أزمة المياه في ريف دمشق... جهود جماعية غير كافية

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

أثرّت التغيّرات المناخية وموجة الجفاف غير المسبوقة بوضوح على كميات المياه المتوافرة في سورية، وينذر الجفاف إلى جانب غياب الضبط وخطط ترشيد المياه بأزمة غير مسبوقة، لا سيما في مناطق ريف دمشق التي يعاني سكانها منذ سنوات من مشاكل في تأمين مياه الشرب، أو تلك التي تستخدم في احتياجات الحياة اليومية. 
ويحاول سكان هذه المناطق إيجاد حلول جماعية لهذه الأزمة، خصوصاً في المناطق التي تعرضت البنى التحتية فيها لأضرار بالغة، ومنها منطقة الحجر الأسود التي يصعب أن يؤمن سكانها المياه حالياً، وهو ما يعاني منه هشام الأحمد الذي يقيم في المنطقة مع عائلته، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "الحل الذي لجأت إليه بالتعاون مع الجيران هو حفر بئر للتزود بالمياه، والتعاون في توفير تكلفة تشغيل الضخ فيه، لكن حل الاعتماد على الجهد الجماعي ليس الأنسب، لأنه يستنزف قدرات الناس". يضيف: "تنقّلت شخصياً في مناطق عدة بريف دمشق خلال السنوات الماضية، ووفق ما اطلعت عليه أرى أنه لا يمكن أن تحل الجهود المجتمعية المشكلة التي تحتاج إلى تدخل عاجل، خصوصاً أن ظروف تأمين المياه والكهرباء وغيرها لا تزال قاسية، وينتظر الجميع أن تتحسّن الأحوال". 
ومن الحلول التي ابتكرها سكان بعض مناطق ريف دمشق زيادة عدد خزانات المياه على أسطح المباني، لتخزين أكبر كمية من المياه وضخها للشبكة الخاصة بهم. يقول سامي القاضي الذي يسكن في المنطقة لـ"العربي الجديد": "لدي خزان إضافي خاص بالمنزل بسعة مترين مكعبين، إضافة إلى آخر رئيسي بسعة متر مكعب، لكنني لا أزال أعاني من أزمة المياه، علماً أن زيادة عدد الخزانات تسببت في أزمة ومشاكل بين الأهالي. وبالنسبة لي اكتشفت بعد فترة أن خزاناً إضافياً واحداً لا يكفي لسد حاجتي من المياه. وهذه الحال التي تشمل آخرين توضح أن حجم المشكلة كبير جداً".
وترتبط الأزمة الحالية بفترات ضخ المياه القصيرة والمتباعدة، كما يوضح القاضي الذي يُطالب بتشديد الرقابة على استخدام المياه في الري وغيرها، ويقول: "كثير من المزارعين الذين لديهم آبار مياه مرخصة يعتمدون على طرق ري قديمة تساهم في هدر المياه، لذا نطالب بتطبيق قانون صارم بشأن الآبار غير المرخصة، وتنفيذ جولات لمراقبة المزارع، وإيجاد حل لترخيص الآبار، وأن تسقى المزروعات من هذه الآبار. الري يهدر مياهاً كثيرة، ومن الضروري أن يخضع لقوانين".
ويؤكد القاضي أن الأهالي يواجهون أزمة أخرى على صعيد تأمين مياه الشرب، تتمثل في سطوة أصحاب صهاريج المياه الذين لا يقبلون تعبئة الكمية التي يريدها الشخص بسعر 50 ألف ليرة للمتر المكعب (4 دولارات)، علماً أن العائلة الواحدة تحتاج كل فترة لتعبئة الخزان، وهذا يستنزف قدراتها المادية".

ويعتمد سكان بعض مناطق ريف دمشق بالكامل على شراء مياه الشرب. ويقول فريد القسوم لـ"العربي الجديد": "نسيت مع عائلتي الصغيرة التي تضم أربعة أشخاص مسألة الحصول على مياه عبر الشبكة. نشتري مياه الشرب والاستخدامات المنزلية الأخرى، ونعتمد بطبيعة الحال على مياه القوارير في الشرب، والتي ترتفع أسعارها بشكل دائم، أما مياه الاستخدام المنزلي للاستحمام والغسيل فنشتريها كل فترة من صهريج، وهو ما يفعله جيراننا أيضاً. وعموماً يعتبر جلب صهريج لعائلة واحدة مشكلة، لأن صاحب الصهريج لا يأتي لتعبئة خزان أو اثنين، بل بعد حصول اتفاق بين عائلات عدة على تعبئة المياه. وبعض العائلات لا تكفيها المياه، وتضطر إلى مشاركة طلب قدوم صهريج مع عائلات أخرى، كي تضمن قدوم صهريج المياه".
إلى ذلك يعاني معظم سكان ريف دمشق من اختلاف بين فترات ضخ المياه وفترات تزويد المنازل بالكهرباء، ما يتسبب أيضاً في مشكلة إضافية، وفق ما يقول وسام الحمود الذي يقيم في منطقة القلمون الغربي لـ"العربي الجديد" لأن "هذا الأمر يمنع الأهالي من تعبئة الخزانات، ويخلق أزمة لديهم، من هنا يجب مراعاة هذا الأمر على أقل تقدير".
وفي شأن الواقع الحالي وموجة الجفاف يؤكد أحمد حمو، المتخصص في الجغرافيا، لـ"العربي الجديد": "معدل المياه السنوي في ريف دمشق منخفض بشكل حاد في ظاهرة غير مسبوقة. كانت المنطقة تسجل سابقاً معدل هطول سنوي للأمطار يبلغ 160 ملليمتراً، أما في الوقت الحالي فلم يتجاوز الهطول معدل 5 ملليمترات منذ بداية موسم الأمطار". 

ويقول حمو إن "سكان ريف دمشق يعتمدون على الأحواض الجوفية مصدراً رئيسياً للمياه، لكن منسوب هذه الأحواض يشهد انخفاضاً كبيراً. في بعض المناطق، كانت المياه تستخرج سابقاً من عمق 15 متراً، أما اليوم فلا يمكن الوصول إلى المياه إلا عبر الحفر لعمق 150 متراً، ما يشير إلى استنزاف مقلق للمخزون المائي الذي يرجعه بعض الأهالي إلى التوسّع في حفر الآبار بعد سقوط النظام، وتنفيذه من دون رقابة وتخطيط".
ويذكر حمو أن "بعض المناطق في ريف دمشق لا تصلها المياه إلا مرة واحدة كل أسبوع أو عشرة أيام. ويفاقم ذلك أزمة المياه والمصاعب ويرفع التكاليف، وبعض اللجان المحلية تعمل لحفر آبار جديدة من أجل رفد الشبكة الرئيسة، لكن الخطوة ذات تأثير محدود، في حين هناك ضعف في الوعي بخصوص المياه. وسد الرستن الذي يكون عادة في ذروة تخزينه خلال هذا الوقت من العام، شبه فارغ حالياً، ما يدل بوضوح على حجم الأزمة". 
ويشير أيضاً إلى أن "المياه المتوفرة في بعض مناطق ريف دمشق مثل زملكا وجرمانا غير صالحة للشرب، بسبب ارتفاع نسبة الكلس فيها. وحتى عندما تصل المياه عبر الشبكة يضطر السكان إلى شراء مياه الشرب من مصادر خارجية لضمان سلامتها، ما يضيف أعباء مالية عليهم".

Read Entire Article