أفغانستان الرابح الأكبر من توتر الهند وباكستان

2 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

في خضم الصراع التاريخي المحتدم بين الهند وباكستان وتصاعد التوترات العسكرية والدبلوماسية بين القوتين النوويتين، منذ شهر إبريل/ نيسان 2025، على خلفية هجوم جامو وكشمير الذي اتهمت نيودلهي إثره إسلام أباد بدعم "الإرهاب العابر للحدود"، تبرز أفغانستان فاعلاً إقليمياً يحاول الاستفادة من الوضع القائم.ترسم كابول موقفها الجيوسياسي، لا سيما بعد انتهاء أحدث مواجهة عسكرية بين الهند وباكستان بوقف لإطلاق النار في العاشر من مايو/ أيار الحالي، من خلال تقوية علاقاتها مع نيودلهي، للضغط على إسلام أباد، وإرغامها على إعادة النظر في سياساتها إزاء أفغانستان. وتتشابك في العلاقة بين باكستان وأفغانستان الحسابات الأيديولوجية والقبلية إلى جانب المناوشات على الحدود بين البلدين، حيث تنشط جماعات مسلحة معارضة لإسلام أباد من بينها حركة طالبان الباكستانية.

ويبدو أن الهند وباكستان اللتين خاضتا أربع حروب منذ استقلالهما عام 1947، تحاولان التقرب إلى كابول التي لطالما اتبعت الحياد تجاه النزاعات الهندية الباكستانية. واللافت في الوقت الراهن أن كابول التي تضغط على إسلام أباد عبر أدوات مختلفة، منها التعاون الاقتصادي والتنموي والدبلوماسي مع نيودلهي، بما يشمل مشاريع مائية تهدد وصول المياه إلى باكستان، وهو سلاح ترفعه الهند بوجه جارتها، كما تتجاهل كابول في الوقت نفسه مطلب إسلام أباد الرئيسي وهو القضاء بشكل مشترك على طالبان الباكستانية. تصر السلطات الأفغانية على أن طالبان الباكستانية ملف داخلي باكستاني، ما ترفضه الأخيرة، بل تهدد بين الفينة والأخرى بأنها قد تنفذ عمليات داخل أفغانستان للقضاء على مراكز إيواء طالبان الباكستانية، على حد وصفها.

في هذا السياق يأتي تصريح وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف لوسائل إعلام محلية، في 17 و20 مايو الحالي، بالتزامن مع الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان. واعتبر حينها أن التهديد على الحدود الغربية لباكستان (أي أفغانستان) يتعاظم، وأن القوات المسلحة الباكستانية ستفعل هناك ما فعلته مع القوات الهندية في الحدود الشرقية. ويشير بذلك إلى يومي السابع والثامن من الشهر الحالي، إذ أكد الجيش الباكستاني إسقاط ست طائرات حربية هندية، علاوة على تدمير عدد من القواعد العسكرية الهندية. وسبق أن شدد الوزير مراراً على أن القوات المسلحة الباكستانية قد تتقدم في أي وقت إلى الداخل الأفغاني للقضاء على المسلحين الذين يعبرون الحدود ويشنون هجمات مسلحة على أهداف داخل باكستان. وفي 20 مايو الحالي، قال وزير الدفاع الباكستاني، في بيان، إنه خلال الحرب الأخيرة، كانت جهتان فقط تؤيدان الهند، هما إسرائيل وطالبان الأفغانية، معتبراً أن تلك الجهات الثلاث "أصدقاء".

تداعيات التوتر بين الهند وباكستان

رغم احتفال باكستان عدة أيام بما تصفه بـ"الفتح المبين" في الحرب مع الهند، تأخذ العلاقات الهندية الأفغانية منحى لم تكن تتوقعه، ما يضعها في موقف معقد. وبينما كانت الحرب مستعرة بين الهند وباكستان في السابع والثامن والتاسع من مايو، كانت نيودلهي تعمل بشكل خفي على تقوية العلاقات مع كابول. وفي هذا الإطار، أجرى نائب وزير الداخلية في حكومة طالبان الملا إبراهيم صدر، وهو أحد المقربين من زعيم طالبان الملا هيبت الله أخوند زاده، زيارة غير معلنة إلى نيودلهي. وأوردت وسائل إعلام باكستانية وأفغانية أن صدر إبراهيم كان يجري لقاءات مع الاستخبارات الهندية حول ملفات مهمة. وسألت "العربي الجديد" عن الأمر أكثر من مسؤول في طالبان الأفغانية، منهم المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد، فلم ينفوا هذه الأنباء ولم يؤكدوها. إلا أن أكثر من مصدر في طالبان غير مخول بالحديث رسمياً قالوا إن الرجل سافر إلى الهند ومكث أياماً هناك دون علمهم بهدف الزيارة ومجرياتها.

