أخطاء "كانّ" فادحة: لماذا يتغاضى عربٌ عنها؟

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

عاملون وعاملات عرب في النقد والصحافة السينمائيّين يُفضّلون التغاضي عن أخطاء، بعضها مُكرّر، ترتكبها إدارة مهرجان "كانّ" السينمائي (تييري فريمو مندوبه العام) في دورات سابقة (يُقال إنّ الارتكابات، كي لا تُستخدم مفردة "أخطاء"، حاصلة منذ تفشّي كورونا مطلع عام 2020)، والمهرجان نفسه يصفه هؤلاء غالباً بكل ما في خانة "أفعل التفضيل" من أوصافٍ إيجابية وتبجيلية. يرون في التغاضي "راحة بال"، أو يظنّونه دافعاً لإدارة المهرجان إلى اهتمامٍ أكبر بهم/بهنّ، علماً أنّ أقصى ما يحصلون عليه منها "بطاقةَ اعتماد"، تُخوّلهم مشاهدة أفلامٍ، والمشاركة في مؤتمرات صحافية، وطلب إجراء مقابلات، لن يكونوا فيها لوحدهم، فكلّ جلسة (مدّتها: 15 ـ 20 دقيقة) تضمّ خمسة/سبعة مُحاورين/محاورات، ذوي جنسيات مختلفة.

بطاقة الاعتماد تلك تُمنح بألوان متنوّعة، لكلّ لون مرتبة معيّنة في أولويات المُشاهدة، فيبدو المشهد غير منصفٍ وغير عادل، كما يشعر زملاء وزميلات عرب، يُتابعون الدورات السنوية للمهرجان رغم كلّ شيء. فالأبيض (قلّة من النقاد تحصل عليه، ويتردّد أنّه "مُختفٍ" في أعوامٍ قليلة ماضية، علماً أنّ الناقدين السينمائيين المصريين الراحلين سمير فريد ويوسف شريف رزق الله حاصِلان عليه دون سائر العرب) يعني الدخول أولاً قبل الجميع، يليه الوردي مع نقطة صفراء، ثم الوردي من دون نقطة، فالأزرق والبرتقالي والأصفر والأحمر. هذا يعني أنّ حامل الألوان الأخيرة (بدءاً من الأزرق) ربما لن يعثر على مقعدٍ له في صالات العروض الصحافية.

هذا غير موجود في "مهرجان برلين". بينما "مهرجان فينيسيا" يعتمد هذا التقليد، مع أنْ لا أفضلية للون على آخر في حجز بطاقات المشاهدة. أمّا "السوق"، المعنية بالتوزيع والإنتاج (أي "بيزنيس")، فلها بطاقات خاصة، يندر حصول ناقد أو صحافي/صحافية سينمائي عليها.

رغم هذا، يتجاهل عربٌ عديدون ما يُشبه الفوضى في مسائل إدارية وتنظيمية، تعمّ دورات سابقة عدّة. يتجاهلون كذباً وعدم مساواة في تعامل إدارة "كانّ" مع مسائل دولية، في السياسة والحروب، فتُتيح لسياسي (فولوديمير زيلينسكي) مساحة لكلمة في حفلة افتتاح، لخوضه حرب بقاء ضد دولة جارة (ما علاقته بالسينما أصلاً، رغم أنّه ممثل تلفزيوني سابق، غير مشهور كثيراً خارج بلده؟)، لكنّها تنفضّ عن جريمة ترتكبها دولة (حرب الإبادة الإسرائيلية الأخيرة)، أقلّه بتحاشيها ذكرها وذكر جرائمها، خاصة مع اختيارها فيلماً "فلسطينياً"، تُقتل شخصيته النسائية الأساسية بغارة إسرائيلية يتردّد أنّها متعمّدة (فاطمة حسونة، وفيلم "ضع روحك على كفّك وامشِ" للإيرانية زبيدة فارسي). مع هذا، يندر العثور على "رأي" لناقد أو صحافي/صحافية سينمائي عربيّ إزاء المسألة هذه، عشية الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025).

