هكذا وجدت إيران نفسها بلا حلفاء إقليميين ودوليين

3 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

يوم الجمعة الماضي بدأت إسرائيل عدواناً على إيران مستهدفة عبر ضربة أولى خاطفة الصف الأول من القيادات العسكرية وأبرز العلماء النوويين، لتتبعها بضربات مدروسة طاولت البرنامج النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي قبل أن تتوسع في عدوانها، وتهاجم أهدافاً في طول البلاد وعرضها، مجاهرة برغبة في تغيير النظام في طهران مع قدرة محدودة لدى الأخيرة على التصدي، لتبدو إيران وكأنها تخوض المواجهة الأكثر خطورة بالنسبة إليها، في عُزلة غير مسبوقة بعد تحولات في المنطقة اقتطعت من نفوذ طهران وأضعفتها.

توقيت الهجوم الإسرائيلي، والذي من الواضح أنه يحظى بدعم أميركي ضمن رغبة الرئيس دونالد ترامب بتوظيفه لدفع طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات وهي في حالة شبه استسلام، أتى بعدما اختفى الغطاء، أو بشكل أدق خط الدفاع الأول الذي كانت توفره طهران لنفسها عبر ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية المنهجية، التي أدت إلى تدمير قدرات حزب الله في لبنان وتحييده. كما جاء بعد سقوط النظام السوري وتداعياته الاستراتيجية بالنسبة إلى طهران مع حلول قيادة جديدة تكن العداء لإيران، وخروج المجموعات الموالية لإيران من المشهد السوري، فيما يجهد العراق للنأي بنفسه عن المواجهة، رغم تهديدات الفصائل الحليفة لطهران باستهداف المصالح الأميركية، فيما لو انخرطت أميركا في الحرب ضد إيران. أما الحوثيون، الذين لا يزالون يصرّون على إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل رغم الضربات التي يتعرضون لها من إسرائيل إلى جانب تلك التي تلقوها من الولايات المتحدة قبل التفاهم مع إدارة ترامب على وقف الهجمات، فقدرتهم على إحداث تحول في المشهد لصالح إيران تبقى محدودة جزئياً، ما لم تستخدم ورقة الممرات البحرية، لتتحول في المجمل بعض منصات النفوذ الإيرانية السابقة إلى ساحات غير آمنة، أو محايدة في أحسن الأحوال، بعد انهيار المنظومة الدفاعية الإيرانية في الإقليم.


هادي برهاني: محور المقاومة الذي صممته إيران في المنطقة انهار بعد شن إسرائيل الحرب على غزة ولبنان


وبعدما كانت طهران تهدد دائماً بردود غير مباشرة عبر حلفائها، باتت تجد نفسها مضطرة للرد بنفسها، من دون ظهير إقليمي فعّال، وهو ما يجعل هذه الحرب اختباراً مباشراً لقدرة إيران على الصمود منفردة، في ظل الفجوة العسكرية الواضحة بينها وبين إسرائيل التي تتفوق عسكرياً وتقنياً، فضلاً عما ظهر من اختراقها للعمق الإيراني ما أتاح لها تنفيذ هجمات من داخل الأراضي الإيرانية، وعن تنفيذ عمليات تفجير واغتيالات تضفي مزيداً من الإرباك لدى القيادة الإيرانية.

يضاف إلى كل ذلك الدعم الذي تحظى به إسرائيل من عدد من الحلفاء، لا سيما أميركا وبريطانيا، فيما لم تبخل دول أخرى، مثل ألمانيا في إعلان استعدادها لتقديم الدعم لها، على عكس طهران التي لم تجد من يقف إلى جانبها بما يزيد عن الإدانات اللفظية الخجولة أحياناً من بكين وموسكو وأنقرة. وعلى الرغم من أن الهجمات الإيرانية المضادة في الأيام الماضية، أظهرت قدرة على إيلام إسرائيل من خلال تحقيق اختراقات وسقوط الصواريخ في مدن مثل تل أبيب، إلا أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل لا يزال حتى اللحظة في خانة ما يمكن تحمله بحسب التقييمات السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال.

