نازحو الشمال السوري يواجهون مصيراً مجهولاً بعد توقف المساعدات

2 weeks ago 7
ARTICLE AD BOX

يواجه نازحو مخيّمات الشمال السوري ظروفاً إنسانية قاسية ونقصاً حاداً في أبسط مقومات الحياة، إذ لم تعد المعاناة مقتصرة على ضيق المكان أو صعوبة المناخ، بل تفاقمت مؤخراً مع توقف جزء كبير من المساعدات الإنسانية التي كانت تشكل شريان الحياة الوحيد لهؤلاء النازحين، إذ بدأت المساعدات الدولية مؤخراً تتجه نحو مناطق العودة الطوعية، تاركةً خلفها مئات المخيّمات التي ما زالت تؤوي عائلات لم تجد سبيلاً للرجوع إلى ديارها المدمرة أو مناطقها غير الآمنة، هذا التغير المفاجئ في خارطة الدعم، فرض واقعاً جديداً يهدّد حياة ومستقبل مئات الآلاف من المدنيين، خصوصاً الأطفال والنساء وكبار السن.

وتقف مريم الصبوح في مخيّم دير حسان الواقع شمالي محافظة إدلب أمام خيمتها المهترئة وهي تحاول إشعال بعض بقايا الحطب لطهو وجبة بالكاد تكفي أطفالها الأربعة، إذ لم تتلق العائلة منذ أكثر من خمسة أشهر أي نوع من المساعدات الإغاثية التي كانت تعتمد عليها كلياً لتأمين الطعام والكساء والنظافة والدواء، تقول لـ"العربي الجديد": "كأنهم يعاقبوننا لأنّنا لم نعد إلى قرانا وبلداتنا. نحن لم نبق في هذه الخيام لأنّنا نحبها، بل لأننا لا نملك بيتاً نعود إليه.. منازلنا مدمرة، والمناطق التي أتينا منها ما زالت غير آمنة نتيجة انتشار الألغام ومخلفات الحرب ونقص الخدمات"، وحذّرت الصبوح من "كارثة إنسانية تلوح في الأفق" إذا لم تستأنف المساعدات للمخيّمات، قائلة: "نفهم من الجهات المانحة أن الأولوية حالياً للمناطق التي بدأ النازحون بالعودة إليها، لكن الحقيقة أن الغالبية ما زالت في المخيّمات وبحاجة لحلول ومساعدات عاجلة".

الطويل: نحن عالقون بين موتين، أحدهما بطيء في هذا المخيّم، والآخر محتمل في مناطق العودة

أما حسان الطويل، النازح الخمسيني المقيم في مخيّمات كللي، يجد أنهم اليوم أمام خيارين كلاهما مر، إما البقاء في المخيّمات بلا دعم، أو العودة إلى مناطقهم الأصلية غير المؤهلة للسكن، التي ما زالت تعاني من انعدام الأمن والخدمات، في ظل هذا الواقع، ويبدو أن معاناتهم مرشحة للاستمرار، وسط غياب الأفق السياسي والإنساني لحل جذري. وبينما يجلس الطويل على حجر صغير أمام خيمته، يروي قصته لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل فني كهرباء في ريف حماه الشمالي، تركت كل شيء بعد القصف، منذ خمس سنوات، وأنا أعيش هنا، ولم أعد أملك حتى أدواتي. المساعدات كانت تسد رمق أولادي، أما الآن انقطعت، ونحن نعيش على هامش الحياة بلا غذاء ولا دواء ولا أي مصادر للدخل"، مضيفاً "لا أملك المال لأعود إلى بلدتي، ولا أستطيع ترميم منزلي المدمر، نحن عالقون بين موتين، أحدهما بطيء في هذا المخيّم، والآخر محتمل في مناطق العودة".

من جانبه، قال مدير مخيّم الكرامة في مشهد روحين محمد العبود لـ"العربي الجديد": "الوضع هنا صعب للغاية، المانحون الدوليون يضغطون لتوجيه الأموال نحو برامج العودة الطوعية، لكن الواقع لا يتوافق مع هذه السياسات، فالناس لا تعود لأنها لا تملك الحد الأدنى من مقومات الحياة هناك، بينما يتضوّر آخرون جوعاً في المخيّمات"، ويضيف: "المساعدات التي كانت تكفي لتغطية 80% من الاحتياجات، انخفضت في الوقت الحالي إلى أقل من 20%، والكثير من العائلات الآن لا تحصل على أي شيء"، موضحاً أن "تحول المساعدات من الإغاثة إلى التنمية دون توفير بدائل حقيقية في المخيّمات سيخلق فجوة خطيرة، خاصة مع غياب حلول إنسانية شاملة".

ويرى العبود أن "هذا التحوّل في توجيه الدعم ينظر إليه من المجتمعات المتضرّرة بصفته نوعاً من التخلي، ما يعزز الإحباط، ويزيد من معدلات الفقر، والتسرب من التعليم، وحتى الزواج المبكر والقسري، وهي مؤشرات بدأت بالظهور فعلياً في مناطق عدّة بتلك المخيّمات"، مشيراً إلى أن أكثر ما يحزنه رؤية الأطفال يسألونه "متى ستأتي الحصة الغذائية، وليس متى سيعودون إلى بيوتهم، لقد اعتادوا حياة الخيمة، وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي جيل"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن غياب الخطط المستدامة وانعدام الأمل في العودة الآمنة يترك النازحين لمصير لا يرغب أحد بتحمل تبعاته.

Read Entire Article