ARTICLE AD BOX
تتفاوض صناديق استثمار عربية وأجنبية لشراء حصص استراتيجية في المستشفيات وشركات الأدوية الحكومية المصرية، استناداً إلى تشريع صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو/حزيران 2024 بشأن "تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، والذي أتاح تأجير المستشفيات العامة للمستثمرين لمدة 15 عاماً، بغرض تطويرها، وتحسين الخدمة العلاجية المقدمة للمواطنين، رغم المخاوف المتصاعدة التي يبديها أطباء وحقوقيون من تداعيات ذلك على المرضى وحقهم في العلاج.
في 24 مايو/أيار الماضي، نظرت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة الدعوى القضائية المقامة من المحامي الحقوقي خالد علي، بصفته وكيلاً عن عدد من الأطباء المصريين، التي طالبت بوقف فوري لقرارات خصخصة المستشفيات الحكومية لصالح مستثمرين من الخليج، والطعن على قرارات خصخصة بعض المنشآت الصحية العامة، وتم مد أجل القضية إلى الخامس من أغسطس/آب المقبل، لإضافة مطلب خاص بإلغاء تعاقد مع شركة فرنسية حصلت على حق إدارة وتشغيل مستشفى هرمل في القاهرة.
وذكرت الدعوى أن وزير الصحة خالد عبد الغفار، وموقع الهيئة العامة للاستثمار، أعلنا طرح 21 منشأة صحية من طريق منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، قبل صدور قانون تطوير المنشآت الصحية ولائحته التنفيذية، الأمر الذي يعرض مصالح الطاعنين (الأطباء) وحقوق المصريين للخطر.
وتعليقاً على الأزمة كتبت الطبيبة منى مينا المنسق العام لحركة أطباء بلا حقوق، على حسابها الشخصي في "فيسبوك": "ما كنا نحذر منه عند رفع الدعوى ضد خصخصة المستشفيات أصبح واقعاً مريراً، فمرضى الأورام الذين كانوا يتلقون علاجهم في مستشفى هرمل أصبحوا ضحايا مباشرة لهذه السياسات، بعدما تحولت طوابير الانتظار والمعاناة إلى مشهد يومي، نتيجة تسليم إدارة المستشفى لشركة خاصة أجنبية.. نحن لا نتحدث عن خدمات ترفيهية، بل عن حياة بشر، وسياسات تهدد الحق في العلاج والرعاية الصحية العامة".
وكانت نقابة الأطباء قد أعربت عن اعتراضها على القانون، مشيرة إلى أنه يهدد سلامة المواطن وصحته واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أي ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين خاصة من محدودي الدخل. كما حذرت من إمكانية استقدام نسبة من الأطباء والتمريض الأجانب من دون تقييد معين، وتحويل الخدمات الصحية من عامة إلى استثمارية، مما يؤثر سلباً على الخدمات المتاحة للمواطنين.
وتعتزم مصر طرح 160 مستشفى حكومياً في 22 محافظة من أصل 662 أمام المستثمرين خلال العامين المقبلين، ما يهدد، وفق نواب في البرلمان وأطباء وحقوقيين، عشرات الملايين من المصريين بعدم القدرة على العلاج على نفقة الدولة، وهو الحق المكفول دستورياً بموجب المادة 18 التي تعطي "الحق لكل مواطن في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة. وأن تكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها، والعمل على رفع كفاءتها، وانتشارها الجغرافي العادل".
يرى عضو مجلس النواب ضياء الدين داوود أن قانون تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين "يعكس عجز الدولة، ممثلة في وزارة الصحة، وتخليها عن دورها في القطاع الصحي، بما يمهد لتحرير أسعار العلاج في المستشفيات العامة، في وقت يعاني المصريون ظروفاً اقتصادية شديدة الصعوبة، بفعل تداعيات برنامج الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وما رافقه من موجات تضخم وغلاء".
