ARTICLE AD BOX
تمثل قوة العملة الوطنية، في العرف الاقتصادي، تحديًا كبيرًا للدول المصدرة، حيث يجعل ذلك منتجاتها أغلى في الأسواق الخارجية ويضعف تنافسيتها. لكن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ترى الأمر بشكل مختلف. ففي تصريحات لها يوم السبت مع صحيفة "لا تريبيون ديمانش" الفرنسية، وصفت لاغارد صعود اليورو مقابل الدولار بأنه "فرصة وليس تهديدًا"، مؤكدة أن هذه القوة تعكس استقرار منطقة اليورو وجاذبيتها ملاذًا آمنًا في زمن الأزمات العالمية.
لاغارد لم تكتفِ بهذا الوصف، بل أوضحت أن هذا الارتفاع في قيمة اليورو يأتي نتيجة فقدان الثقة بالسياسات الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا، وجعل اليورو وجهتهم المفضلة.
وقالت لاغارد للصحيفة الفرنسية: "من المدهش أن نرى في فترة من عدم اليقين، عندما كان ينبغي أن نشهد ارتفاعًا كبيرًا للدولار، حدث العكس، وارتفع اليورو مقابل الدولار". وأوضحت: "هذا الأمر يبدو غير منطقي، لكنه مبرر بسبب حالة عدم اليقين وفقدان الثقة بالسياسات الأميركية بين بعض قطاعات الأسواق المالية".
وأكدت لاغارد أن هذه التطورات تمثل "فرصة أكثر من كونها تهديدًا" وأن على القادة الأوروبيين تسريع عملية تعميق الاتحاد الأوروبي. وأضافت: "في وقت نرى فيه أن سيادة القانون والنظام القضائي وقواعد التجارة تتعرض للطعن في الولايات المتحدة، حيث أصبحت حالة عدم اليقين دائمة ومتجددة يوميًا، تُعتبر أوروبا بشكل مبرر منطقة اقتصادية وسياسية مستقرة، مع عملة قوية وبنك مركزي مستقل".
وسلطت لاغارد الضوء على "اليورو الرقمي" وسوق رأس المال الموحد قائلة: "هناك موجة أساسية أقوى من أي شيء رأيته في ست سنوات من عملي في هذا المنصب في كلا المجالين". وأضافت: "نحتاج أيضا إلى تحقيق توحيد الرقابة كما فعلنا في النظام المصرفي".
ليست لاغارد الوحيدة بين صانعي السياسات في البنك المركزي الأوروبي التي ترى أن أوروبا واليورو يعيشان فترة إيجابية. فقد قال نائبها لويس دي غويندوس إن اليورو يمكن أن يصبح بديلًا للدولار بوصفه عملة احتياط إذا كثفت أوروبا جهودها للتكامل. وبالمثل، قالت عضو المجلس التنفيذي إيزابيل شنابل يوم السبت: "لدينا الآن فرصة تاريخية لتعزيز الدور الدولي لليورو".
وفي ما يتعلق بحالة الاقتصاد الأوروبي، قالت لاغارد إنها "ليست متشائمة على الإطلاق". وأضافت: "التوظيف مستقر، القوة الشرائية تتحسن، والتضخم يتراجع". وأكدت أن "الاستهلاك والاستثمار يجب أن ينتعشا، حتى لو أن حالة عدم اليقين الناتجة عن إعلانات الإدارة الأميركية تثقل على الثقة وتبطئ من هذا التعافي".
لماذا تعتبر قوة اليورو فرصة؟
وارتفع اليورو بنسبة 10% مقابل الدولار منذ بداية عام 2025، مسجلًا أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات. وفي 22 إبريل/نيسان 2025، بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدولار 1.1510، وهو أعلى مستوى له خلال العام. وسجل اليورو أفضل أسبوع له في مارس/آذار 2025، بارتفاع بنسبة 4%، مدفوعًا بإعلان ألمانيا عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليار يورو. ويرى خبراء أن ارتفاع قيمة اليورو يجعل السلع المستوردة أرخص، ما يخفف من التضخم ويزيد من القوة الشرائية للمستهلكين الأوروبيين. ومع ارتفاع قيمة اليورو، تصبح واردات الطاقة والمواد الخام أرخص، ما يساعد الشركات الأوروبية على خفض تكاليف الإنتاج.
كما أن استقرار العملة الأوروبية يعزز من جاذبية منطقة اليورو للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن بعيدًا عن تقلبات الأسواق العالمية، خاصة في ظل التقلبات السياسية في الولايات المتحدة. قوة اليورو تشير إلى استقرار اقتصادي، ما يجذب المستثمرين. ويرى خبراء أن اليورو قد يصبح بديلًا محتملًا للدولار بوصفه عملة احتياطية عالمية إذا استمرت أوروبا في تعزيز تكاملها الاقتصادي. في إبريل/نيسان 2025، خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل سعر الفائدة على الإيداع إلى 2.25%. وأكد البنك استمراره في مراقبة التضخم لضمان استقرار الأسعار، مع الحفاظ على هدف التضخم عند 2%.
نمو منطقة اليورو
وفي الربع الأوّل من العام، كان النمو الاقتصادي في منطقة اليورو أقل بقليل من المتوقع مع تقدم إجمالي الناتج المحلي 0,3% مقارنة مع الربع السابق، وفق ما أفادت به وكالة "يوروستات". وفي تقديرات أولى نشرت في 30 إبريل، أفاد المكتب الأوروبي للإحصاءات (يوروستات) بنموّ نسبته 0,4% للبلدان العشرين في منطقة اليورو. وبقيت النسبة على حالها (0,3%) في كامل الاتحاد الأوروبي (27 دولة). ويبدو أن هذا الأداء المتين، مع أنه أتى أقل من التوقعات، عائد إلى مشتريات مسبقة من الولايات المتحدة قبل دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ في مارس/آذار وإبريل/نيسان، بحسب "فرانس برس". لكن الآفاق تبقى قاتمة للعام بمجمله.
وقد تسبّبت الرسوم الجمركية التي أعلن ترامب في تباطؤ النموّ الأميركي. وشهد إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة تراجعًا مفاجئًا في الربع الأول من العام بنسبة 0,1% مقارنة بالربع السابق. وتجري المفوضية الأوروبية مفاوضات مع واشنطن في مسعى لإلغاء الرسوم الجمركية التي تبلغ 25% على السيارات والألومينيوم والفولاذ و10% على المنتجات الأخرى. وتشهد أوروبا منذ سنتين ركودًا اقتصاديًا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا. وسيكون انتعاش النشاط المتوقع هذه السنة محدودًا جدًا.
وفي 22 إبريل، خفض صندوق النقد الدولي بـ0,2 نقطة توقعات النمو لمنطقة اليورو إلى 0,8% في سنة 2025، بعد 0,4% في 2024، بفعل التوتّرات التجارية. ويتقلص الفارق مع الولايات المتحدة التي تشهد منذ سنوات أكبر نموّ عالمي، إذ من المتوقّع أن ينكمش نشاطها الاقتصادي.
وخفّض صندوق النقد الدولي توقّعاته لأكبر اقتصاد في العالم بواقع 0,9 نقطة إلى 1,8% سنة 2025، في مقابل 2,8% العام الماضي. وتصدر المفوضية الأوروبية غدا الاثنين أحدث توقعاتها للنمو في منطقة اليورو للعامين 2025 و2026.
