ARTICLE AD BOX
وماذا عساها تفعل قوافل كسر الحصار، أكثر من صورة ومشهد لا يغيّر واقع المحنة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر والمدمر؟ يسأل اثنان هذا السؤال المغرض والفاسد في الشكل والمنطلق، تائه عاجز عن إقناع نفسه بجدوى الفعل المقاوم أساساً، ولم يعد يضع الفواصل بين القدرة والممكن، أو مستسلم متخاذل من مدرسة أوسلو التي أسست لمنطق إذا أخذ منك عدوك بيتك، اقتسم معه الحديقة.
تفعل القوافل نعم، والبيانات والتظاهرات والقصائد وكل فعل ثوري يبقي القضية حية في الضمير الإنساني، وفي التجربة الثورية الجزائرية ما يفيد بجلاء بهذه الجدوى، وبأهمية أي موقف عملي يعزز موقف الشعب المكافح. تمثل هذه القوافل انتقال الشعوب والمجموعات النشطة إلى الفعل الميداني، وإلى ممارسة السلطة الأخلاقية، وترسل رسالة في ثلاثة اتجاهات مختلفة، إلى الشعب الفلسطيني أنه ليس وحده في هذه المحنة وأن شعوب الأرض قاطبة تتقاسم معه الألم ومقتنعة بعدالة قضيته، ورسالة إلى الاحتلال أنه سيبقى وجوداً مرفوضاً باسم التاريخ والجغرافيا، ورسالة ثالثة إلى الدول والحكومات والهيئات المعنية بإنفاذ القانون الدولي، أن الأرض لا يجب أن تبقى مائلة، وأن الوقت متأخر عن جرعة أكبر من الصرامة ضد هذا الكيان المريض بالقتل والإبادة.
وحدها هذه القوافل العالمية والمغاربية المتجهة إلى رفح، بحراً وبراً وجواً، على أمل كسر الحصار الظالم على قطاع غزة، تعطي للعنوان الكبير الذي انطلق ذات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (طوفان الأقصى)، معنى أبعد من الحالة الفلسطينية كجغرافيا يجري على أرضها العمل المقاوم بالمعنى العسكري. فعلياً هناك طوفان عالمي يعيد تشكيل القضية الفلسطينية كقضية إنسانية أولاً، تقع المسؤولية الأخلاقية بشأنها على جميع الشعوب والأجناس والطوائف المحبة للحرية والسلام، وتتعلق مسألة إسنادها على عاتق كل الكيانات العادلة التي ما زالت تستند إلى الحد الأدنى من الضمير.
لا تواجه إسرائيل فقط لعنة المقاومة على الأرض، وتمسّك الشعب الفلسطيني بأرضه رفضاً لكل تهجير أو استبعاد، لكنها تواجه طوفاناً عالمياً من المواقف التي تنكر على الصهيونية هذا الفجور الدموي. لم تتسع القضية الفلسطينية لتصبح عالمية وإنسانية كما اتسعت الآن شرقاً وغرباً، ولم تنكشف أنظمة الخيانات وزيف التطبيع كما الآن، ولم تنخرم الدعاية والسردية الصهيونية كما انخرمت في الظرف الحالي. تقف إسرائيل عارية الآن، وقد باتت عبئاً أخلاقياً وسياسياً ومادياً على الولايات المتحدة وعلى شركاء الولايات المتحدة والغرب والعرب من غلاة التطبيع مع الاحتلال.
"الشجاعة خلق معدٍ"، وليس مهماً من يستلهم الشجاعة من الآخر، لكن شجاعة النشطاء الغربيين بسلامة الفطرة لصالح القضية الفلسطينية تبقى ملهمة ولا شك. لعل القافلة المغاربية التي انطلقت من الجزائر نحو تونس وليبيا ومصر، تيمناً بالشيخ سيدي أبو مدين الغوث التلمساني، الذي انطلق من تلمسان غربي الجزائر، ليلحق بجيش صلاح الدين في حطين وفقد ذراعه خلال فتح القدس، ومنحه صلاح الدين الأيوبي حارة المغاربة للسكن فيها ورفاقه، لعلها فتحت جداراً في ذاكرة المغاربيين، وأكدت الواقع أن الحدود سائلة وزائلة حين يتعلق الأمر بالقضية المركزية، وأن الاختلافات والخلافات السياسية والتوجهات الأيديولوجية يمكن أن تصبح لاغية في اللحظة التي تكون فيها فلسطين والمقاومة والحق الفلسطيني، هي البوصلة التي تحدد الموقف والتوجه والاتجاه.