نص القانون على أن "تسري على المنشآت الصحية محل الالتزام التشريعات ذات الصلة، والضوابط والالتزامات السارية على المنشآت الطبية الخاصة. وتحدد نسبة الأطباء، وأفراد هيئة التمريض، والفنيين الأجانب العاملين بالمنشأة الصحية محل الالتزام بقرار من الوزير المختص، بالاتفاق مع وزير العمل، وبعد أخذ رأي الجهات المعنية".
كانت الحكومة قد استبقت إصدار القانون بطرح 45 من مستشفياتها للإيجار، من بينها مستشفيات أبو تيج في محافظة أسيوط (جنوب البلاد)، والقاهرة الجديدة شرق العاصمة، وحميات الغردقة في محافظة البحر الأحمر (شرق)، وكوم حمادة المركزي في محافظة البحيرة (شمال البلاد). بينما أعلنت وزارة الصحة إتمام التأجير الفعلي لخمسة مستشفيات عامة في محافظتي القاهرة والجيزة، وهي "مبرة المعادي" و"العجوزة" و"هليوبوليس" و"زايد آل نهيان" و"أورام دار السلام".
يتزايد القلق بشأن التكتلات الاحتكارية في القطاع الطبي، الذي يشكو معظم المصريين من انفلات أسعار خدماته، بعد أن صار جاذباً بصورة كبيرة لمستثمري الخليج، نتيجة الأرباح والعوائد الضخمة التي تحققها المستشفيات الخاصة لتحتل الاستحواذات المالية في القطاع المرتبة الثانية من إجمالي القطاعات الاقتصادية المصرية.
بلغت مخصصات قطاع الصحة في موازنة الدولة للعام المالي 2024-2025 نحو 200.1 مليار جنيه (حوالي 4 مليارات دولار)، مقارنة بنحو 147.8 مليار جنيه في موازنة 2023-2024، ما يعادل نسبة 1.17% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، المقدر في الموازنة المصرية الحالية (تنقضي بنهاية يونيو/حزيران الجاري) بنحو 17.61 تريليون جنيه. في السياق نفسه، قفزت قيمة سوق الأدوية بنسبة 41% على أساس سنوي، مع انخفاض طفيف في الأحجام بنسبة 1%، وهو ما يعكس اعتماد النمو على الأسعار التي زادت بنحو 48% خلال العام الماضي، مدفوعةً بقرار هيئة الدواء المصرية الموافقة على زيادات الأسعار بداية من مايو/أيار 2024، على وقع تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار قبل نحو 14 شهراً.
وارتفعت أسعار الأدوية المصرية بناءً على طلب شركات التصنيع المحلية، بسبب تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار من نحو 31 جنيهاً إلى ما يقرب من 50 جنيهاً. فيما تدرس هيئة الدواء عدداً من مقترحات استحداث آليات جديدة للتسعير بربط سعر بيع الأدوية بالدولار أو ما يعرف بـ"السعر الحر"، بدلاً من التسعير الإلزامي الذي يجري بموجبه تثبيت أسعار الأدوية لمدة خمس سنوات.
تتبع هيئة الدواء لجنة مختصة بإعادة تسعير الأدوية، يتمثل دورها في دراسة طلبات الشركات بتحريك أسعار الدواء كل أسبوع، وإصدار موافقات زيادة سعر كل دواء على حدة، تحت ذريعة مواجهة ظاهرة نقص واختفاء الكثير من الأصناف الضرورية والأساسية من السوق المحلية. وفي نهاية 2024، زادت أسعار أكثر من 2200 صنف دوائي بما يمثل نحو 38% من إجمالي الأصناف المسجلة، بمتوسط زيادة تجاوز 50%، على أن تستكمل دورة إعادة التسعير لتشمل نحو 1600 صنف إضافي حتى نهاية 2025.
