أميركا وإيران... التصفير من النفط إلى اليورانيوم

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

أصبح مصطلح "التصفير" تدريجياً تعبيراً سياسياً شائع الاستخدام في العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة. فبعد تطبيق سياسة تصفير صادرات النفط الإيراني وتصعيدها في الأسابيع الأخيرة من خلال توسيع نطاق العقوبات، يُطرح اليوم موضوع تصفير تخصيب اليورانيوم في إيران. هناك علاقة وثيقة بين الأمرين، إذ إن العمل على تصفير صادرات النفط يُعدّ وسيلة ضغط لتحقيق هدف تصفير تخصيب اليورانيوم.

بدأت استراتيجية تصفير صادرات النفط الإيراني فعلياً منذ مايو/أيار 2019. ورغم أن هذه الصادرات شهدت تقلبات صعوداً وهبوطاً، وأحياناً انخفضت إلى أدنى مستوياتها، فإنها لم تصل إلى الصفر مطلقاً. ومن الجدير بالذكر أن معنى "الصفر" هنا لا يعني أن إيران لن تستطيع تصدير حتى برميل نفط واحد يومياً؛ فذلك أمر شبه مستحيل عملياً، بل المقصود هو أن تصل صادرات النفط إلى مستوى متدنٍ لا تكفي عوائده لحل أي من مشاكل البلاد بشكل فعلي.

أما "تصفير اليورانيوم"، كما أوضح المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف في مقابلة الأحد الماضي، فيعني أن تمتنع إيران عن تخصيب ولو 1% من اليورانيوم داخل أراضيها. عادةً ما تعترض السلطات الإيرانية على تناول مثل هذه القضايا في وسائل الإعلام، بحجة أن المفاوضات تُجرى في غرف مغلقة، لا على الشاشات والإعلام. ومع ذلك، يجب تأكيد أن ما يُطرح إعلامياً لا يعني بالضرورة أنه يُناقش بالكيفية ذاتها على طاولة التفاوض، غير أنه من الخطأ أيضاً إغفال الترابط بين الساحتين، فالإعلام اليوم يُعتبر متغيراً أساسياً في أي عملية تفاوض أو حوار، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من المفاوضات وأجواء المساومة.

تشبث إدارة ترامب بتصفير تخصيب اليورانيوم، والذي تصفه إيران بأنه "خط أحمر أساسي"، قد يؤدي فعلياً إلى إطالة أمد المفاوضات

 

من وجهة نظر إيرانية، يفسر الإصرار الأميركي، وخاصة من جانب ويتكوف، على منع إيران تماماً من أي شكل من أشكال التخصيب المحلي، بأنه يهدف إلى احتواء ضغوط المجموعات الأميركية النافذة، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في منشور له مساء الأحد، إلا أن الواقع قد يتعدى هذا الهدف إلى أهداف أخرى أكثر أهمية.

وبحسب ما أفادتني به مصادر مطلعة، فقد قبلت الولايات المتحدة في الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات بشكل ما بمبدأ التخصيب داخل إيران، بل حتى أن ويتكوف نفسه صرّح بذلك إعلامياً في إحدى المناسبات. أما عن أسباب إصرار الولايات المتحدة على تصفير التخصيب في إيران، وخاصة على لسان ويتكوف، فيمكن القول إنه يعبر أولاً عن توصل إدارة دونالد ترامب إلى جدول أعمال تفاوضي أكثر وضوحاً في هذه المرحلة، بعد عدة جولات من المباحثات والمواقف المتباينة. ولا يعني ذلك أنه لا توجد أهداف ودوافع أخرى، من بينها محاولة احتواء معارضي الدبلوماسية والاتفاق مع إيران، لكن التشدد في هذا الملف بهذه الحدة من غير المرجح أن يكون لهذا السبب فقط.

كما أنه ليس من المستبعد أن يكون هذا الاتجاه ناتجاً عن توافق أوسع من كونه قراراً أميركياً صرفاً، وربما يُمثل ثمرة تفاهم مع بعض الأطراف الإقليمية، إذ إن استمرار تخصيب اليورانيوم في إيران مع رفع العقوبات معاً، سيمنح إيران ميزة كبرى في اتفاق كهذا: فهي تضمن استمرارية برنامجها النووي من جهة، وتنعش اقتصادها المتأزم من جهة أخرى، ما يعزز مكانتها الإقليمية بعد خسائر كبيرة عصفت بها في العام الأخير. وهذا أمر لا ترحب به أطراف إقليمية مثل السعودية، فرغم معارضتهم للحرب مع إيران ودعمهم للمفاوضات، إلا أن ذلك لا يعني قبولهم بأي اتفاق دون شروط، أو بصفقة قد تعيد إيران إلى واجهة المشهد الإقليمي.

 ثانياً، إن تشبث إدارة ترامب بتصفير تخصيب اليورانيوم، والذي تصفه إيران بأنه "خط أحمر أساسي"، قد يؤدي فعلياً إلى إطالة أمد المفاوضات، ما يشير أيضاً إلى أن ترامب لم يعد متحمساً مثلما كان في السابق للتوصل إلى اتفاق بأسرع وقت، وهو الحماس الذي أبداه قبل بدء المفاوضات وخلال جولتيها الأولى والثانية. لكن، لماذا لم يعد ترامب مستعجلاً؟ هناك احتمال أن يكون هو وأعضاء فريقه التفاوضي قد توصّلوا إلى قناعة بأن الاستعجال قد يفضي إلى اتفاق غير مُرضٍ لهم. كما أن تصريحات ترامب الأخيرة في السعودية حول الأوضاع الداخلية في إيران، وتقديمه تفاصيل غير مسبوقة عن أزماتها المحلية، تعكس قناعته بأن زيادة الضغط والعقوبات، إضافة إلى تفعيل آلية الزناد من الأوروبيين لإعادة فرض العقوبات والقرارات الأممية، ستضع إيران في موقف أكثر ضعفاً مستقبلاً، بحيث يتيح فرصة أفضل للمساومة وانتزاع تنازلات أكبر في الملفات الكبرى.

وأخيراً، من المعروف أن متخذ القرار الرئيسي هو ترامب نفسه، الذي تتسم مواقفه بعدم الثبات كجزء من استراتيجيته، لذا تجب مراقبة ما إذا كان إصراره على تصفير التخصيب مجرد تكتيك تفاوضي لانتزاع أكبر قدر من المكاسب، أم أنه هدف استراتيجي ثابت يمثل "خطًا أحمر" خلال التفاوض. في كلتا الحالتين، لهذا النهج معانٍ وتأثيرات خاصة على مسار المفاوضات ومستقبلها. وعلى العموم، يُتوقع أن تكون الجولة المقبلة من المفاوضات حافلة بالتوتر طبعاً، إن انعقدت، فبحسب مصادر مطلعة، لم تحسم طهران بعد مشاركتها في الجولة المرتقبة رغم تلقيها طلباً عُمانياً وموافقة أميركية، وهناك جهات إيرانية تدفع لمقاطعتها، وحتى إن انعقدت الجولة الجديدة فليس من المستبعد أن نشهد توقفاً مؤقتاً في المباحثات مستقبلاً، على غرار تباعد المواقف بشأن مسألة تخصيب اليورانيوم.

Read Entire Article