موسم الكرز في إدلب تحت وطأة المناخ وغلاء المعيشة

16 hours ago 6
ARTICLE AD BOX

شهد موسم الكرز في محافظة إدلب هذا العام تراجعًا ملحوظًا في حجم الإنتاج وجودته، نتيجة عدة عوامل مناخية واقتصادية أثرت بشكل مباشر على المزارعين، مما انعكس في نهاية المطاف على الأسعار التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في أسواق ريف إدلب. وتُعرف قرى جبل الزاوية مع بداية الصيف بجني ثمار الكرز الذي يمتاز بجودته وطعمه المحبب، لكن الموسم الحالي جاء مخيبًا للآمال، بعدما تراجعت كميات الإنتاج وشهدت الأسعار ارتفاعًا غير مسبوق أثقل كاهل محبّي هذه الفاكهة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية في المنطقة.

وقال المزارع علي الأزرق من قرية البارة بجبل الزاوية لـ"العربي الجديد": "كان الموسم مبشّرًا مع بداية الإزهار، لكن الصقيع المفاجئ في نيسان ضرب الأشجار، وتسببت الرياح القوية في تساقط جزء كبير من الأزهار قبل عقد الثمار، وحتى الثمار التي بقيت لم تنجُ من موجات الحر المفاجئة التي جعلتها تنضج قبل أوانها وبأحجام أصغر من المعتاد".

وأشار الأزرق إلى أن تقلبات الطقس باتت تشكل تهديدًا حقيقيًّا لهذا المحصول الحساس، ولا سيما في ظل غياب أي دعم أو إرشاد زراعي يساعد المزارعين على مواجهة هذه التحديات، وقال إن أستمرار الوضع بهذا الشكل، سيضطر إلى اقتلاع أشجار الكرز والبحث عن زراعات أقل تكلفة وأقل عرضة للخسائر. وفي أسواق ريف إدلب، قفزت أسعار الكرز هذا الموسم إلى مستويات قياسية، إذ سجل سعر الكيلوغرام الواحد من الكرز الفاخر ما بين 60 إلى 70 ألف ليرة سورية، بينما راوح سعر الأصناف المتوسطة بين 40 إلى 50 ألف ليرة.

من جانبه، أفاد أحمد الخلف من سكان مدينة إدلب: "في السنوات الماضية كنت أشتري الكرز لأولادي بكميات معقولة مع بداية الموسم، أما هذا العام فأصبح شراء الكرز أشبه بالترف. اشتريت نصف كيلو فقط بـ30 ألف ليرة، وهذا مبلغ كبير مقارنة بدخلي اليومي الذي لا يتجاوز 27 ألف ليرة سورية". 

ولم يقتصر تأثير تراجع المحصول على المزارعين فقط، بل امتد ليشمل العمال الموسميين الذين يعتمدون على موسم قطاف الكرز مصدرَ دخل مؤقتاً، وفي هذا السياق، قالت العاملة فاطمة سليمان، وهي أم لخمسة أطفال: "كنت أعمل في قطاف الكرز كل موسم وأكسب ما يسد حاجتي لشهرين أو ثلاثة، هذا العام بصعوبة وجدنا عمل يومين أو ثلاثة لأن المحصول قليل جدًّا".

وأوضح المزارع محمود الإدلبي لـ"العربي الجديد" أن كيلو السماد كان بـ50 ألف ليرة سورية العام الماضي، واليوم أصبح بـ150 ألفًا، وسعر ليتر المازوت تجاوز 10 آلاف ليرة سورية، عدا عن أجور العمال الذين يطلبون أجورًا مرتفعة بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية للجميع. وأضاف الإدلبي: "حتى مع الأسعار المرتفعة للكرز في السوق، تبقى الأرباح محدودة، خاصة إذا تعرّض جزء من المحصول للتلف أو الفساد أثناء التخزين والنقل".

ورغم ارتفاع الأسعار في الأسواق، لم يحقق المزارعون أرباحًا مجزية بسبب تضاعف تكاليف الإنتاج، حيث ارتفعت أسعار الأسمدة والمبيدات بشكل كبير، كما أن سعر المحروقات اللازمة لري الأشجار بات عبئًا إضافيًّا لا يُستهان به. ومع استمرار التغيرات المناخية وتراجع الإنتاج، يتخوّف الإدلبي من تكرار الأزمة في المواسم المقبلة، ما يهدد استمرارية زراعة الكرز في المنطقة، ويطالب الجهات المعنية والمنظمات الداعمة بتوفير برامج دعم حقيقية، تشمل تقديم الأسمدة والمبيدات بأسعار مخفضة، وتسهيل وصول المحروقات بأسعار مدعومة، بالإضافة إلى برامج إرشاد زراعي تساعدهم على التأقلم مع تقلبات المناخ.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى موسم الكرز في إدلب مرآة تعكس الأزمات المتشابكة التي تعصف بقطاع الزراعة في شمال غرب سورية، حيث تتداخل الأزمات الاقتصادية مع تقلبات الطبيعة لتثقل كاهل المزارعين والمستهلكين على حد سواء.

Read Entire Article