 

 

يستخدم هؤلاء العرب مفردات تبجيلية في وصف المهرجان، مع أنّها غير لائقة بمهنةٍ، وغير متوافقة مع نقدٍ. هناك بينهم/بينهنّ من "يشتم" زملاء وزميلات، قلائل للغاية، لهم/لهنّ كتابات نقدية تطرح تساؤلات مشروعة. يقولون، مواربة أو علناً (ويفخرون بذلك)، إنّ المهمّة الأولى كامنةٌ في مشاهدة أفلام والكتابة عنها فقط، والبعض يهرع إلى غرف المؤتمرات الصحافية، وإنْ يُكلّفه هذا خسارة فيلم، "ربما" يشاهده لاحقاً في يوم آخر، أو ينساه كلّياً. فالحوارات نفسها، رغم ضيق الوقت، فرصةٌ بالنسبة إليهم/إليهنّ لاقتناص صورة والحصول على إجابات، يُقال إنّ عرباً (يندر مشاركتهم/مشاركتهنّ في حوارات كهذه أصلاً) غير متردّدين عن "سرقة" أسئلة زملاء وزميلات أجانب، لنشرها مع الإجابات في ما يسمّونه "حواراً خاصاً" بهذه المطبوعة، أو بذاك الموقع.

لا نقاش حول ضيق الوقت، فهذا مفهوم، لأنّ من يوافق على حوارات كهذه (الغالبية الساحقة لممثلين/ممثلات ومخرجين/مخرجات) يأتي إلى مهرجان "كانّ" لأيامٍ قليلة، والحوار، الذي يُنظَّم قبل عرض الفيلم أحياناً، وهذه مشكلةٌ نقدية وصحافية كبيرة (للحوار الإعلامي مدّة أطول بقليل، فالجهات الإنتاجية تُفضّله لرواجه الشعبيّ)، جزءٌ من ترويجٍ مطلوب.

قول هذا كلّه يُشير إلى أنّ المهرجان غير مانح إياهم/إياهنّ ميزات، "تفرض" تغاضياً عن قراءات نقدية سوية لأخطاء وارتباكات وخديعة وكذب وادّعاء، ترتكبها إدارة المهرجان وتتصرّف وفقاً لها.

مهرجان كهذا غير مكترثٍ أصلاً بكتابات نقدية عربية، رغم إصراره على إرسال المكتوب عن كلّ دورة إلى مكتبه الصحافي، لـ"الاطمئنان" على أنّ من يُمنَح "بطاقة اعتماد" يُتابع يوميات دوراته، ويكتب عن أفلامها ونشاطاتها. لكنْ، أهناك من يقرأ فعلياً؟ ألن يكون عربيّ/عربيّة مسؤولاً عن القسم العربي في المكتب الصحافي، مع ما يعنيه هذا من تلبية مصالح شخصية، أحياناً؟ لذا، ما الداعي إلى تجنّب الكتابة النقدية السوية عن أخطاء مرتكبة منذ أعوام قليلة، في مسائل إدارية وتنظيمية: الخوف من أنْ يُرفض طلب الحصول على "بطاقة اعتماد" في دورة لاحقة؟ ألن تكون الكتابة هذه جزءاً من المهمة النقدية والصحافية على الأقلّ، فللإعلام المرئي/المسموع مهمات غير نقدية إطلاقاً؟ أيظنّ هؤلاء أنّ تجنّب التعليق النقدي السوي عن أخطاء سيمنحهم ميزات إضافية، لن يحصلوا عليها لأنهم/لأنهنّ غير حاصلين على شيءٍ أساساً، باستثناء "بطاقة الاعتماد" تلك، التي يُروى أنّ علاقات عامة تفرض تبديلاً بألوانها وفقاً لمصالح شخصية متبادلة؟

تساؤلات كهذه ربما تدفع عربٌ إلى مزيدٍ من الشتم والتقريع، بدلاً من إثارة نقاشٍ صحّي وعلني وواضح. لكنّها (التساؤلات) أحد أسس المهنة.

Read Entire Article