ARTICLE AD BOX
على الرغم من رصدها موارد هائلة لماكينتها الدعائية التي تمارس من خلالها التضليل على العالم، بما يكفل ضخ مزيد من الوقود في محركات طائراتها الحربية لمواصلة الاحتلال والإبادة في قطاع غزة المحاصر، ادعى موقع "واينت" العبري أنه ثبت اليوم أنه "لا توجد لدى إسرائيل منظومة شرح ودعاية"، رابطاً الأمر بتصدّر مذبحة المجوّعين جنوبي القطاع صباح اليوم عناوين وسائل الإعلام الأجنبيّة.
وفي حين أسفرت المذبحة التي دارت وقائعها عند مركز توزيع المساعدات الأميركي-الإسرائيلي في رفح، عن استشهاد وجرح مئتي فلسطيني، اختصر الموقع ما حدث بـ"مقتل 26 مواطناً"، وما سبق انتشر كالنار في الهشيم في غضون دقائق قليلة ليغزو الشبكات العالمية، في وقتٍ "احتفظت إسرائيل بالصمت". وحين ردّت أخيراً "اتضح أن الأوان قد فات، وتحددت السردية". والسبب وراء صمت إسرائيل عزاه الموقع إلى "حقيقة مثيرة للقلق"، مفادها بأن "إسرائيل ومنذ أكثر من سنة تفتقر لرئيس لجهاز الدعاية الوطني، منذ استقالة موشيك أفيف". فمنذ مغادرة الأخير المنصب، لم يعيّن مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مسؤلاً يخلفه، فيما الأجهزة الأمنيّة "لا يوجد فيها مسؤول واحد يقود خطاً إعلامياً واضحاً".
أمّا رئيس الأركان، إيال زامير، الذي تولى منصبه في ذروة الحرب على غزة "فلا يظهر في وسائل الإعلام، ولا يتواصل مع الجمهور سواء باللغة الإنكليزية أو العبرية". ولا يختلف حال المتحدث باسم الجيش، آفي دفرين، الذي لا يُشاهد تقريباً، فيما الوزراء أنفسهم "يتساءلون أين الدعاية الإسرائيلية"، وفقاً للموقع.
وعلى ما يبدو، فإن رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينت، الذي يسن أسنانه للعودة إلى المشهد السياسي، كان الصوت الأبرز صباح اليوم الأحد، ضد أداء الحكومة؛ إذ كتب في منشور له على منصة إكس أنه "لا توجد دعاية لإسرائيل. العمل لا يُدار". وتابع مهاجماً الحكومة: "الإعلام العالمي يقحم إسرائيل وينسب لها المذبحة التي لم تحدث"، عاداً ذلك "أحد الإخفاقات الكبيرة للحكومة خلال هذه الحرب. والنتيجة انهيار سياسي وحظر خطير. لا يمكن الاستهانة بأهمية الدعاية. الفشل ببساطة صادم".
بحسب بينت، الذي يتصدّر منذ زمن استطلاعات الرأي الانتخابية في إسرائيل، فإنه "على مدار أربع ساعات ألقت وسائل الإعلام مسؤولية المذبحة على الجيش بصفته من نفذها للوهلة الأولى. وفقط الآن، بدأ النفي بالصدور. لم تكن ثمة مذبحة وحتى أن الجيش لم يطلق النار. يدور الحديث حول إطلاق شركة الحراسة الأميركية النار، وتحديداً القنابل الدخانية بهدف تفريق (المواطنين)"، على حد زعمه.
وبعد ظهر اليوم، نشر "صندوق غزة الإنساني"- أو الشركة الوهمية التي أقامتها إسرائيل للتحكم بالفلسطينيين من خلال السيطرة على حقهم الطبيعي بالحصول على الغذاء، ما قال إنه توثيق من كاميرات المراقبة الأمنية في مركز توزيع المساعدات، وفيه لم تظهر أيّة أحداث خارجة عن المألوف. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين وثّقوا إطلاق النار بالصوت والصورة وكل من وصل إلى المستشفيات عقب المذبحة كان بحسب وزارة الصحة الفلسطينية مصاباً بطلق في الجزء العلوي من الجسد وخصوصاً الصدر والرأس، فإن الصندوق وفي بيان رسمي صدر عنه، زعم أنه "لم يكن ثمة إطلاق للنار في أي مركز أو في محيطه القريب".
أمّا بالنسبة للتقارير الفلسطينية حول القصف الذي شنّته الطائرات على ما تبقى من المباني المتداعية في حارات غزّة وخانيونس، والذي تسبب بمذبحة هو الآخر، فقد أنكرته إسرائيل، وفي رأي الموقع فإن توقيت الإنكار سواء من جانب إسرائيل، أم الصندوق "كان متأخراً".
التدهور الذي لحق بالدعاية الإسرائيلية، ربطه الموقع أيضاً بإقالة مكتب نتنياهو لأيالون ليفي، الذي كان يُشاد به باعتباره خطيباً فصيحاً في ساحة دولية "مُعادية"، واستبدله بأشخاص وُصفوا بـ"الشاحبين"، بحسب الموقع، الذي لفت إلى أن ليفي كان يُعتبر من أفضل المتحدثين الرسميين في منظومة الدعاية، ويُنظر إلى إنهاء خدمته حتى من المنظومة نفسها على أنه خطوة "أضرت بالقدرة الدعائية لإسرائيل في خضم الحرب".
