هل تجهض الضربات الإسرائيلية القدرات النووية الإيرانية؟

12 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">مسارات الصواريخ واعتراضها في سماء مدينة نتانيا الإسرائيلية، 14 يونيو 2025 (أ ف ب)</p>

جاءت العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، والتي استهدفت منشأة نطنز النووية الإيرانية وقادة الجيش و"الحرس الثوري" وعلماء نوويين إيرانيين ومنشآت عسكرية أخرى، في وقت وصلت فيه المفاوضات الأميركية - الإيرانية في شأن البرنامج النووي الإيراني إلى طريق مسدود، بعدما خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن طهران انتهكت التزاماتها بحظر الانتشار النووي. فهل توافق طهران على طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالعودة للمحادثات؟ وماذا تعني الضربات للبرنامج النووي الإيراني؟

خسائر جسيمة

مع استمرار تنفيذ الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها على مواقع نووية وعسكرية في إيران، ضمن ما سمته إسرائيل عملية "الأسد الصاعد"، وهو تعبير توراتي اقتبسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الكتاب المقدس، أثير عديد من التساؤلات عن مدى نجاح إسرائيل في تدمير المنشآت النووية الإيرانية التي كانت الهدف الأساس من هذه الضربات، في وقت ما زال الرئيس الأميركي يطالب الإيرانيين بالعودة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة التي كانت مقررة غداً الأحد قبل أن ينتهي كل شيء على حد وصفه، في إشارة إلى أن الضربات الإسرائيلية ستستمر لفترة طويلة قادمة.

وأعلنت إسرائيل أنها نجحت في تدمير واسع سبب خسائر جسيمة لمنشأة نطنز التي تعد أحد أبرز المواقع النووية الإيرانية الثلاثة إلى جانب منشأة فوردو المحصنة جيداً ومنشأة أصفهان، بينما يتوقع أن تستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية الرئيسة لتأخير مسار إيران نحو القنبلة النووية في الأقل، حتى لو عجزت إسرائيل، بمفردها، عن القضاء تماماً على مسار إيران نحو القنبلة. ومع محاولة إسرائيل تقويض قيادات إيران العسكرية، بهدف التخفيف من حدة الرد الإيراني، سيواصل الإسرائيليون الضربات في الأقل أياماً عدة، مع إمكان أن يشمل هدف إسرائيل النهائي ليس فقط شل البرنامج النووي الإيراني، بل التحريض على تغيير النظام، وهو ما ستساعد الأهداف التي تختارها إسرائيل في تحديد إجابة لهذا السؤال.

معيار النجاح

تعتبر كبيرة الباحثين في برنامج الدفاع المتقدم في مركز "سكوكروفت للاستراتيجية والأمن" راشيل ويتلارك أن إسرائيل حققت هدفها المتمثل في عرقلة البرنامج النووي الإيراني، إذ تتوقع أن يضعف استهداف كل من المنشآت والعلماء الرئيسين قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية ويؤخرها.، لكن بينما يصعب تحديد النجاح العملياتي مع استمرار تطور الأحداث، يعرف القادة الإسرائيليون النجاح بأنه تأخير قدرة إيران على إنتاج اليورانيوم الصالح لإنتاج أسلحة أو التقدم نحو الأسلحة النووية، وهو ما يرجح أن تكون إسرائيل قد حققته من خلال إتلاف وتدمير البنية التحتية النووية الحيوية وتحييد كبار العلماء.

عودة عقيدة بيغن

ويظهر شن إسرائيل هجماتها على إيران استمرارها في استحضار "عقيدة بيغن"، التي ظلت تمثل سياستها الراسخة في توجيه ضربات استباقية للمنشآت النووية وأسلحة الدمار الشامل لدى من ترى أنهم يشكلون خطراً على أمنها، وسميت هذه العقيدة تيمناً برئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن، ووضعت، للمرة الأولى، موضع التنفيذ عام 1981 خلال عملية "أوبرا" عندما دمرت إسرائيل مفاعل "أوزيراك" النووي العراقي قرب بغداد في هجوم مستهدف.

وإذا كان نتنياهو قد أخطر ترمب، فإن بيغن نفذ الضربة من دون موافقة الولايات المتحدة، حينها خشي كثر من التصعيد إذا ما رد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إلا أن صدام كان آنذاك متورطاً بالفعل في حرب مع إيران ولم يكن قادراً على تحمل كلف الرد.

وطبقت إسرائيل هذه العقيدة مجدداً عام 2007 عندما دمرت سراً مفاعل "الكبر" السوري في عملية لم تقر بها علناً سوى عام 2018، ورداً على هذه الضربة، أنكر الرئيس السوري المخلوع آنذاك بشار الأسد وجود الموقع تماماً لتجنب الضغوط المحلية والإقليمية للرد.

والآن وللمرة الثالثة يبدو أن إسرائيل تلجأ إلى هذه العقيدة، وهذه المرة ضد البنية التحتية النووية والصاروخية الباليستية الإيرانية، ومرة أخرى من دون موافقة واشنطن وإن كان بعلمها.

الدور الأميركي

منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على إيران نأت الولايات المتحدة بنفسها عن التورط في هذه العملية على رغم اعتراف مسؤولين عسكريين أميركيين أن واشنطن وفرت معلومات استخباراتية مهمة لإسرائيل، ومع ذلك يظل التدخل الأميركي ممكناً إذا غامرت طهران وشنت هجمات قاتلة ضد عسكريين أو مدنيين أميركيين، وحتى إذا امتنعت إيران عن مهاجمة المصالح الأميركية، وركزت فقط على إسرائيل أو شنت هجمات ضد مواقع إسرائيلية ويهودية في جميع أنحاء العالم، فمن المرجح في مثل هذا السيناريو أن تتعرض إدارة ترمب لضغوط شديدة لمساعدة إسرائيل في تدمير بعض المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، مثل محطة فوردو شديدة التحصين.

