالمي. وأشار إلى أن سوق الغاز الطبيعي المسال ينمو بمعدل 1-2% سنويًا، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 700 مليون طن خلال العقد المقبل.
وأكد وزير المالية القطري، علي بن أحمد الكواري، أن جهاز قطر للاستثمار لديه استراتيجية استثمارية مستقلة تركز على التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الأدوية، البنية التحتية، والعقارات، مشيرا إلى أن استثمارات قطر تخطط لاستثمار 500 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة، مما يعزز مكانة قطر مستثمراً عالمياً رئيسياً.
وبحسب الكواري، فإن لاستقرار سورية وازدهارها "أهمية قصوى" بالنسبة للمنطقة، وقطر "ملتزمة" بدعمها، الذي نوّه أيضاً بأن مصر تمثل "فرصة رائعة للاستثمار". وفي جلسة حوارية خلال "منتدى قطر الاقتصادي"، قال الكواري إن "سورية الآن تبني دولة من الصفر، وتحتاج إلى كل شيء من الطاقة والماء والبنية التحتية". مضيفاً: "في ضوء الخطط التي لديهم أعتقد أنه ستكون هناك في المستقبل فرص رائعة للاستثمار". الوزير القطري أشار إلى أن سداد المتأخرات "يتيح لسورية الحصول على مخصصات من البنك بنحو 180 مليون دولار. كما أننا ندعمهم مع شركائنا في السعودية لتطوير الكهرباء والطاقة".
وقال الرئيس التنفيذي في جهاز قطر للاستثمار، محمد السويدي، خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة، أمس، إن الصندوق سيضاعف إنفاقه في الولايات المتحدة، وربما ستكون أكثر من الضعف، خلال السنوات المقبلة، مقارنةً بالسنوات الخمس أو الست الماضية. وأضاف: "نؤمن بنمو ومتانة النظام الأميركي". وتأتي هذه التعليقات بعد أيام من تعهد السويدي باستثمار 500 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل، وهو المبلغ الذي يعادل تقريباً الحجم الحالي للصندوق.
ضبط الإنفاق
من جانبه، قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم إن تعديل المملكة لأولويات الإنفاق على مشاريع "رؤية 2030" يحكمه الانضباط لكنه "يتم بجرأة". وأضاف، خلال جلسة ضمن منتدى قطر الاقتصادي، أن ما تقوم به بلاده في إطار "رؤية 2030" وما بعدها يمثل خطة شاملة وطويلة المدى لإعادة هيكلة الاقتصاد، منوّهاً بأن دول الخليج الأخرى تشهد تجارب مماثلة.
وتحدث عن جهود المملكة في جذب الاستثمارات الأجنبية، قائلاً إن السعودية لا تزال متمسكة بهدفها لزيادة نسبة الاستثمار الأجنبي من الناتج المحلي (المستهدف 5.7% في 2030)، مشيراً إلى تنفيذ نحو 900 إصلاح لتعزيز بيئة الأعمال، ومضيفاً: "نحن لا نستقطب الاستثمارات فقط، بل نستقطب الكفاءات أيضاً".
ويُقدّر صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاديون أن الرياض بحاجة إلى أسعار نفط تتجاوز 90 دولارًا للبرميل، لتحقيق التوازن في ميزانيتها. ويُتداول خام برنت القياسي في منتصف الستينيات هذا الشهر. وفي حين تمول السعودية برنامجها الإصلاحي "رؤية 2030" من خارج الميزانية، فإن الحكومة تحتاج إلى الإنفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة المرتبطة بالبرنامج، الذي يهدف إلى انصراف الاقتصاد عن "إدمان النفط" المعلن. كما أنها تستضيف معرض إكسبو 2030 وكأس العالم 2034.
