يوميات أسرة في غزة تتجه نحو المجاعة

2 weeks ago 6
ARTICLE AD BOX

<p>الفلسطينية بسمة الشيخ خليل تحمل وعاءً من الطعام أمام خيمة أسرتها في غزة (رويترز)</p>

لم تتناول ميرفت حجازي وأطفالها التسعة أي طعام على الإطلاق أول من أمس الخميس، باستثناء طفلتها الرضيعة التي تعاني نقص الوزن والتي تناولت كيساً من معجون الفول السوداني.

من خيمتهم المنصوبة وسط أنقاض مدينة غزة، قالت ميرفت لوكالة "رويترز"، "أشعر بخجل كبير من نفسي لأنني غير قادرة على إطعام أولادي... أبدأ بالبكاء خلال الليل عندما تبدأ طفلتي بالبكاء لأن بطنها يؤلمها من الجوع".

ولا تستطيع ابنتها زهاء البالغة من العمر ست سنوات النوم بسبب القصف الإسرائيلي.

وقالت ميرفت، "تستيقظ زهاء من النوم خائفة وترتجف وثم تتذكر أنها تشعر بالجوع لأنها لم تأكل، أذهب وأضعها في الفراش مجدداً لتنام وأعدها بأنني في الصباح سأدبر لها طعاماً، وطبعاً أكذب لأننا منذ أسابيع نعتمد فقط على وجبة واحدة هي الغداء، لا فطور ولا عشاء".

 

أسبوع من المعاناة

روت ميرفت البالغة 38 سنة أحداث أسبوع رهيب، وقالت إن أسرتها حصلت الأحد على نصف كيلوغرام تقريباً من العدس المطبوخ من مطبخ خيري (تكية) تديره مؤسسة خيرية، وهي نصف الكمية التي تستخدمها عادة لإعداد وجبة واحدة.

وأضافت أن إحدى منظمات الإغاثة المحلية وزعت الإثنين بعض الخضراوات في المخيم، لكن الكمية لم تكن كافية، ولم تحصل أسرة ميرفت على أي منها، وذهبت ابنتها منى (14 سنة) إلى التكية وعادت بكمية ضئيلة من البطاطا المطبوخة، كان الجميع جائعين، لذا ملأوا بطونهم بشرب الماء.

الثلاثاء، حصلت الأسرة على نحو نصف كيلوغرام من المعكرونة المطبوخة من التكية، كذلك حصلت إحدى بناتها على بعض الفلافل من قريب يسكن في الجوار.

وقالت ميرفت إن الأربعاء كان جيداً نسبياً، إذ تلقت الأسرة طبق رز مع عدس من التكية، وأضافت أن ذلك لم يكن كافياً إطلاقاً، لكن منى عادت إليهم وتوسلت فأعطوها في النهاية طبقين صغيرين آخرين.

وقالت ميرفت، "هي قوية وشاطرة وتبقى تجادلهم وتصرخ حتى يعطوها" طعاماً. وأضافت أن التكية كانت مغلقة الخميس، ولم تتمكن العائلة من معرفة السبب. لم يكن لديهم ما يأكلونه سوى كيس الفول السوداني للطفلة لمى (11 شهراً)، الذي حصلوا عليه من إحدى العيادات كمكمل غذائي لأن حليب الأطفال الصناعي اختفى تقريباً.

وقالت ميرفت، التي قتل زوجها في بداية الحرب بينما كان ذاهباً على دراجة للحصول على الطعام من مطبخ خيري، "ليس لديّ حليب كافٍ في صدري لأطعمها لأني أنا نفسي لست قادرة على إيجاد شيء آكله".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مساعدات ضئيلة وآلية جديدة

تتيح محنة عائلة ميرفت إلقاء نظرة خاطفة على البؤس الذي يعانيه قطاع غزة. وحذر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، في مايو (أيار) الجاري، من أن نصف مليون شخص في القطاع يواجهون الجوع فيما تلوح المجاعة في الأفق.

تقصف إسرائيل غزة وتحاصرها منذ أن شنت حركة "حماس" التي تدير القطاع هجوماً مفاجئاً على بلدات حدودية إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتقول إسرائيل إن الهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص بينما تقول السلطات في غزة إن الهجوم الإسرائيلي الذي أعقب ذلك أسفر عن مقتل أكثر من 53 ألفاً حتى الآن.

وقالت السلطات الإسرائيلية مراراً إن هناك ما يكفي من الغذاء في غزة لإطعام السكان، وتتهم "حماس" بسرقة المساعدات من أجل إطعام مسلحيها والإبقاء على سيطرتها على القطاع، وهو ما تنفيه الحركة.

