أزمة البيض في أميركا تمنح شركة واحدة أرباحا ضخمة

1 week ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>تجاوز سعر علبة البيض (12 بيضة) حاجز الدولارات الستة للمرة الأولى (أ ف ب)</p>

على بعد نحو 30 ميلاً من مدينة جاكسون بولاية مسيسيبي، اجتمع موظفون في شركة غامضة وقليلة الشهرة أخيراً في غرفة الاستراحة لمشاهدة فيديو على تطبيق "تيك توك".

الفيديو هاجم بشدة شركتهم، "كال-ماين فودز"، التي تحملها قطاعات واسعة في أميركا مسؤولية إحباط واسع النطاق يتمثل في الارتفاع الكبير في أسعار البيض.

ويعد البيض الرمز الأوضح لتأثير التضخم في المستهلكين الأميركيين، ولا أحد يبيع البيض في الولايات المتحدة أكثر من "كال- ماين".

ينتج الدجاج التابع للشركة، وعدده 50 مليون دجاجة، نحو بيضة واحدة من بين كل خمس بيضات تباع في البلاد، ومع تضاعف أسعار البيض ثلاث مرات خلال ثلاثة أعوام بسبب وباء إنفلونزا الطيور، تضاعفت أيضاً أسهم الشركة، مما جعلها العدو الأول بالنسبة إلى المشرعين والجهات الرقابية الساعية إلى الحد من قوى تضخم أسعار المواد الغذائية.

وأطلقت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً في مارس (آذار) الماضي، حول الزيادة على مستوى البلاد في أسعار البيض، وتشمل التحقيقات ممارسات التسعير في شركة "كال-ماين" وشركات أخرى.

ويعمل نحو 60 موظفاً في المقر الرئيس للشركة من مكتب صغير في الطابق الثاني ضمن مجمع يضم شركة تأمين ومكتب محاسبة، وتعرف هذه الشركة التي ظلت عقوداً تحت سيطرة عائلية بسعيها الدائم إلى البقاء بعيداً من الأضواء، إذ لا تعقد مكالمات دورية لعرض أرباحها الفصلية مع المستثمرين، على عكس معظم الشركات المدرجة في البورصة.

لكن الرئيس التنفيذي، شيرمان ميلر، يقول إنه لا يمكنه تجاهل تصاعد مشاعر العداء تجاه الشركة، وهو مستعد لتوضيح الأمور.

خفض أسعار البيض

قال ميلر في مقابلة مع "وول ستريت جورنال"، "لا بد من أن يلقى اللوم على أحد في كل شيء، إنهم يبحثون عن شرير، لكننا لا نملك القدرة على خفض أسعار البيض".

نشأ ميلر في ولاية مسيسيبي، وقضى كامل مسيرته المهنية في "كال-ماين"، قبل أن يتولى منصب الرئيس التنفيذي عام 2022، وهو عام مفصلي في صناعة البيض، إذ شهد بداية أسوأ تفش لإنفلونزا الطيور في تاريخ الولايات المتحدة.

ومن وجهة نظره، فإن "كال-ماين" اتخذت قرارات ذكية ومحافظة خلال الأزمة، بتجنب الإفراط في الإنتاج وتكديس الأرباح من أجل الاستعداد لفترة تعود فيها هوامش الربح إلى مستوياتها الضئيلة المعتادة.

تقول شركات إنتاج البيض إن ما يحدث هو مثال كلاسيكي على قانون العرض والطلب، حين يقل المعروض ويزداد الطلب وترتفع الأسعار، فالمواطن الأميركي يتناول في المتوسط نحو 279 بيضة في العام، والدجاجة الواحدة يمكنها أن تضع نحو 300 بيضة سنوياً، وكثيراً ما كان هناك تقريباً دجاجة واحدة لكل شخص في البلاد، وحافظ عدد الدواجن على وتيرته مع نمو عدد السكان أعواماً.

لكن إنفلونزا الطيور قلبت هذه المعادلة، فمنذ عام 2022، أدى تفشي المرض إلى نفوق أكثر من 150 مليون دجاجة في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات فيدرالية، والفيروس شديد العدوى وتصل معدلات نفوق الدجاج بسببه إلى نحو 100 في المئة، مما يعني أن إصابة دجاجة واحدة توجب التخلص من القطيع بأكمله.

