ARTICLE AD BOX
ارتفعت أسعار السلع خلال الحرب على قطاع غزة بصورة جنونية، لتبلغ بعض السلع الاستراتيجية ارتفاعا فاق الـ 1000% من سعرها الطبيعي الذي كانت عليه قبل الحرب. وتزامن هذا الارتفاع في الأسعار مع مؤشرات كارثية على صعيد الفقر والبطالة وهو ما أضعف القدرة الشرائية للمواطنين بصورة غير مسبوقة، دفعتهم لتخفيض استهلاكهم للحد الأدنى وزيادة معاناتهم في ظل استمرارية الحرب.
ويأتي ذلك وسط تجدد الآمال بتهدئة الأزمة واحتمال عودة المساعدات بعد المفاوضات التي تمت بين حماس وأميركا وتم على أثرها الاتفاق على إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر أمس الاثنين.
غلاء قياسي للطحين
ويعرب الفلسطينيون المكتوون بنيران الحرب والحصار والجوع عن تذمرهم من الارتفاعات المتكررة على الأسعار، غير أنهم يقولون إنّه من الصعب أن تثبت الأسعار في ظل قلة السلع المتوفرة بالأسواق.
وارتفعت أسعار سلع أساسية مثل كيس وزن 25 كيلو من الطحين إلى ما يقارب 1500 شيكل (الدولار = نحو 3.55 شواكل) بدلاً من 100 شيكل في وقت سابق، وكيلو السكر الذي كان سعره 15 شيكلاً وصل إلى 140 شيكلاً. وخلال شهور الحرب المستعرة، تعمّدت إسرائيل تقليص دخول الشاحنات بالتزامن مع الإغلاق المتكرر للمعبر لأسابيع، وهو ما زاد من حاجة المواطنين للسلع.
وكانت السلطات الإسرائيلية تسمح بإدخال ما بين (60- 150) شاحنة يوميا، في وقت تبلغ حاجة الغزيين ما بين (800- 1000) شاحنة يوميا، وهو ما يعكس الندرة في طرح السلع بالأسواق. وبجانب قلة الشاحنات، تعمّد الاحتلال في سياسة إغراق سلع دون أخرى، وهو ما دفع لهبوط كبير في أسعارها، في وقت تفتقد الأسواق سلعا أخرى وهو ما أدى لارتفاع جنوني بأسعارها.
تضخم مرتفع
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ المعدل السنوي للتضخم في قطاع غزة مع نهاية العام 2024، نحو 238%، مقارنة مع نهاية العام 2023. وذكر المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد أن الأسواق في قطاع غزة تشهد ندرة حادة ومفتعلة في السلع الأساسية، نتيجة تقليص متعمد لدخول المواد عبر المعابر.
وقال لبد في حديث لـ "العربي الجديد": "الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ شهور، لم تقتصر آثارها الكارثية على القصف والدمار فقط، بل امتدت لتطاول الحياة الاقتصادية والمعيشية بشكل بالغ الخطورة". وأضاف أن "إسرائيل تعمّدت تقليص دخول المواد الأساسية خلال فترة الحرب، مما خلق ندرة صناعية رفعت الأسعار بشكل جنوني، في وقت بقي فيه الدخل الشهري للمواطنين على حاله، بل وتراجع في كثير من الحالات بسبب توقف الأعمال".
ووصف لبد المشهد الاقتصادي في غزة بأنه نموذج صريح لما يعرف بـ"اقتصاد الحرب"، موضحًا أن إسرائيل تستخدم التجويع البطيء سلاحا إضافيا عبر التحكم بالمعابر وتحديد كميات السلع المسموح بدخولها. وأشار إلى أن هذا النقص المفتعل في السلع أدى إلى قفزات سعرية هائلة، "عند حدوث ندرة في سلعة معينة، فإن آلية السوق ترفع الأسعار تلقائيا، وهذا ما نشهده اليوم في أسعار المواد الأساسية مثل: الطحين والسكر والحليب والغاز والوقود وغيرها من السلع الاستراتيجية والتي ارتفعت بنسب تتراوح ما بين 100% إلى 1200% خلال فترة الحرب".
وتابع الأكاديمي لبد أن "الأسعار اليوم خارج قدرة أغلبية السكان في غزة، مع وصول نسبة البطالة إلى أكثر من 80%، وتجاوز معدلات الفقر الـ 90%، فكيف يُمكن للناس أن تعيش؟".
إعادة تشكيل السوق في غزة
في المقابل، حذر الأكاديمي الاقتصادي نسيم أبو جامع، من أن إسرائيل تمارس سياسة ممنهجة تقوم على استنزاف سكان قطاع غزة اقتصاديا ونفسيا، عبر التحكم الكامل في المعابر واستخدام "الندرة" سلاحا غير مباشر يعمّق المعاناة ويزرع القهر في تفاصيل الحياة اليومية.
وأكد أبو جامع في حديث لـ "العربي الجديد" أن ما يعيشه القطاع ليس مجرد أزمة في الإمدادات، بل ندرة مفتعلة ومصطنعة، يتم التحكم بها وفق جداول زمنية مدروسة، وتخضع لقيود صارمة تشمل الكمية والنوعية، في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف إضعاف الجبهة الداخلية في غزة عبر تجويع بطيء ومقنن.
وقال إن "هذه السياسة تهدف إلى جعل الحياة اليومية عبئا لا يُحتمل، عبر خلق بيئة قهر نفسي واقتصادي تدفع الناس إلى الإحباط والشعور بالعجز، وهو ما يعد شكلا صارخا من العقاب الجماعي المخالف للقانون الدولي الإنساني". وأوضح أبو جامع أن إسرائيل لا تكتفي بتقييد السلع، بل تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد التجاري في غزة بما يخدم مصالحها، قائلا: "يتم خلق لاعبين تجاريين جدد، موردين يتحركون وفق رؤية الاحتلال ومصالحه، ما يعني تغييرا في شكل السوق والمتحكمين فيه، وتكريس سيطرة اقتصادية غير مباشرة".
ولفت إلى أن الندرة وما يرافقها من ارتفاع في الأسعار تُعمق الشعور بالإهانة لدى المواطنين، حيث يشعر كثيرون بالعجز عن توفير الأساسيات، مما يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وزيادة التوتر داخل العائلات والمجتمع.
