ARTICLE AD BOX
أثارت عملية نقل عدد من السجناء السياسيين في تونس، يوم الخميس، موجة استغراب واستياء في صفوف عائلاتهم ومحاميهم، إذ اعتبرها البعض "فضيحة"، بينما رأى آخرون أنها خطوة جديدة ضمن سياسة التنكيل بالمعتقلين. وشملت عملية النقل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي إلى سجن برج الرومي في بنزرت، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي إلى سجن الناظور، والسياسي رضا بلحاج إلى سجن سليانة، وكمال البدوي إلى سجن السرس، ورجل الأعمال كمال لطيف إلى سجن برج العامري.
وقالت هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، في بيان لها، إنه بعد القرار القضائي بالسجن لـ892 عاماً للمعتقلين السياسيين، فإن هيئة السجون تتخذ قراراً بـ"الإبعاد"، موضحة أن هذا الإبعاد يهدف إلى تشتيت جهود المحامين على عدّة سجون في أرجاء البلاد (الناظور، السرس، برج العامري، سليانة، برج الرومي)، وذلك من دون أي مبرّر، ودون استكمالهم إجراءات التقاضي بمحاكم العاصمة. وأضافت الهيئة أنها تتهم هيئة السجون بتعمد التنكيل بالمعتقلين وعائلاتهم ومحاميهم، عبر إبعادهم عن أماكن سكن عائلاتهم من دون أي موجب، ودون احترام لقانون السجون الذي يفرض إعلام العائلات بهذه النقلة، حتى لا تضطر للبحث عن المعلومة في أكثر من سجن.
وقالت "جبهة الخلاص الوطني"، في بيان لها، إنّ "المعتقلين في ما يعرف بقضية (التآمر) قد تعرّضوا لنقل تعسفي جرى بموجبه توزيعهم على سجون في أنحاء البلاد (برج الرومي، الناظور، السرس، سليانة، برج العامري)، في مخالفة لقانون السجون الذي يفرض إعلام العائلات (الفصل 14 من قانون 14 مايو 2001 المتعلّق بنظام السجون)، ما يعكس رغبة في عدم الاكتفاء بالتنكيل بالمعتقلين، بل التشفي من عائلاتهم أيضاً".
ونددت "جبهة الخلاص" بهذا الإجراء، مؤكدة أنه "يعكس رغبة في التنكيل بالعائلات، من خلال إجبارهم على قطع مئات الكيلومترات لزيارة أبنائهم، وتكرار المسافات ذاتها لإيصال الطعام والحاجيات والملابس"، مؤكدة أنّ "هذا الإجراء اللاإنساني هو إمعان في الهروب إلى الأمام، ودليل على أن السلطة تعتبر معارضيها المعتقلين ظلماً في وضعية أقرب إلى الرهائن منها إلى سجناء يتمتعون بالحقوق التي يضمنها القانون والمعاهدات الدولية المصادق عليها".
وبيّنت الجبهة أن "ما حصل من إبعاد للمعتقلين عن عائلاتهم ومحاميهم، رغبة في عزلهم عن العالم الخارجي، يُعد فضيحة، ويعكس إصراراً على التعتيم على جرائم التدليس والفبركة والافتراء، وحرمان الرأي العام من معرفة الحقيقة". ودعت الجبهة "جميع مكونات الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني وكل الأحرار إلى رفض هذه الممارسات المتخلفة، والمطالبة باحترام شروط المحاكمة العادلة، وصون حقوق المعتقلين دفاعاً عن الحقوق والحريات وسمعة البلاد".
وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا القرار شكّل مفاجأة سيئة للعائلات التي زارت المعتقلين لإيصال قفة الطعام، حيث لم يجر إعلامهم مسبقاً بهذه النقلة"، مبيناً أن "القرار يشكل سابقة، إذ إن المعمول به هو أن يجري النقل بعد صدور الأحكام الباتة"، مشيراً إلى أن "توزيع المتهمين على عدد من السجون جرى قبل صدور الأحكام". وأضاف أن مثل هذه القرارات تندرج ضمن سياسة التنكيل بالسجناء وعائلاتهم، وتواصل التعامل معهم بعقلية التشفي، مؤكداً أن الخروقات التي رافقت المحاكمة "لا يبدو أنها كافية، إذ أضيف إليها اليوم حلقة جديدة من التعسف والتنكيل".
ولفت إلى أن العائلات، رغم كل هذا، لا تزال صامدة وثابتة، فعائلة عصام الشابي، مثلاً، ورغم ساعات الانتظار وإبلاغها بالقرار خلال الزيارة، واصلت طريقها لزيارته في سجن الرومي ببنزرت، حيث اطّلعت على الظروف السيئة التي يعيشها، إذ يقبع في غرفة تضم نحو 40 متهماً. وأشار إلى أن تغيير الغرفة السجنية يعتبر مشكلة، إضافة إلى البعد الجغرافي، معتبراً أن الوضع مقلق، وأن مسار القضية منذ انطلاقها شهد عدداً من الخروقات.
وترى عضوة هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، دليلة مصدق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا القرار يندرج في إطار مزيد من التنكيل والتشفي بالمعتقلين، مبينة: "بلغنا درجة من اللاإنسانية". وأضافت أن "هناك تشتيتاً لعمل المحامين بسبب البعد الجغرافي، إذ لا يمكنهم زيارة جميع المساجين"، موضحةً أن الظروف السجنية التي نُقل إليها المعتقلون "تُعد أكثر تعاسة، في غرف مكتظة تفتقر إلى أدنى المرافق الأساسية". ولفتت مصدق إلى أنهم لن يقبلوا بهذه النقلة، ولن يصمتوا إزاء هذه الإجراءات التعسفية، وسيتوجهون إلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كما ستكون هناك عدة تحركات للتنديد بما يحصل.
وقال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي سامي بن غازي، في تدوينة له، إن "هذه النقلات تعصف بحق الدفاع في جوهره وعمقه، فحين يُنقل الموقوف إلى سجن يبعد مئات الكيلومترات، كما في سليانة أو برج الرومي أو الناظور، فإن الضرر لا يطاول السجين وحده، بل يمتد إلى المحامي، الذي يُجبر على هدر الساعات في الطرقات، ويتعذّر عليه التواصل الدوري مع موكّله، وتتقلّص قدرته على متابعة الملف كما ينبغي". وأضاف أنه "بهذه الطريقة، لا يُقيّد السجين فقط، بل يُقيّد حق الدفاع في أعمق تجلياته".