وبحسب مسؤول الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق جوناثان بانيكوف، سينظر بعض المحافظين في مجال الأمن القومي الأميركي إلى هذا على أنه فرصة ربما لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، بينما سيجادل ذوو الميول الانعزالية في إدارة ترمب لمصلحة النهج المعاكس.

وهناك ثلاث منشآت رئيسة يسعى خصوم إيران النوويين إلى تدميرها، وهي أصفهان ونطنز وفوردو، لكن بينما سيكون من المؤكد أن الضربة الأميركية ستكون أكثر فاعلية، من أجل تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة بصورة ملموسة، لا تزال إسرائيل تستطيع تدمير المنشآت فوق الأرض.

وإذا كانت المنشآت تحت الأرض صعبة، فمن المحتمل أن تنفذ إسرائيل خلال الأيام المقبلة غارات كوماندوس أو هجمات مبتكرة أخرى على المنشآت النووية تحت الأرض، وهذا سيؤدي إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني بصورة ملموسة كما يقول مدير مركز "سكوكروفت للاستراتيجية والأمن" ماثيو كرونيغ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إيران أمام خيارين

وعلى رغم أن الضربة الاستباقية الإسرائيلية ربما تؤدي إلى تعطيل قدرة إيران المباشرة على تطوير برنامج أسلحة نووية، فإنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان مثل هذا الإجراء سيردع طموحات النظام الإيراني النووية بفاعلية. ويبدو أن النظام الإيراني لديه خياران الآن وفقاً لمساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون السياسية والعسكرية كلارك كوبر، إما التخلي عن طموحاته النووية، وإما مواجهة عدم تدخل إدارة ترمب إذا قررت إسرائيل مواصلة تدمير المنشآت النووية الإيرانية.

وفي حين يبقى السؤال هو: هل سيكفي هذا الإجراء الأحادي من جانب إسرائيل لردع طموحات إيران النووية؟ فإن ما هو واضح الآن هو أن الظروف الاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط أصبحت أكثر تقلباً.

قصة لم تنتهِ

لكن القصة لا تنتهي هنا كما يقول سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل دانيال شابيرو، فبينما تتعهد إسرائيل بشن هجمات إضافية، ستكون إيران الآن متحمسة للغاية للانطلاق نحو تحقيق اختراق نووي في منشآت محصنة تحت الأرض، وإذا أصر الإيرانيون على الاستمرار في رفض العرض الأميركي باستئناف المحادثات النووية في عمان، سيكون حلم ترمب بالتوصل إلى حل دبلوماسي ينهي التخصيب الإيراني قد انتهى.

وفي هذه الحالة من المرجح أن يواجه الرئيس الأميركي قراراً في شأن ما إذا كان سيستخدم قدرات الولايات المتحدة الفريدة لتدمير منشآت طهران النووية تحت الأرض ومنع امتلاكها سلاحاً نووياً، لكن هذا القرار سيؤدي إلى انقسام بين مستشاريه وقاعدته السياسية وسط اتهامات، وربما شكوكه الشخصية أيضاً، بأن نتنياهو يحاول جره إلى حرب لم يبدأها.

على المدى البعيد

من المرجح أن تدفع هذه التطورات إيران في نهاية المطاف إلى السعي جاهدة إلى الحصول على قنبلة نووية، بخاصة أن الضربات الإسرائيلية تأتي بعد تصويت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس الماضي، وللمرة الأولى منذ 20 عاماً، بأن إيران لم تمتثل لالتزاماتها حظر الانتشار النووي، وهو ما قد يكون قد دفع إسرائيل إلى استنتاج أن إيران تتسابق نحو امتلاك قنبلة، ومن ثم قررت تسريع توجيه ضربة لإيران على أمل تعطيل البرنامج النووي الإيراني.

ومع ذلك قد تقرر إيران أن الضربات الإسرائيلية تعني أن الوقت قد حان ليقرر النظام ما إذا كان سيحصل على قنبلة نووية، إن لم يكن قد فعل ذلك بالفعل، وقد يستنتج الإيرانيون أنه لم يعد بإمكانهم البقاء على الحياد النووي، وعليهم الإسراع في امتلاك قنبلة أو المخاطرة بعدم امتلاكها أبداً.

وإذا كان هذا الأمر يبدو غير منطقي في وقت تنهال فيه الضربات الإسرائيلية على إيران بسبب برنامجها النووي، إلا أنه كما تنظر إسرائيل إلى إيران بسلاح نووي كتهديد وجودي، فإن عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً، أو في الأقل إمكان امتلاكه، يمثل بالنسبة إلى عديد من القادة الإيرانيين تهديداً وجودياً لبقاء النظام نفسه في الوقت الحالي، إذ يعتقد عديد من القادة الإيرانيين أن السلاح النووي يوفر لهم في نهاية المطاف الاستقرار والحماية، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى كوريا الشمالية من وجهة نظرهم.

غير أن سعى إيران لامتلاك سلاح نووي من شأنه أن يشجع ليس فقط إسرائيل، بل والولايات المتحدة أيضاً على شن حملة عسكرية ضد أي منشأة أو موقع تتوافر عنه معلومات استخباراتية أو تتواتر عنه أنباء أو شكوك بأنه يشمل عمليات تخصيب اليورانيوم لإنتاج سلاح نووي، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لصراع لا ينتهي وقد يأتي بنتائج وخيمة على القيادات السياسية في إيران.

subtitle: 
ربما نجحت تل أبيب في تعطيل نطنز وأمام طهران خياران
publication date: 
السبت, يونيو 14, 2025 - 09:00
Read Entire Article