ومع تجاوز سعر علبة البيض (12 بيضة) حاجز الدولارات الستة للمرة الأولى، بدأت العائلات تمزح في شأن تلوين البطاطا بدلاً من البيض في عيد الفصح، أما سلاسل الإفطار مثل "وافل هاوس" و"دينيز" ففرضت رسوماً إضافية، وخلفت أزمة نقص البيض بعض رفوف المتاجر خاوية، واضطر المتسوقون إلى مواجهة قيود على عدد العلب التي يسمح لهم بشرائها في كل زيارة.

ويقول ميلر "فعلنا كل ما في وسعنا لتوفير كل بيضة ممكنة في ظل ظروف خارجة عن إرادتنا"، ويضيف أن ذلك يشمل التوجه إلى قوى عليا، إذ تبدأ اجتماعات الشركة دائماً بالصلاة، متضمنة طلب الحماية من الفيروس.

انتشار إنفلونزا الطيور

أُسست شركة "كال-ماين" عام 1957 عندما اشترى فريد آدامز جونيور شاحنة مستعملة لتوصيل أعلاف الدجاج إلى المزارع في ولاية مسيسيبي، وعندما عجزت إحدى المزارع عن تسديد فاتورتها، استولى آدامز على المزرعة وأطلق عليها اسم "آدامز لإنتاج البيض"، وعام 1969 اشترى مزرعة ألبان في كاليفورنيا ومزرعة بيض في ولاية ماين، وغير اسم شركته إلى "كال-ماين" ليعكس انتشارها من الساحل إلى الساحل.

وعندما أصبحت "كال-ماين" شركة عامة عام 1996 ضمنت فئة من الأسهم ذات حق التصويت المتفوق أن تحتفظ مجموعة صغيرة من أفراد عائلة آدامز بسيطرة الغالبية على قرارات الشركة، وبما أن بنات آدامز الأربع لم يكن لديهن اهتمام بالأعمال العائلية، لجأ إلى أحد أصهاره، أدولفوس بيكر.

وكانت أول مهمة كلف بها بيكر هي الإشراف على إزالة فضلات الدجاج من الحظائر واستخدامها كسماد لحقول المزارعين المجاورين، وصعد تدريجاً في المناصب حتى أصبح الرئيس التنفيذي عام 2010، واستمر في شراء شركات بيض أصغر وبناء منشآت جديدة، وعام 2014 باعت الشركة للمرة الأولى أكثر من 12 مليار بيضة، أو، وفقاً لمصطلحات القطاع، مليار دزينة.

وفي رحلة تستغرق 30 دقيقة من مقر الشركة إلى مزرعتها في إدوردز بولاية مسيسيبي، تحدث ميلر عن نشأته في جنوب الولايات المتحدة الريفي.

أمضى ميلر أعواماً في إدارة العمليات قبل أن يصبح أول رئيس تنفيذي من خارج العائلة، وعندما يصل بسيارته إلى بوابة منشأة إدوردز، يحيي الحارس المسن كما لو كان صديقاً قديماً. وترش شاحنته بالمطهرات، في أحد إجراءات الأمن الحيوي المتعددة التي أنفقت عليها الشركة 70 مليون دولار للمساعدة في منع انتشار إنفلونزا الطيور.

لم تسجل الشركة أي تفش للمرض حتى ديسمبر (كانون الأول) 2023، وفقدت نسبة أقل من دجاجها مقارنة بمعظم المنافسين، يقول ميلر "أثق بنسبة 100 في المئة أننا حظينا بتدخل إلهي على طول الطريق".

أرباح "كال-ماين" تتجاوز مليار دولار

الأرباح السنوية لشركة "كال-ماين" في طريقها لتتجاوز مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام، وتضاعفت القيمة السوقية للشركة خلال العامين الماضيين لتصل إلى نحو 5 مليارات دولار، مما يجعلها واحدة من أفضل الأسهم أداءً في "وول ستريت".