طبقاً للموقع، فإن الأزمة التي تعانيها إسرائيل على مستوى الدعاية تنعكس أيضاً بغياب شبه تام للمتحدثين باسمها عن الشاشات العالمية - وعندما يظهرون، كما في حالة السفيرة الإسرائيلية لدى بريطانيا، تسيبي حوتوفلي، التي واجهت بيرس مورغان، والذي كان في السابق أحد قادة الخط المؤيد لإسرائيل وأصبح ناقداً لاذعاً لها، فإن ذلك لا يحدث إلا بعد إلحاق ضرر بالغ بإسرائيل ودعايتها. واليوم، بحسب الموقع "اتضح مجدداً: من دون منظومة دعاية فعّالة، حتّى مع وجود مقاطع فيديو وحقائق، تتأخر إسرائيل في التعليق، إن علّقت أصلاً".
وتكرر ذلك في عدة مجازر، أهمها إعدام المُسعفين في رفح، حيث تصدّرت المجزرة وسائل الإعلام العالمية التي حمّلت إسرائيل المسؤولية، والتي احتفظت بدورها بالصمت. وعلى خلفية هذه المجزرة، تقرر إقصاء نائب قائد سريّة في لواء غولاني، وتوجيه ملاحظة قيادية لقائد اللواء 14، ومع ذلك "ظلت وسائل الإعلام العالمية تردد مصطلح الإعدام، وحتّى أنها ادعت أن المسعفين وعمّال الدفاع المدني كُبّلوا قبل إطلاق النار عليهم". وتابع الموقع، مستنداً إلى تحقيق الجيش وكأنه الحقيقة المطلقة لما جرى، والذي ادعى فيه أنه حدثت "عدة إخفاقات"، بالإضافة إلى "انتهاكات للأوامر وعدم الإبلاغ الكامل عن الحادث". وزعم أن جنوده "لم يعدموا المسعفين".
وادعى الموقع أن إسرائيل أيضاً لم تعرف كيف تتصرف في جريمة قتل أطفال الطبيبة آلاء النجار التسعة، وزوجها الطبيب حمدي الذي استشهد أمس متأثراً بإصابته البالغة؛ حيث تصدّرت هذه الجريمة وسائل الإعلام العالمية. ورأى الموقع أن انعدام الردود والتعليقات من جانب إسرائيل في هذه الفترة "ليس إخفاقاً دعائياً فحسب، وإنما من شأنه التسبب بضرر سياسي كبير". وبحسب ما نقله الموقع عن مسؤولين سياسيين في إسرائيل فإنه "عندما يُشاهد المستشار الألماني (فريدريش ميرز)، أو المشرعون في الكونغرس الأحداث في غزة، ولا يسمعون أقوال إسرائيل وتوضحياتها بشأن ما حصل، فإن الأمر يتسبب في تدهور إضافي للمكانة المهتزّة أصلاً لإسرائيل".
وبحسب المسؤولين أنفسهم، فإن ما حصل والصمت الإسرائيلي المحيط به "قد يُشكّلان نقطة تحول في الحرب"، محذّرين من أن "الشرعية العالمية الممنوحة لعمليات الجيش قد تنتهي، واستمرار القتال قد يؤدي في المدى المنظور إلى عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية، وربما حتى إلى قرار من مجلس الأمن يدعو إلى وقف القتال".
من جهتها، تحاول وزارة الخارجية الإسرائيلية بالفعل وقف تدفق الصور المروعة من غزة، لكن "المحاولة متأخرة عاما ونصفا". ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ومع انضمام وزير الخارجية جدعون ساعر إلى الائتلاف، صدّقت الحكومة بالإجماع على تخصيص 545 مليون شيكل للدعاية الإسرائيلية حول العالم لعام 2025. ثم خُفِّض المبلغ إلى 532 مليون شيكل، ولم تبدأ الميزانيات بالتدفق إلى وزارة الخارجية إلا قبل شهر. وبسبب هذا التأخير، "لم يُستخدَم حتى الآن سوى 60 مليون شيكل".
إلى ذلك، صرحت وزارة الخارجية بأن تحويل الميزانيات في مراحله الأولية، وقد بدأ يؤتي ثماره بالفعل: "منذ بداية عام 2025، انتقلت وزارة الخارجية إلى أسلوب النشاط الهجومي. خلال الأسبوع الماضي، أجرى ممثلو وزارة الخارجية أكثر من 130 مقابلة مع وسائل إعلام حول العالم، ومنذ بداية عام 2025، عُقدت أكثر من 25 إحاطة ومؤتمراً صحافياً في مقر وزارة الخارجية بالقدس لوسائل الإعلام الأجنبية". وأكّدت أنه "يُعقد مؤتمر صحافي واحد على الأقل أسبوعياً لوسائل الإعلام الرائدة في العالم، وأحياناً تُعقد عدة مؤتمرات صحافية في الأسبوع الواحد. وللمقارنة، عُقدت أربعة مؤتمرات صحافية فقط في عام 2024، وفي عام 2023، لم تُعقد أي مؤتمرات صحافية في وزارة الخارجية".