وبدأت إسرائيل الأسبوع الماضي السماح بدخول بعض المواد الغذائية إلى القطاع للمرة الأولى منذ الثاني من مارس (آذار) الماضي، بما شمل الطحين وغذاء الأطفال، لكنها أعلنت عن بدء العمل قريباً بنظام جديد للمساعدات برعاية أميركية يديره متعاقدون من القطاع الخاص.

ستشمل الخطة مراكز توزيع في مناطق تحت سيطرة القوات الإسرائيلية، وهي خطة عارضتها الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة قائلة إنها ستؤدي إلى مزيد من نزوح السكان، وإن المساعدات يجب أن تتدفق عبر الشبكات القائمة.

وقالت ميرفت إن أسرتها لم ترَ أي أثر للمساعدات الجديدة حتى الآن، ويمزقها القلق على طفلتها لمى، التي كان وزنها خمسة كيلوغرامات الأسبوع الماضي. ووفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، يعادل هذا نحو نصف متوسط وزن طفلة سليمة عمرها سنة واحدة. وأضافت الأم أن الأسرة لم تحصل هذا الأسبوع إلا على وجبة واحدة يومياً لتتقاسمها، وذلك في أحسن الظروف.

وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر هذا الأسبوع، إن حجم المساعدات الذي تقترح إسرائيل السماح بدخوله إلى غزة "قطرة في محيط" مما هو مطلوب.

 

"لا كلمة لنا في الحرب"

الخيمة التي تعيش فيها ميرفت وأطفالها كبيرة ومستطيلة الشكل ومعلق على أحد جوانبها صورة لزوجها الراحل وأبيهم محمد فوق حشية رقيقة وبعض الجرار الفارغة في معظمها والأوعية البلاستيكية المكدسة.

تنحدر الأسرة من حي الصبرة بمدينة غزة شمال القطاع، حيث تركز الهجوم الإسرائيلي في بداية الحرب، وقررت الفرار من الحي يوم مقتل محمد في الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

توجه أفراد الأسرة جنوباً إلى منطقة دير البلح بوسط غزة حيث أقاموا في البداية مع أقارب لهم قبل الانتقال إلى مخيم للنازحين، وعادوا إلى مدينة غزة بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني) الماضي ليجدوا منزلهم قد تضرر، وهم الآن يعيشون في مخيم للنازحين.

قالت ميرفت إن الجوع يشعرهم جميعاً بالضعف، وغالباً ما يفتقرون إلى الطاقة الكافية حتى لتنظيف خيمتهم، وعندما زارت "رويترز" المكان كان بعض الأطفال ممددين على الأرض في صمت، لكن لا يزال لديهم عمل ينجزونه.

كثيراً ما ترسل منى للوقوف في طابور المطبخ الخيري، وتقول أمها إنها تصل قبل ما يزيد على ساعة من فتحه، لعلمها أنه لولا ذلك لما حظيت بفرصة الحصول على الطعام، وغالباً ما تنتظر ساعة أخرى قبل أن يقدم لها الطعام.

وفي الأيام التي لا تصل فيها المياه إلى قسمهم من المخيم بواسطة شاحنة صهريج، يضطر مصطفى (15 سنة) وعلي (13 سنة) إلى السير إلى صنبور مياه في منطقة أخرى وحمل عبوات بلاستيكية ثقيلة إلى الخيمة، في مهمة شاقة ازدادت صعوبة بسبب جوعهما.

يتذكر الجميع حياتهم قبل الحرب، ويتحدثون عن وجباتهم التي اعتادوا الاستمتاع بمذاقها، كان محمد حجازي سباكاً ويكسب أجراً جيداً.

وقالت زوجته، وهي تتذكر وجبات الإفطار المكونة من البيض والفاصوليا والفلافل والجبن والزبادي والخبز، ووجبات الغداء والعشاء المكونة من اللحم والرز والدجاج والخضراوات، "الناس كانوا يحسدوننا على أنواع الأكل التي كنا نأكلها زمان".

تحدثت ابنتها ملك (16 سنة) عن البرغر والشوكولاتة والكوكاكولا، وقالت ميرفت، "نحن مدنيون، لا كلمة لنا في الحرب والسلام، كل ما نريده أن تنتهي الحرب ونعود مجدداً إلى بيوتنا، بيوتنا الحقيقية، نريد أن ننام وبطوننا مملوءة وننام بسلام لسنا خائفين أن نموت ونحن نائمون جراء القصف".

subtitle: 
تعتاش العائلة المكونة من 10 أفراد على وجبة واحدة في اليوم هي الغداء
publication date: 
السبت, مايو 24, 2025 - 12:00
Read Entire Article