وبعدما وصلت أسهم الشركة إلى مستوى قياسي بدأ ورثة آدمز في اتخاذ خطوات لتسييل استثماراتهم، حول خمسة من أفراد العائلة أسهمهم ذات حقوق التصويت الفائقة إلى أسهم عادية، وكان كل نصيب منهم يقدر بأكثر من 100 مليون دولار حتى الشهر الماضي، ووافقت الشركة على إعادة شراء أسهم بقيمة 50 مليون دولار.

رئيس مجلس الإدارة الحالي، بايكر، رفض التعليق، كما لم يرد بقية أفراد العائلة على طلبات للتعليق من الصحيفة.

اتهامات للشركة بالتلاعب

وراء أسعار البيض المرتفعة سوق معقدة تختلف في سلوكها عن باقي أسواق السلع الأساس، وكتب نحو 13 نائباً ديمقراطياً في الكونغرس في رسالة إلى الشركة في أبريل (نيسان) الماضي، "الفائز الواضح الوحيد من كل هذا هو كال-ماين"، واتهم المشرعون الشركة بالتلاعب بالإنتاج للحفاظ على ارتفاع أسعار البيض والأرباح".

وقال الشريك المؤسس لمنظمة "فارم أكشن" الرقابية المعنية بالزراعة في الولايات المتحدة، جو ماكسويل "ما نراه هو أن شركة ’كال-ماين‘ تستغل تفشي إنفلونزا الطيور لتحقيق أرباح طائلة، ودفع أموال للمساهمين، وتوزيع 500 مليون دولار على الملاك، وكل ذلك على حساب المستهلك".

 وفي إطار تحقيق مدني، طلبت وزارة العدل الأميركية من شركة "كال-ماين" وشركات بيض أخرى الاحتفاظ بوثائق تتعلق بالمحادثات حول التسعير مع العملاء والمنافسين، وقالت "كال-مين" إنها تتعاون مع التحقيق.

ويقول الرئيس التنفيذي شيرمان ميلر إن هذه الادعاءات تعكس فهماً خاطئاً لطبيعة البيض كسلعة، ويضيف "البيض ليس منتجاً صناعياً يمكننا ببساطة زيادة إنتاجه بتشغيل ماكينة أو إضافة وردية عمل جديدة، الأمر يتطلب تخطيطاً طويل الأمد"، مشيراً إلى أن الأمر يستغرق نحو ستة أشهر حتى تنضج الكتاكيت وتبدأ في وضع البيض.

وداخل مجمع "إدوردز"، يحوي صف من 14 حظيرة معدنية نحو 750 ألف دجاجة، وينقل العامل بيضهن إلى منشأة معالجة صغيرة مجاورة، إذ يمرون عبر آلة غسل مركبة عام 1992، ويحب المسؤولون في "كال-ماين" القول إنها تعمل "بصورة جيدة".

ومن ثم تفرز الآلات البيض بحسب الحجم وتضع ست بيضات في كل مرة داخل صناديق ملونة تحمل كثيراً من الأسماء التجارية المحلية، ولا أحد منها يعود إلى "كال-ماين".

أسعار البيض

تتمتع "كال-ماين" بعشرات من هذه المنشآت، وهذه القدرة الإنتاجية الكبيرة، يقول ميلر، قد تكون نعمة ونقمة في آن واحد، إذ إن التغيير الذي لا يتجاوز سنتاً واحداً في أسعار البيض يمكن أن يكون له تأثير ضخم في ربحية الشركة.

في حين يتداول أسعار كثير من السلع الرئيسة مثل لحم الخنازير والذرة القمح وفول الصويا والماشية في الأسواق التي تديرها مجموعة "سي أم أي" ويمكن للتداول بالعقود الآجلة في هذه السلع أن يساعد المزارعين والشركات على التحوط ضد تقلبات الأسعار.

لكن البيض مختلف، إذ تستند صناعة البيض إلى العقود بين العميل، مثل "وولمارت" أو "كروجر"، الذي يرغب في شراء كمية معينة من البيض من مورد مثل "كال-مين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبدلاً من إنتاج جميع البيض الذي تبيعه في السنة، اعتادت "كال-ماين" التعامل مع الارتفاعات في الطلب من طريق شراء 10 في المئة إلى 25 في المئة من موردين آخرين عبر بورصات خاصة مثل "إيغ كليرينغهاوس" على الإنترنت.