تشير توقعات "إي إف جي هيرميس"، وهي مؤسسة مالية متخصصة في تقـديم الخـدمات الاسـتثمارية، إلى أن موجة زيادات أسعار الأدوية ستمتد لتغطي السوق المصرية بالكامل بحلول النصف الثاني من 2026، إذ استفادت أسهم شركات الصناعات الدوائية المدرجة في البورصة من تحسن هوامش الربحية. وأوصت المؤسسة بشراء أسهم شركات مثل "ابن سينا فارما" و"راميدا" و"إيبيكو" الرائدة في صناعة وتوزيع الأدوية.
وسجلت ابن سينا نمواً في الإيرادات بنسبة 64% لتصل حصتها السوقية إلى 30.8%، وراميدا نمواً بنسبة 54% في الأرباح المتكررة، مع توقعات بتسارع النمو إلى 103% في 2025. أما إيبيكو فشهدت نمواً بلغ 21% في 2024، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 29% في العام الجاري. وتتوقع هيرميس أن يسجل قطاع الصناعات الدوائية معدل نمو سنوي مركب قدره 13% حتى 2029، بدعم من زيادات الأسعار بنسبة 7%، وتحسن في الأحجام بنسبة 6%. وأن تصل قيمة السوق إلى 353 مليار جنيه في 2025، مقابل 307 مليارات العام الماضي.
وبحسب تصريحات صحافية لمساعد رئيس هيئة الدواء ياسين رجائي، فإن الهيئة بصدد تحديث منظومة التسعير حتى تكون أكثر مرونة وشفافية، من دون رفع يد الدولة عن التسعير الإلزامي، حيث ستكون قواعد تسعير الدواء وآلياته أكثر مرونة وشفافية، بعد تحديث قرار ضوابط التسعير الذي يعود إلى العام 2012. وأوضح رجائي أن الهيئة تتواصل مع كل أطراف السوق من مصنعين وموزعين وصيادلة للوقوف على منظومة خاصة بتحديث آلية التسعير، مستبعداً الاتجاه نحو تحرير سوق الدواء بالكامل من التسعير الجبري. وأضاف أن المنظومة الجديدة تهدف إلى منح المزيد من المرونة والشفافية لأطراف السوق والمستهلكين في تحديد أسعار الدواء المتداول، والتنبؤ بها.
وأدرجت الحكومة شركتي تنمية الصناعات الكيماوية (سيد)، ومصر للمستحضرات الطبية، المملوكتين بالكامل إلى الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، على قائمة 35 شركة مملوكة للدولة تسعى لطرح حصص منها أمام مستثمرين استراتيجيين أو في البورصة. وأبدى مستثمرون إماراتيون وقطريون اهتماماً بالاستحواذ على حصص في الشركتين، بعد إبداء الحكومة رغبتها في بيع حصة تصل إلى 30% من كل شركة. وحقق قطاع الدواء المصري معدل نمو مركب يصل إلى 20% في السنوات العشر الماضية، وهو ما يتجاوز نمو أي سوق في أفريقيا أو الشرق الأوسط، رغم التحديات التي اعترضت القطاع محلياً في هذه السنوات، كون سوق الدواء لا يزال جاذباً لأي مستثمر خارجي بسبب ارتفاع حجم المبيعات والأرباح الصافية.
وحققت مصر نسباً جيدة من الاكتفاء الذاتي من الدواء بلغت 91.3%. وتمتلك إمكانات كبيرة في قطاع التصنيع الدوائي، من خلال ما يزيد على 170 مصنعاً 11 منها حاصلة على اعتمادات دولية في مجالات التصنيع والجودة. وتستورد مصر نحو 9% من الأدوية تامة الصنع من الخارج، خاصة اللازمة لعلاج الأورام وشلل الأطراف، والأدوية الاحتكارية للشركات الكبرى، علماً بأن شركات عديدة امتنعت عن تصنيع الأدوية رخيصة السعر، أو توقفت تماماً عن إنتاجها، مع ارتفاع تكاليف التشغيل وأزمة السيولة المالية.