تحولات جعلت إيران تخوض الحرب بمفردها

في هذا السياق، شرح الأكاديمي الإيراني هادي برهاني، أستاذ الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية في جامعة طهران، لـ"العربي الجديد"، التحولات التي طرأت في الأشهر الماضية، وجعلت إيران تخوض الحرب بمفردها، قائلاً: "اعتمدت إيران في مواجهة إسرائيل على محور المقاومة الذي صممته بنفسها في المنطقة. وكان أعضاء هذا المحور متحالفين مع إيران في التصدي لإسرائيل. إلا أن هذا المحور انهار فعلياً خلال التطورات الأخيرة، بعد شن إسرائيل الحرب على غزة ولبنان. فقد تلقى حزب الله ضربات قاسية وخسر قادته السياسيين والعسكريين، وسقط نظام (بشار) الأسد في سورية، وتم تهميش الفصائل الشيعية المسلحة التي كانت ناشطة في سورية".

وأضاف: "هذا الأمر دفع الحكومة العراقية إلى إعادة النظر في موقفها من محور المقاومة، ويبدو أن مصير الأسد في سورية كان درساً لصناع القرار في العراق. أما حماس وأنصار الله (الحوثيين)، اللتين ما زالتا تنشطان في هذا المحور وتحتفظان بموقفهما المعادي لإسرائيل، فهما تتعرضان لضربات إسرائيلية شديدة، وتعملان ضد إسرائيل ضمن حدود إمكاناتهما، ومن المستبعد أن تستطيعا القيام بما هو أكثر من ذلك في ظل الظروف الراهنة. ومع ذلك، قد تتعزز درجة التنسيق والتعاون بين إيران وأنصار الله في اليمن في المعركة الحالية، ما قد يؤدي إلى تغييرات في الوضع القائم. كما لا تزال لدى إيران جماعات موالية لها في العراق مستعدة للتعاون، لكنها تواجه أيضاً ضغوطاً داخلية".

وتابع إن "تصاعد التعاطف والتضامن مع إيران في المنطقة، ولا سيما في الدول العربية، يمكن أن يشكل دافعاً مهماً لمشاركة هذه الأطراف في المعركة الجارية ضد إسرائيل. إضافة إلى ذلك، ابتعدت إيران عموماً عن سياستها السابقة ذات الطابع المذهبي التي كانت تركز على استقطاب ولاء المجتمعات الشيعية في المنطقة، واقتربت أكثر من حكومات سنية، في المنطقة مثل قطر والسعودية. وفي الواقع، بعد تولي الدكتور مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، ازدادت أهمية الدبلوماسية مع الدول الإسلامية والسنية في المنطقة، وتراجعت أولوية التحالف والتعاون مع المنظمات الشيعية الإقليمية". وبرأيه، "فإنه في هذه الظروف، تأمل إيران بشكل أكبر في تأمين مصالحها وأمنها من خلال الدبلوماسية والتعاون مع دول المنطقة، مثل سلطنة عمان والسعودية وقطر ومصر وتركيا ودول أخرى، ولم تعد ترى في الاستثمار في محور المقاومة المصدر الرئيسي لضمان أمنها وقوتها في المنطقة".