أثارت تلك الزيارة جدلاً كبيراً ونقاشات حادة في باكستان، لا سيما أنها ترافقت مع تطور، وهو اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الهندي جي شنكر ووزير الخارجية الأفغاني الملا أمير خان متقي، يوم 17 مايو الحالي، أكدا خلاله تعزيز العلاقات بين بلديهما في مجالات عدة، السياسية والاقتصادية والتجارية. كذلك، في إطار التحركات بعد الحرب بين الهند وباكستان الأخيرة،  أبدت نيودلهي رغبتها باستئناف المشاريع التي لم تكملها في أفغانستان، والمساهمة في إنشاء السدود المائية، ما قد يمنع وصول المياه من أفغانستان إلى باكستان. وتعد أفغانستان بوابة الهند إلى آسيا الوسطى إذا ما طورت تعاونها معها. يُذكر أنه بعد يوم واحد من هجوم جامو وكشمير الخاضع لحكم نيودلهي، اتخذت الأخيرة إجراءات شملت تعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند مع باكستان، الموقعة عام 1960، وما زالت هذه المعاهدة معلقة حتى بعد وقف إطلاق النار. وتعتمد الهند وباكستان عى نهر السند وروافده في الزراعة والصناعة وللحياة اليومية لملايين البشر.

محمد عادل صابر: سياسات باكستان جعلت أفغانستان عدواً لها، بينما قربتها من الهند

ويرى الإعلامي الباكستاني محمد عادل صابر، في حديث مع الـ"العربي الجديد"، أن "سياسات باكستان جعلت أفغانستان عدواً لها، بينما قربتها من الهند". ويضيف أن هذه السياسات "تعكس رؤية الدولة العميقة في باكستان، التي تعاملت خلال العقود الأربعة الماضية مع أفغانستان وكأنها تحت سيطرتها وأمرها"، معتبراً أنها تريد في الوقت الراهن أيضاً "أن تكون كابول رهناً لها وأن تمر كل الطرق المؤدية إلى كابول من خلال إسلام أباد". وتتناسى باكستان، بحسب صابر، أن "الأمور تغيرت كثيراً، أفغانستان دولة مستقلة، هي حرة في قرارها"، موضحاً أنه "عندما توطد كابول علاقاتها مع نيودلهي أو مع عاصمة أخرى، فهذا شأنها"، وعلى باكستان أن "تحل مشاكلها مع أفغانستان".

كفايت الرحمن غريب: كانت لأفغانستان علاقات مع الهند على مر التاريخ وستكون موجودة

وتبرز قضية أخرى وهي ترحيل باكستان آلاف اللاجئين الأفغان في سياق حملة تستهدف المواطنين الأفغان الذين يقيمون في البلاد من دون وثائق إقامة قانونية ولا يحملون بطاقات المواطنة الأفغانية. ويلفت الأكاديمي الأفغاني كفايت الرحمن غريب، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما فعلته باكستان مع اللاجئين الأفغان لا يمت إلى أي قانون دولي وإنساني بصلة". ويضيف أن ذلك "علاوة على التلاعب بالتجارة الأفغانية واستغلال كل فرصة للنيل من مصالح الأفغان"، معتبراً من هنا أنه "على باكستان ألا تتوقع الصداقة والتعاون من قبل أفغانستان". وبرأيه، فإن ما قاله وزير الدفاع الباكستاني حول الهند وأفغانستان وإسرائيل "كذب محض، وتهمة لأفغانستان كلها وليس لطالبان وحدها"، ويدل على "قلة اطلاعه على أيديولوجية طالبان والشعب الأفغاني وتاريخ بلادنا". ويوضح أنه "كانت لبلادنا علاقات مع الهند على مر التاريخ، وستكون موجودة، ولكن إسرائيل هي عدو لدى كل الأفغان، لطالبان وعامة أبناء الشعب".

بكين تتحرك

وسط جهود هندية لتعزيز العلاقات مع أفغانستان، تعمل بكين بدورها لردم الفجوة بين كابول وإسلام أباد. وخلال الاجتماع الثلاثي بين الصين وباكستان وأفغانستان، في العاشر من الشهر الحالي، في كابول، بمشاركة وزير الخارجية الأفغاني الملا أمير خان متقي، والمندوب الباكستاني محمد صادق، والمندوب الصيني تشاو شينغ، اتفقت الدول الثلاث على تعزيز التعاون في مختلف المجالات. ووفق مصادر في حكومة طالبان، فإن المندوب الصيني، وكذلك الممثل الخاص لروسيا في أفغانستان ضمير كابلوف، حاولا خلال الأسابيع الماضية تقريب النظر بين أفغانستان وباكستان، ويبدو أن ذلك كان بطلب من الأخيرة.

