ARTICLE AD BOX

<p>الرئيس الأميركي دونالد ترمب يحضر منتدى أعمال في أبوظبي، 16 مايو 2025 (أ ف ب)</p>
كان أسبوعاً حافلاً في العالم العربي، الأسبوع الماضي بدأ بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات، وانتهى بانعقاد قمة دول مجلس جامعة الدول العربية في بغداد.
ما جرى خلال هذا الأسبوع لم يكن سهلاً ابتلاعه في طهران، إذ لم تستسغ القيادة الإيرانية تصريحات الرئيس الأميركي في شأنها وما عليها أن تلتزمه للتوصل إلى اتفاق أميركي - إيراني، وهي لن تكون راضية عن قرارات القمة العربية لجهة إعادة تأكيد دعم سيادة الإمارات على الجزر الثلاث في الخليج العربي ورؤيتها الحل في فلسطين، بل علينا توقع ردها التقليدي الرافض والمنتقد والمتمسك باحتلال الجزر ورفض أية تسوية في شأنها. كذلك لن نتأخر في سماع رفضها الخط النقيض لنهجها في المنطقة الذي تعيد الدول العربية تأكيده بما في ذلك خصوصاً "دعم جهود الحكومة الفلسطينية" من أجل إرساء حل الدولتين ضمن تسوية شاملة.
سارع المرشد علي خامنئي السبت الماضي إلى رفض خلاصات زيارة ترمب بغضب ومزيد من الادعاء، وقال مجدداً "لا بد لأميركا من أن تغادر هذه المنطقة بإرادة شعوبها، وهي ستغادر حتماً"، فيما "ستُقتلع" إسرائيل. وكل هذا شعارات قديمة في ظروف جديدة أكثر صعوبة لخامنئي ومحوره، لا تزعج أميركا بقدر ما تتصدى للجهد العربي المبذول من أجل وضع حد للمجزرة في فلسطين وارتداداتها الإقليمية.
وبقدر ما بدت إيران منزعجة من خلاصات الأسبوع الأميركي والعربي، بقدر ما كانت إسرائيل تشعر بالعزلة. كتب كثير هذا الأسبوع عن بنيامين نتنياهو "المنبوذ"، ورأت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن "الشراكة الإسرائيلية - الأميركية بوصفها حجر الزاوية الأميركي وضعت جانباً". أوردت الصحيفة أمثلة عن "تخلي" ترمب عن الشريك الإسرائيلي، فتحدثت عن تفاوض أميركا المباشر مع "حماس" والحوثيين وإيران واتجاهها إلى رفع الحظر عن تصدير الطائرات " "F35إلى السعودية وتركيا.
الصدمة الكبرى قد تكون لقاء ترمب الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع في الرياض، بمسعى من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي بدفع منه اتخذ ترمب قراراً تاريخياً برفع العقوبات عن سوريا.
أيقن إسرائيليون كثر أن الحكومة الإسرائيلية بات عليها التخلي عن لغة القوة والانضمام إلى "الطائرة الإقليمية التي تقلع نحو مستقبل مختلف" بدلاً من "الغرق في أنفاق خان يونس"، لأن شيئاً جديداً يحصل في المنطقة والعالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد ثبت خلال هذا الأسبوع أن نظرية تخلي الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط بسبب أولوية التحدي القادم من الصين والشرق الأقصى غير صحيحة، وأن اختيار ترمب السعودية والخليج محطة دولية أولى في حركته الخارجية، واهتمامه التفصيلي بإنجاز تسوية مع إيران وبأوضاع سوريا ولبنان وغزة دليل على اهتمام إدارته الكبير بإنجاز تغيير حاسم في أوضاع هذه المنطقة الملتهبة والواعدة. وقد أصبح ذلك ممكناً بفضل النهج الذي اتبعته السعودية القادرة، منذ أعوام والوزن والدور الذي حازته ولعبته في الإقليم والعالم، وهو ما جعلها وجهة الرئيس الأميركي المثير للجدل بصراحته وصرامته في تحركاته الخارجية خلال ولايتيه الأولى والثانية.
شعرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن إسرائيل خلال جولة ترمب كانت ذلك "الطفل الذي ترك في البيت". لقد انزاح مركز الثقل في السياسة الأميركية بعيداً منها، وشعار "أميركا أولاً" وضعها في مرتبة آخرين تتعامل معهم إدارة الولايات المتحدة بما يضمن مصالحها. لاحظت "هآرتس" أن "الولايات المتحدة تعيد تشكيل تحالفاتها من بوابة الاقتصاد وضبط النزاعات وتبتعد عن نهج الهيمنة العسكرية"، بينما يواصل نتنياهو تفادي تسوية تفرض عليه ترتيبات تنهي الحرب و"تدخل لاعبين جدداً إلى غزة مثل قوة عربية أو حتى أميركية، والقبول بدور للسلطة الفلسطينية في القطاع طرحه بوضوح الرئيس محمود عباس في قمة بغداد".
تقتضي خلاصات نقاشات ترمب في الخليج وقرارات الاجتماع العربي في بغداد تغييراً في إسرائيل باتجاه الانخراط في "شرق جديد" قائم على الاعتراف بحقوق الشعوب في دولها المستقلة، وتقتضي كذلك تغييراً في إيران بعيداً من أوهام نظام الملالي القديمة عن الإمساك المذهبي والنووي بالمشرق العربي والخليج.
وفي الوقت نفسه يفرض التغيير الماثل خطوات جريئة وحاسمة من قيادات الدول المنكوبة بالتدخل الإيراني أو بالاحتلال الإسرائيلي، فإسرائيل حاولت التوسع في سوريا وما زالت تتمسك باحتلال نقاط في لبنان، وإيران التي ترفع صوتها حول استئصال الكيان الصهيوني ترسل قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد تزامناً مع لقاءات ترمب الخليجية وعشية القمة العربية في محاولة لصيانة سلوك "الممانعة" وضبطه ضمن حاجات طهران، لكن ذلك لم يكن كافياً لردع التوجهات الجديدة المعبرة عن حاجات الدول المعنية، فإعلان بغداد سار على خط مناقض لتوجهات المرشد الإيراني وأوهام نتنياهو، والرئيس السوري أحمد الشرع قاد بلاده إلى القطع النهائي مع سياسات طهران، وربما وضع حداً لطموحات إسرائيل السورية، عندما التقى ترمب.
وفي الأثناء تتحرك السلطات اللبنانية ببطء على الطريق نفسه لاستعادة سيادة البلاد وحصرية قرارها، لكن الشرع سبقها في ما يبدو، كما غمزت مورغان أورتاغوس مبعوثة الرئيس الأميركي إلى لبنان، لافتة إلى أنه لا يزال يدور في حلقة أحكمت إيران صنعها في الماضي.