قلق دول الإقليم من التغول الإسرائيلي

وإذا كانت دول الإقليم، تحديداً في الخليج، ترى اليوم أن إيران، بعد كل الضعف الذي أصابها، لم تعد تشكل خطراً كالسابق، فإنها تكتفي بالمراقبة، لكنها تنظر في الوقت نفسه بكثير من القلق إلى التغول الإسرائيلي، خصوصاً أن الهدف النهائي الذي يريده ساسة إسرائيل هو تسيّد المنطقة. وبعض ما يتردد في الإقليم، تحديداً العربي، أن التمادي الإسرائيلي الذي بدأ في غزة، واتخذ أكثر أشكال الوحشية من تدمير وتهجير وتجويع، وامتد بنسب متفاوتة إلى بيروت وصنعاء ودمشق ثم وصل إلى طهران التي يصدر فيها الجيش الإسرائيلي إنذارات بالإخلاء، قد لا يتوقف أبداً إذا استطاعت تل أبيب فرض شروطها وتحقيق أهدافها من العدوان على إيران ولذلك تتركز الاتصالات والدعوات على ضرورة تغليب الحلول الدبلوماسية، وإنهاء جولة التصعيد هذه، بما يحد من خسائر إيران ويكبح ولو مؤقتاً النهم الإسرائيلي، ويمنع اتساع الصراع واتخاذه أشكالاً أكثر عدوانية بخسائر لن يكون أي طرف بمنأى عن تداعياتها. لكن المعضلة الأساسية تبقى في كيفية إحداث هذا التحول، لا سيما أن إسرائيل لا تبدو في وارد التهدئة ما لم تتغير حساباتها. كما أن الولايات المتحدة لا تبدو في عجلة من أمرها للضغط نحو خيار كهذا، لا سيما أن إيران ضعيفة وأكثر قابلية لتقديم تنازلات تصب في مصلحة أميركا. ومما يصعب المهمة على إيران في مواجهتها إسرائيل، أنه بموازاة تقهقر الحلفاء/الوكلاء الإقليميين، فإن الدعم الروسي والصيني لطهران يظل دون مستوى المواجهة في ظل حسابات معقدة لكل من موسكو وبكين.


الدعم الروسي والصيني لطهران يظل دون مستوى المواجهة في ظل حسابات معقدة لكل من موسكو وبكين

وبرز الموقف الروسي في الأيام الماضية بوصفه حذِراً وذا حسابات مركبة، يعكس حرص موسكو على تحقيق توازن دقيق بين شراكتها الاستراتيجية مع طهران وعلاقاتها المتطورة مع تل أبيب. فقد أبدى الكرملين انزعاجاً واضحاً من الضربات الإسرائيلية الواسعة، مديناً إياها بوصفها "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي"، ومشدداً على عدم قبول استهداف منشآت نووية أو اغتيال علماء في دولة ذات سيادة. في الوقت نفسه، عرض الرئيس فلاديمير بوتين أداء دور الوسيط بين الطرفين، محذراً من التداعيات الإقليمية المدمرة لأي تصعيد إضافي. ويأتي عرض الوساطة، الذي كرره بوتين على مسامع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي الاتصال الهاتفي مع ترامب في سياق سعي روسيا لحماية استقرار إقليمي ترى فيه مصلحة استراتيجية مزدوجة: أولاً، الحفاظ على إيران شريكا تاريخيا في مواجهة النفوذ الأميركي والعقوبات الغربية، وثانياً، تفادي انفلات أمني قد يهدد استثمارات موسكو وعلاقاتها مع تل أبيب.

ورغم توقيعها على اتفاق شراكة استراتيجية مع طهران، إلا أن موسكو غير ملزمة بتقديم دعم عسكري مباشر، إذ إن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعها بوتين وبزشكيان في موسكو منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، تنص في البند 3 من مادتها الثالثة على أنه في حال تعرض أي من طرفيها لعدوان، فعلى الطرف الثاني "ألا يقدم للمعتدي أي عون عسكري أو غيره من العون الذي من شأنه الإسهام في مواصلة العدوان، بل يسهم في تسوية الخلافات الناشبة في إطار ميثاق الأمم المتحدة وغيره من أحكام القانون الدولي"، وهو ما يعفي روسيا من أي التزامات أمنية تجاه إيران، ويمنحها هامشاً للمناورة الدبلوماسية.

من هنا، يظهر الموقف الروسي مزيجا من التضامن الرمزي مع إيران، والبراغماتية السياسية في احتواء التصعيد، والإصرار على لعب دور ضامن للاستقرار يكرّس نفوذها الإقليمي، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، مع تشكيك في قدرة موسكو على أداء هكذا دور، أو بشكل أدق رغبة أطراف عدة في منحها هذه الورقة، لا سيما مع استمرار بوتين في تعنته بما يتعلق بوقف الحرب في أوكرانيا.

