وقف إطلاق النار في طرابلس: تعقيدات الصراع السياسي والعسكري

2 weeks ago 5
ARTICLE AD BOX

يسود الهدوء التام أرجاء العاصمة طرابلس منذ صباح أمس الخميس، فيما لا يزال وقف إطلاق النار صامداً منذ أن أعلنت وزارة الدفاع بـحكومة الوحدة الوطنية الليبية، ظهر الأربعاء، البدء بتنفيذه بعد قتال ضارٍ عم أغلب أحياء المدينة. وأعلنت وزارة الداخلية مساء الخميس إطلاق خطة لإعادة الاستقرار بالعاصمة، ودعت المواطنين إلى المساهمة في تعزيز الاستقرار بالعودة إلى أعمالهم.

وبدأت مظاهر الحياة بالعودة تدريجياً إلى أرجاء المدينة، وفتحت المحال التجارية أبوابها، ودبت الحركة في أغلب الأحياء، مع انتشار كثيف لدوريات قوة دعم مديرات الأمن، خاصة في مناطق وسط العاصمة، قريباً من نقاط فك الاشتباك بين طرفي القتال. وعلى الرغم من سحب الطرفين آلياتهما ومقاتليهما إلى مقارهما، إلا أن سكان العاصمة لم يخفوا عدم ثقتهم في اتفاق وقف إطلاق النار، إذ غابت مظاهر الحركة وأقفلت المحال أول حلول ليل البارحة الخميس.

وحثت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا جميع الأطراف بالالتزام بوقف إطلاق النار، موضحة، في بيان لها مساء الخميس، أنها تشارك "بنشاط مع الوسطاء وهي بصدد إطلاق آلية مخصصة لدعم وإدامة الهدنة الحالية، وتحمل مسؤولية خفض التصعيد لجميع الأطراف الفاعلة المعنية". وفي الوقت الذي دعا فيه عدد كبير من النشطاء، سكان طرابلس إلى الاحتشاد في ميدان الشهداء، أكبر ساحات العاصمة، مساء اليوم الجمعة، في مظاهرة للتنديد بما عاشته أحيائهم من حرب واقتتال، ناشدت قوة دعم المديريات، صباح اليوم الجمعة، المواطنين إلى التظاهر بعيداً عن مقرات فصيلي الاشتباكات، كاشفة النقاب عن تقليها معلومات تفيد بـ"احتمال تسلل عناصر مندسة" في صفوف المتظاهرين "لإثارة الفتنة وخلق توترات قد تتسبب في عودة الاحتراب وتقويض حالة التهدئة القائمة".

وما يزال وقف إطلاق النار يثير تساؤلات عديدة حول طبيعته، وأطرافه، والأهم؛ إمكانية صموده أمام تعقيدات المشهد الذي جمع بين صراع عسكري وسياسي وقانوني، مع تداخل الولاءات وتباين الجهات التي تصدر عنها الأوامر. وتصاعدت الاشتباكات في العاصمة الليبية طرابلس، الأربعاء ليلاً، بين جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، واللواء 444 قتال التابع لوزارة الدفاع، مدعوماً بقوات تابعة لوزارة الداخلية، في مواجهات تحولت خلالها المدينة إلى ساحة حرب مفتوحة.

وجاء إعلان وزارة الدفاع عن "وقف إطلاق النار"، صباح الأربعاء، بعد أزيد من سبع ساعات من القتال، عبر نشر "وحدات محايدة" في نقاط التماس، مؤكدة أن إجراءاتها تهدف للحفاظ على النظام العام، دون توضيح موقفها من ولاءات الأطراف المتصارعة، خاصة مع انتماء اللواء 444 لها، ودعم قوات الداخلية له.

وتعود جذور الأزمة إلى اليوم السابق للاشتباكات، حين أعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ظهر الثلاثاء، عن سلسلة قرارات "حاسمة" شملت حل أجهزة أمنية مرتبطة بـ"دعم الاستقرار"، الذي أطاحت به القوات الحكومية ليل الاثنين خلال عملية عسكرية خاطفة بعد مقتل قائده عبد الغني الككلي في ظروف غامضة، لكن القرار الأكثر إثارة كان حل "جهاز الردع" التابع للمجلس الرئاسي، ما فجر رد فعل عنيف، وكشف إشكالية قانونية في حل أجهزة لا تتبع الحكومة، وسط صمت من المجلس الرئاسي، طيلة ساعات الحرب، ليخرج بعد توقفها ويصدر قراراً بتجميد كل القرارات الحكومية، في محاولة لاحتواء الأزمة.