وكان الأهم من ذلك اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية أفغانستان الملا أمير خان متقي والصيني وانغ يي ووزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، في بكين، يوم 21 مايو الحالي، إذ اتفقت الأطراف الثلاثة في البيان الختامي للاجتماع على تعميق التعاون في كل المجالات، خصوصاً المجال الاقتصادي، وأن تكون أفغانستان جزءاً من الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني (CPEC يضم مشاريع بنى تحتية). كما علمت "العربي الجديد" أن كابول وإسلام أباد اتفقتا على تبادل السفراء، فيما تتمثلان حتى الآن بالقائم بأعمال السفير الباكستاني محمد نظاماني والقائم بأعمال السفير الأفغاني سردار شكيب.

تهديدات قائمة

يواجه أي جهد لوقف التوتر بين أفغانستان وباكستان عراقيل كثيرة، من أهمها غياب أجواء الثقة بين الدولتين، إلى جانب قضايا خلافية بحكم الموقع الجغرافي وسياسات العقود الماضية. ويشير الزعيم القبلي جمال خان مهمند، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "بحكم الحرب التي سادت في هذه المنطقة على مدى العقود الماضية، اختلطت الأمور كثيراً وتعقدت". ويوضح أن "القبائل على طرفي الحدود شاركت في الحرب ضد الروس، وكذلك ضد الأميركيين، بالتالي الآن جزء من طالبان الباكستانية هم من الأفغان، وهؤلاء لهم أسر وجذور قبلية على الجانب الثاني من الحدود (أفغانستان)". ويقول إن "القبائل الأفغانية، بحكم الأعراف المتجذرة والعميقة، لا يمكن لها أن تمنع أبناء القبائل الباكستانية من الذهاب والإياب إلى أفغانستان، بل تساعدهم".

بغض النظر عن العاملين القبلي والجغرافي وغيرهما بحسب خان مهمند، تبرز قضية أخرى وهي أن "قيادة طالبان ترى ـ وإن لم تعلن ذلك ـ أن طالبان الباكستانية تسعى لإقامة شرع الله، كما كانت تفعل بنفسها، وأن الحكومة الباكستانية ليست حكومة شرعية؛ من هنا، لا إرادة لديها في التعاون مع باكستان في هذه القضية (طالبان باكستان)". بالإضافة إلى كل ذلك، يشدد خان مهمند على أن ثمة مشكلة "خط ديورند (الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان)، فأفغانستان لا تعترف بها، وطالبان قضت (أزالت) على السلك الشائك في معظم مناطق الحدود". كما أن وجود تنظيم داعش في المنطقة، بحسب خان مهمند، تهديد آخر للعلاقات الأفغانية الباكستانية، إذ "تتهم أفغانستان الاستخبارات الباكستانية بدعمه، كما تعتبر إسلام أباد أن كابول على صلة مع جبهة بانشير المعارضة لطالبان". ويقول إنه "من هنا، العلاقات الأفغانية الباكستانية مهددة بأكثر من تهديد وأمامها أكثر من عقبة، والمستفيد من هذا الوضع هو الهند لا محالة".

كل يحتفظ بأوراق ضغط

علمت "العربي الجديد"، من مصادر خاصة، أن عدداً من أبرز معارضي طالبان الأفغانية، وهم زعيم حزب وحدة الشيعي حاجي محمد محقق والجنرال عطاء نور الحاكم السابق لولاية بلخ، شمالي أفغانستان، إلى جانب الأمين العام للجمعية الإسلامية، وصلوا إلى العاصمة الباكستانية، التي تستضيف هؤلاء وغيرهم من المعارضين لطالبان بين الحين والآخر. مع العلم أن كل اللاجئين الأفغان في باكستان مهددون بالترحيل سوى من ينتمي إلى الجبهة المعارضة لطالبان، وهم يمنحون بطاقات خاصة للعيش والتحرك داخل باكستان من دون تأشيرة ولا جواز سفر. رغم سعي كابول وإسلام أباد إلى ترميم العلاقة بينهما وتحسينها، إلا أنهما، بسبب ملفات عالقة ومتجذرة من جهة، والتباين في الأفكار والأيديولوجيا من جهة أخرى، لا تزال كل منهما تحتفظ بأوراق ضغط، ما يجعل معظم الجهود الرامية إلى تحسين الوضع غير مجدية، أو مجدية على نحو آني.

Read Entire Article