نتنياهو عِبئاً على ترامب

2 weeks ago 8
ARTICLE AD BOX

يواجه رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مأزقاً حقيقياً في قطاع غزّة، أمام انسداد آفاق الحسم الميداني، ونجاح المقاومة الفلسطينية في التكيّف (نسبياً) مع التغيير الذي طرأ على الخطّة العسكرية الإسرائيلية، التي وضعها رئيس هيئة الأركان الجديد، إيال زامير، وتنامي ضغوط الشارع من أجل إنجاز صفقة شاملة توقف الحرب وتعيد المحتجزين. وفي وقت كان نتنياهو يأمل أن يكون انتخاب دونالد ترامب لولاية جديدة بمثابة ضوءٍ أخضرَ للاستمرار في القتل والإبادة والتطهير العرقي والتجويع في غزّة، جاء إعلان توصّل حركة حماس والإدارة الأميركية إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي، حامل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، ليخلط أوراقه أكثر، ويُعمّقَ أزمة ائتلافه الحكومي، خاصّة بعد استبعاد الرئيس الأميركي إسرائيل من جولته في الإقليم.

نجحت حركة حماس، على ما يبدو، في تغيير بوصلة التفاوض، بما جعل الطرف الأميركي أكثر تحمّساً من ذي قبل للتوصّل إلى اتفاق معها. وهو ما أثمر الإفراج عن ألكسندر من دون تنسيق مسبق مع دولة الاحتلال، وهي بادرة حسن نيّة تعرف الحركة جيّداً مفعولها السياسي في الإدارة الأميركية، التي قد لا تتردّد في طرح مقترح لإنهاء الحرب في إطار صفقة شاملة، مع تفعيل أدوارها في فتح المعابر والإغاثة وتوزيع المساعدات الإنسانية في غزّة. ومن الواضح أن الإفراج عن ألكسندر خلق زخماً جديداً في مسار المفاوضات، قد يكون خطوةً مهمّةً نحو وقف شامل لإطلاق النار والإفراج عن المحتجزين. بالتوازي مع ذلك، كان لما صرّح به المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن إطالة حكومة نتنياهو أمد الحرب ورفضها وضع حدٍّ لها، أثرُه في زيادة تضييق الخناق عليها، وتقليصِ هامش المناورة أمامها لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وفق حساباتها المرتهنة لليمين الديني المتطرّف.

في المنحى ذاته، كان توصّل ترامب إلى اتفاق مع الحوثيين يقضي بوقف القصف الأميركي على اليمن في مقابل التزامهم (الحوثيين) بعدم استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، مؤشّراً لافتاً على تقديم ترامب مصالح بلاده على أيّ اعتبار آخر، حتى لو كان الأمر يتعلّق بأقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. وهو ما يبدو أنه يقود حتى مفاوضات النووي الإيراني، فكلّ خطوة تخطوها طهران باتجاه استخلاص اتفاق مُرضٍ مع واشنطن في هذا الصدد، سيكون انتكاسةً لاستراتيجية دولة الاحتلال، التي ترى في السياق الإقليمي الحالي فرصةً تاريخيةً قد لا تتكرّر، لإعادة رسم خرائط القوة والنفوذ بما يتساوق مع نزوعها العدواني والتوسّعي إزاء بلدان الإقليم، وفي مقدّمتهم إيران.

من الواضح أن ترامب منح نتنياهو سقفاً زمنياً للقضاء على المقاومة وتدمير قدراتها العسكرية واستعادة المحتجزين لديها بالضغط العسكري. هذا السقف لم يكن مفتوحاً، بل كان مقروناً بالحسم العسكري وإنجاح مخطّط التهجير، كما أنه على صلة بالحسابات الأميركية في الإقليم، وفي رأسها ما يرتبط بالاستثمار الذي يتصدّر أولويات ترامب في علاقاته مع مختلف الدول ومراكز القوة في العالم.

بالطبع، سيحاول نتنياهو إقناع ائتلافه اليميني المتطرّف بأهمية العرض الأميركي باعتباره يحقّق الحدّ الأدنى من المطالب الإسرائيلية، وبالأخص استعادة المحتجزين وتدمير جزء كبير من مقدرات المقاومة، وإن كان مرجّحاً أن بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، وباقي قادة اليمين الديني الصهيوني المتطرّف، لن يقبلوا العرض الأميركي، الذي يبدو أنه قيد التشكّل، ويهدد ذلك بتفجير الائتلاف الحكومي الذي يُدرك نتنياهو جيّداً ما في ذلك من تبعات على حياته السياسية.

إعادة ترامب جدولة حساباته في الإقليم، وبالأخصّ في الملفَّين الإيراني واليمني، ضربة لتطلّعات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، فنتنياهو لا يستطيع أن يعارض سياسات ترامب، على الأقلّ في العلن. ومن نافل القول، إن حسابات النصر والهزيمة في مواجهة دراماتيكية وتاريخية، مثل معركة غزّة، تخضع لتعقيدات الصراع في أبعاده الإقليمية والدولية، ولا سيّما فيما يرتبط بمستقبل الحركة الصهيونية ومآلاتها على المدى البعيد، بعد أن بدّدت (أو تكاد) كلّ ما راكمته من رصيد سياسي وإعلامي في الغرب أكثر من 140 عاماً.

Read Entire Article