عبارات دبلوماسية صينية

أما الصين، فتكتفي حتى اللحظة بعبارات دبلوماسية، مع تعبير وزير الخارجية الصيني وانغ يي، يوم السبت الماضي، عن دعمه الكامل لإيران، قائلاً إن الوسائل الدبلوماسية لحل المسألة النووية الإيرانية "لم تُستنفد بعد". كما عبّرت بكين عن استعدادها للعب دور بناء في تهدئة الوضع. وتدرك الصين أن اتساع الصراع ليس في مصلحتها، خصوصاً إذا استخدمت إيران ورقة المضائق البحرية، ما سيعني حتماً ارتفاعاً في أسعار النفط ووقف خطوط إمداد السلع، وهو ما يعني في الحسابات الصينية خسائر اقتصادية بالجملة هي في غنى عنها. لكن الصين، رغم ما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي وحتى عسكري، تفضل، بحسب ما أظهرته الأحداث في المنطقة، لا سيما العدوان على غزة ولبنان، البقاء في موقع المتفرج، وهي غير مستعدة للتضحية بالهدنة الهشة مع أميركا وعلاقتها مع إسرائيل لأجل إيران. وأقصى ما يمكن أن تعول عليه طهران من موسكو وبكين، الوقوف إلى جانبها في حال انتقال الملف إلى مجلس الأمن، وبعض الدعم العسكري غير العلني، من دون أن يكون كاسراً للتفوق الإسرائيلي.

وحتى تحالف "بريكس" الذي تنتمي إليه إيران إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا والإمارات وإندونيسيا، لن يكون بمقدور طهران التعويل على أي تحرك فيه لصالحها، لا سيما أنه تحالف غير متجانس، ويفتقر إلى رؤية مشتركة، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة التحالف بين الهند، عضو "بريكس"، وإسرائيل، والذي ظهر بوضوح في المواجهة بين الهند وباكستان، ومن جهة ثانية فإن "بريكس" غير قادر على التعامل مع الأزمات الدولية الكبرى، بحسب ما أثبتته التطورات طيلة السنوات الماضية.

وإذا كانت باكستان أعلنت وقوفها إلى جانب إيران في المواجهة الحالية مع إسرائيل، فإن توقع أي دعم عسكري من إسلام أباد لطهران يبدو مستبعداً، أخذاً بعين الاعتبار حسابات عدة، أقله ما ظهر عقب المواجهة الهندية الباكستانية أخيراً، لا سيما لجهة استعجال إسلام أباد تسوية الأزمة ووقف المواجهة العسكرية، في ظل عدم قدرتها على الصمود طويلاً، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، في معركة مفتوحة وشاملة. وما تردد على لسان القائد العام الأسبق للحرس الثوري اللواء محسن رضائي أخيراً من "أن إسلام أباد ستستخدم القنبلة النووية ضد إسرائيل إذا استخدمتها تل أبيب ضدنا" تبدد سريعاً. وحتى أن مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الخارجية الباكستانية سارع إلى نفي لوكالة أسوشييتد برس تقارير إعلامية إيرانية أفادت بأن باكستان ستزوّد إيران قريباً بشحنة من نحو 750 صاروخاً باليستياً غير نووي، لدعمها في الحملة ضد إسرائيل.

تركيا لا ترغب بانهيار إيران

أما تركيا فدانت العدوان الإسرائيلي بمصطلحات ناعمة في بداية الأمر عندما اعتبرته "استفزازاً سافراً" و"انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي" يهدد استقرار المنطقة، لكنها، على غرار العديد من الدول، شددت على ضرورة استئناف المفاوضات النووية والابتعاد عن التصعيد العسكري، مفضّلة النأي بنفسها عن أي دعم عسكري مباشر لإيران. ورغم ما يشوب العلاقة بين أنقرة وطهران من تباينات، لا سيما على خلفية الملف السوري، إلا أن تركيا لا ترغب في انهيار إيران، إذ تنطلق مواقفها من اعتبارات أمنية وسياسية. كما تخشى أنقرة من تداعيات هكذا انهيار خصوصاً أنه قد يؤدي إلى موجة لجوء إيراني باتجاه حدودها. وفي نفس الوقت تسعى أنقرة للحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية. ورغم التوتر الذي شاب علاقتها بإسرائيل، في السنوات الأخيرة بسبب العدوان على غزة، حافظت أنقرة على قنوات اتصال مع تل أبيب، بما في ذلك جولات المباحثات التي استضافتها أذربيجان وتركزت حول الملف السوري.

Read Entire Article