وأدى سقوط جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبو سليم، وخسارة جهاز الردع لمواقعه وسط العاصمة، إلى تحولات في خريطة النفوذ، حيث توسع اللواءان 444 قتال و111 مجحفل (تابعان لوزارة الدفاع) في مقراته، ودخلت قوات داعمة للحكومة من مصراتة إلى تاجوراء شرقاً، في مقابل تمركز قوات داخلت من الزاوية، داعمة لجهاز الردع في غرب طرابلس، فيما انحصر الردع داخل معقله في معيتيقة، بينما أظهرت الأزمة تعقيدات الولاءات المزدوجة وتداخل الصلاحيات بين مؤسسات حكومية متنافسة، ما يطرح تساؤلاتٍ حول إمكانية صمود الهدنة الهشة أمام اشتباكاتٍ قد تعيد إشعال الحرب بأي استفزاز ميداني.

وفيما يؤكد الخبير الأمني الصيد عبد الحفيظ أن اشتباكات طرابلس غير مسبوقة في شراستها واتساع رقعتها، اعتبر أن وقف إطلاق النار "لا يزال هشاً" بسبب تجميد المجلس الرئاسي لقرارات الحكومة دون إلغائها، مع عدم وضوح مصير جهاز الردع. ويرى عبد الحفيظ في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق لم يبنَ على أسس متينة، بل جاء نتيجة عوامل عديدة، منها استنفاد الطرفين لقدراتهما العسكرية، والضغط الدولي، إضافة إلى خوف الحكومة من فقدان السيطرة حال انضمام قوات جديدة من خارج العاصمة".

ويلفت عبد الحفيظ إلى "المخاوف من تثوير الوضع مجدداً من جانب أطراف أخرى تستفيد من فوضى العاصمة، خاصة خصوم الحكومة مثل اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومليشياته المرتبطة بشكل أو بآخر بجهاز الردع الذي تنتمي قياداته العليا للتيار المدخلي المعروف بولائه لحفتر". لكن الناشط السياسي مختار المشيطي يرى عوامل أخرى قد تعزز من صمود هذا لاتفاق، مثل "عدم قدرة جهاز الردع على مواجهة جديدة".

ويلفت المشيطي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة بالرغم من كثافة قواتها إلا أنها تعاني تناقضات داخلية مع المجلس الرئاسي أفقدتها زخم الإرادة السياسية لتنفيذ قرارها بحل جهاز الردع بالقوة. ويوضح المشيطي ذلك بأنها "نجحت في تفكيك جهاز دعم الاستقرار عبر عملية مفاجئة، لكنها فشلت في إدارة مواجهة الردع الذي استبقها بالهجوم"، لافتاً إلى أن العامل الدولي "سيحدد مصير الهدنة، خاصة مع ضغوط البعثة الأممية التي ستجد الوقت مناسباً لتمرير مبادرتها للحل السياسي من خلال الدفع نحو تمرير خطتها لإجراء انتخابات تجدد الوجه السياسي في البلاد.

وكان خصوم الحكومة قد استغلوا الأزمة للهجوم عليها، إذ حمّلها رئيس البرلمان عقيلة صالح، وخالد المشري، بصفته رئيس المجلس الأعلى للدولة، مسؤولية الاقتتال، وطالباً المجتمع الدولي بسحب الاعتراف بها، قبل أن تأتي إشادة المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، خلال إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن مساء أمس الخميس، بقرار الحكومة حل جهاز الردع، ووصفه بـ"الخطوة بالغة الأهمية"، بسبب انتهاكات الجهاز، وهي إشادة أعادت توازنا نسبيّاً للحكومة.

وعقب إحاطة خان، نشر المكتب الإعلامي للدبيبة بياناً مقتضباً أعلن فيه أنه سيوجه كلمة "خلال الأيام المقبلة" حول تفاصيل عملية أبو سليم، وأن "تأجيل شرح التفاصيل احتراماً لجهود التهدئة وتفادياً لأي تشويش أو استغلال سياسي". وليل أمس الخميس نشر الدبيبة على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، توضيحات مقتضبة قال فيها، إن ما حدث في أبو سليم "كان خطوة ضرورية لإنهاء وجودٍ تمادى في تجاوز القانون، وارتبط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، مضيفاً أن "العملية الأمنية في أبو سليم نُفِّذت بأسلوب منظّم وهادئ، دون أي مواجهات".

وتابع الدبيبة قائلاً: "في اليوم التالي، وبعد انتهاء العملية بالكامل، شهدت العاصمة أحداثاً عسكرية مؤسفة لا علاقة لها بمجريات العملية الأمنية، وقد تعاملت معها الجهات المختصة بمسؤولية عالية، حفاظاً على الاستقرار".

Read Entire Article