وهنا يأتي دور المشككين، إذ يقول النقاد مثل "فارم أكشن" إن "كال-ماين" تسهم في الحد من العرض من طريق شراء البيض من المنتجين المنافسين في "إيغ كليرينغهاوس"، وهذا يمكن أن يؤدي إلى رفع الأسعار لأن تلك المشتريات تدخل في حسابات الأسعار القياسية للصناعة، بحسب ما يقول النقاد.

ويطرح آخرون تساؤلات حول سبب عدم إنتاج "كال-مين" مزيداً من البيض أو اتخاذ قرار بخفض أسعارها خلال تفشي إنفلونزا الطيور، في حين يقول محللو الصناعة إن "كال-ماين" إذا أفرطت في الإنتاج، فإن سعر البيض قد ينهار ويؤدي إلى إفلاس بعض شركات البيض الأخرى.

ويقول مسؤولون في "كال-ماين" إن حجم الدجاج يخطط قبل عامين من الإنتاج، وإن شراء البيض من منتجين آخرين يساعد "كال-ماين" على التكيف مع الزيادة المفاجئة في الطلب، إذ إن رفع الإنتاج يتطلب فقس وتغذية صيصان إضافية.

التلاعب بأسعار البيض

هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها "كال-ماين" بالتلاعب بأسعار البيض، ففي عام 2020، رفعت المدعي العام في تكساس دعوى ضد الشركة بتهمة استغلال الأسعار ورفعها على المستهلكين خلال جائحة "كوفيد-19"، وتقول الشركة إن زيادة الأسعار كانت نتيجة لشراء الناس بصورة مفرطة، ولا تزال القضية قيد النظر.

وعام 2023، قضت هيئة محلفين في شيكاغو بأن "كال-ماين" وغيرها من شركات البيض الكبيرة قيدت العرض في أوائل العقد الأول من القرن الحالي لرفع الأسعار، مما أدى إلى زيادة الكلف على الشركات التي تشتري البيض بكميات كبيرة لإنتاج المواد الغذائية، وحكم القاضي بمنح 53 مليون دولار كتعويض لشركات غذائية عدة، بما في ذلك "كرافت هاينز" و"كيلوغ"، فيما نفت شركات البيض ارتكاب أية مخالفات.

تاريخياً، كان سعر البيض يراوح ما بين دولار ودولارين للدزينة، ويقول مسؤولو "كال-ماين" إن الأسعار المرتفعة للغاية على الأرجح لن تستمر، إذ بدأ سعر البيض بالجملة الذي يباع لبائعي المواد الغذائية والمطاعم بالانخفاض من المستويات القياسية التي وصل إليها.

في العام الماضي زادت الشركة عدد الدواجن المنتجة للبيض بنسبة 14 في المئة وعدد الصيصان التي يمكنها فقسها بنسبة 24 في المئة.

ويقول المدير المالي لشركة "كال-ماين"، ماكس باومان "لدينا عمل يتسم بالارتفاع والانخفاض، ومن المهم ألا نخسر في أوقات الارتفاع، لأننا حينها لا يمكننا النجاة في الأوقات المنخفضة".

وقال وزارة الزراعة الأميركية إنها تخطط لزيادة واردات البيض من دول أخرى، وأعلنت عن تخصيص مزيد من التمويل لتحسين تدابير الأمن الحيوي، بينما ترغب صناعة البيض، بما في ذلك "كال-ماين"، في الحصول على لقاح للدواجن البياضة، لكن الأمر معقد، فخلال العودة إلى المقر الرئيس، يقول ميلر إنه لا يندم على كيفية تعامله مع الأزمة، باستثناء عدم اتخاذ مزيد من الإجراءات لمكافحة الانتباه السلبي.

subtitle: 
يعد هذا البروتين الرمز الأوضح لتأثير التضخم في المستهلكين الأميركيين
publication date: 
السبت, مايو 10, 2025 - 12:30
Read Entire Article