ARTICLE AD BOX
يتكرر مشهد جفاف الأراضي في العديد من قرى تونس ضمن محافظات تعاني من جفاف منذ سنوات، ومن بينها قفصة ومدنين وتطاوين والقيروان وحتى بعض القرى بمحافظات الشمال
في جنوب تونس، حيث تتعمّق أزمة شح المياه في العديد من المناطق، يزداد خوف السكان من مواجهة مشاكل كبيرة مع قدوم فصل الصيف، وفي مقدمها انعدام مياه الشرب في الكثير من المجمعات السكنية. ففي منطقة أم القصاب بمحافظة قفصة، حيث تنتهي الطرق المعبدة وتنعدم مقومات الحياة، تبدأ مشاهد القحط والجفاف، فالأرض هناك لا تنبت بسبب الفقر المائي، والحياة كلها معلّقة بنظرة إلى ما قد تجود به السماء، في حين أنّه لا توجد أودية أو آبار تعوّض نقص مياه الشرب، فالقرية صغيرة ولا تصلها أنابيب المياه، واعتاد سكانها أن تكون المياه حلماً لا يُنال إلا بشقّ النفس.
يقول ضو حفيظ أحد سكان مدنين لـ"العربي الجديد": "تعاني المناطق في جنوب تونس أكثر من أي مناطق أخرى من ندرة المياه، ورغم التساقطات الجيدة للأمطار التي شهدتها كافة محافظات البلاد خلال فصل الشتاء وتحسّن منسوب المياه في السدود، لا تزال أزمة الجفاف تؤثر على العديد من المناطق الريفية والقرى، ما دفعنا إلى الاحتجاج والمطالبة بالحصول على مياه الشرب قبل حلول فصل الصيف الذي نشهد فيه انقطاعات متكررة تدوم أسابيع وليس أياماً فقط. وفي هذه المنطقة الجافة لا أودية ولا بحيرات قد تُخفف حدّة انقطاع المياه عن الناس".
وأشار تقرير أصدره المرصد التونسي للمياه أخيراً إلى أنّه تلقى خلال إبريل/ نيسان الماضي 106 بلاغات عن انعدام المياه الصالحة للشرب، و169 بلاغاً بانقطاعات غير معلنة. وأوضح أن سكان محافظة مدنين (جنوب) كانوا الأكثر إبلاغاً عن انقطاع المياه، وبعدهم سكان محافظة قفصة ثم محافظة صفاقس. فيما بلغ عدد التحركات الاحتجاجية 17 في إبريل في مناطق عدة للمطالبة بمياه الشرب.
ويبرر معظم المتخصصين أزمة المياه في تونس بعوامل التغيّر المناخي وتراجع منسوب مياه السدود وتهالك شبكات توزيع المياه أو انعدامها في مناطق عدة.
وتؤكد تصريحات وتقارير رسمية، خاصة بوزارة الزراعة، أنّ البلاد تمرّ بأشد فترات الجفاف منذ أكثر من أربعين سنة، ما انعكس مباشرة على وفرة المياه المُخصصة للشرب والزراعة.
وكثيرا ما تُعلن الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، في بيانات تصدرها، عن انقطاعات متكررة لمياه الشرب تشمل تقريباً مناطق كل المحافظات، لكنّ المشكلة تتعمّق أكثر في المناطق التي تُعاني أصلاً من انعدام شبكات توزيع المياه.
وفي حين يُعوّل سكان العديد من مناطق الشمال تحديداً على الأودية والبحيرات للتزود باحتياجاتهم من المياه ونقلها على ظهور دواب لمسافات طويلة يتعمّق التهميش في الجنوب في ظل عدم وجود أودية أو بحيرات أو حتى آبار قد تعوّض انعدام شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب.
وتشير ربح التي تسكن في منطقة عين سلطان بمحافظة جندوبة (شمال غرب) إلى أنّ "غالبية قرى هذه المحافظة يقطعون مسافات طويلة إلى أودية وعيون للحصول على المياه طوال السنة. ولولا المنابع لما كانوا ظفروا بقطرة ماء، علماً أن غالبية هذه القرى والمناطق الريفية غير مزودة بشبكات لتوزيع المياه".
والحال مشابه في مناطق بوحجلة والعلا وقرى أخرى في محافظة القيروان التي تعد من بين أكثر المحافظات التي تشهد احتجاجات لأهالي العديد من القرى والأرياف، لا سيما في فصل الصيف، للمطالبة بتوفير مياه الشرب.
ويتحدث عبد الرحمن الشافعي، أحد سكان منطقة العلا، لـ"العربي الجديد" عن أنّ "الأهالي يضطرون خلال فصل الصيف إلى شراء صهاريج مياه بقيمة 35 دولاراً للصهريج الواحد لتلبية حاجة عائلة واحدة طوال أسبوع فقط". يضيف: "لا يوجد آبار صالحة للشرب في غالبية المناطق، وحتى تلك الموجودة تعتبر مياهها عالية الملوحة ولا تصلح للزراعة أيضاً بل فقط للتنظيف".
وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال اليوم العالمي للمياه، أنّ "أكثر من 200 ألف تونسي يعانون من غياب تام لمياه الشرب، ما يمثل نحو 3% من إجمالي السكان". وأكد أنّ نحو 240 تحركاً احتجاجياً شهده عام 2024، طالبت كلها بالحق في الماء".
وأوضح أن العجز المائي في تونس يطاول المياه المخصصة للشرب في شكل خاص، إذ لا يزال فقدان الماء يُشكل تحدياً بيئياً كبيراً يواجهه الأفراد بسبب نقص كمياتها أو انعدامها في مناطق عدة، واتساع دائرة العطش الناتج من الانقطاع المتكرر لهذا المورد.
وأشار المنتدى إلى أن "نسبة الربط بشبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه داخل الوسط الحضري تصل إلى 100% بحسب تقرير أصدرته وزارة الزراعة عام 2022، لكن هذه النسبة لا تعكس جودة الخدمات، إذ تعرف المدن بدورها انقطاعات متكررة بسبب أعطال تطاول شبكات التوزيع، ما يُفاقِم محدودية الموارد المائية المتاحة في الوسط الحضري. أمّا نسبة ربط الأرياف بشبكة المياه فلا تتجاوز 54%، في حين تصل نسبة ربط سكان المناطق الريفية بالجمعيات المائية إلى 41%. ويُحرم 5% من السكان من المياه بالكامل، ما يخلق أزمة حقيقية ترمي بثقلها خصوصاً على أولئك الذين في الأرياف ويضطرون إلى التزود من مصادر غير آمنة للمياه مثل البحيرات والبرك والمستنقعات، وهو ما يتسبب في العديد من المضاعفات الصحية الخطيرة".
ولمواجهة أزمة شح المياه والجفاف، تبنت وزارة الزراعة قبل سنتين استراتيجية جديدة لتحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة واستخدامها خصوصاً في الأعمال الزراعية لمحاولة تخفيف الضغط على السدود وتلبية الحاجيات المتزايدة من مياه الشرب.
وبحسب المرصد الوطني للفلاحة بلغت نسبة امتلاء السدود 36% فقط من طاقتها الاستيعابية، بمخزون عام يُقدّر بـ 857 مليون متر مكعب، "ما يعني أنّ تونس لا تزال تواجه أزمة الجفاف رغم التساقطات المهمة طوال فصل الشتاء".
