إدارة ترمب الثانية: نظرة على مشروع 2025 وتداعياته

1 week ago 17
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">دونالد ترمب خلال تجمع حاشد في ميشيغان للاحتفال بمرور مئة يوم على رئاسته الثانية (رويترز)</p>

لا يمكن لأحد أن يتهم دونالد ترمب بأنه دخل ولايته الثانية بتؤدة أو تردد؛ لم يجلس مسترخياً على كرسيه في المكتب البيضاوي، يشاهد قناة "فوكس نيوز" على شاشة تلفزيونية كبيرة، وجهاز التحكم عن بعد في يده. في غضون مئة يوم، تمكن من تسريح 12 ألف موظف فيدرالي بحجة تعزيز كفاءة القطاع الحكومي، ومن إثارة جفاء عدد لا يُحصى من الحلفاء، وهدد بغزو غرينلاند والاستيلاء على قناة بنما، وأهان فولوديمير زيلينسكي، وأبلغ كندا أنه يريدها أن تكون الولاية الـ51 (مما دفع رئيس وزرائها الجديد مارك كارني إلى تحقيق فوز تاريخي)، وفرض على أوروبا وأماكن أخرى رسوماً جمركية تؤشر إلى نهاية التجارة الحرة.

لكن ربما يكون أبرز ما في أجندته السياسية اعتماده شبه الكامل على الحكم بالأوامر التنفيذية – إذ أصدر أكثر من 140 أمراً تنفيذياً التفّ بها تماماً على الكونغرس. وشملت هذه الأوامر كل شيء من الهجرة إلى التعليم، وصولاً إلى احتجاز المتهمين في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) عام 2021. وكل ذلك في أقل من أربعة أشهر.

ومع ذلك، فإن السؤال الحقيقي هو: من ذا الذي سيُفاجَأ بعد كل هذا؟ ففي "مشروع 2025"، الخطة الشاملة والاستبدادية التي أعدتها "مؤسسة التراث" Heritage Foundation لولايته الثانية، زُوّد بدليل إرشادي واضح لكيفية الحكم. وعلى رغم أنه تبرأ من هذا المشروع خلال حملته الانتخابية قائلاً: "لم أقرأه، ولا أريد أن أقرأه"، فإن ما فعله منذ اليوم الأول يعطي انطباعاً بأنه ينفذ الخطة اليمينية الرامية إلى تقويض البنية التحتية الأساسية للحكومة الفيدرالية وتفكيكها.

لقد بدأوا فعلياً بمحو اللغة الفيدرالية المتعلقة بالهوية الجندرية والصحة الإنجابية، واستهداف مبادرات التنوع والإنصاف والشمول، وفككوا سياسات المناخ، والعمل على ملء الجهاز البيروقراطي بالموالين. وبالنسبة إلى أي متابع للسياسة الأميركية، لم يعُد "مشروع 2025" مجرد نظرية - إنه يتحقق فعلياً على أرض الواقع، وذهب أبعد مما كان يتخيله حتى واضعو الخطة أنفسهم.

كما تصاعدت التحديات القانونية، إذ تتهم الإدارة بتجاهل أوامر المحاكم، بما في ذلك حكم صادر عن المحكمة العليا بضرورة إعادة مهاجر جرى ترحيلة بصورة غير قانونية. أما البيت الأبيض، فيصر على أنه يستعيد السلطة من جهاز قضائي بيروقراطي راسخ وغير منتخب، في حين أن هذا الجهاز كان يشكل أحد أهم الضوابط والتوازنات التي وضعها الآباء المؤسسون لحماية الديمقراطية من الانزلاق إلى حكم استبدادي.

وفي الوقت نفسه، لا يزال الطابع الديني الكامن في الوثيقة واضحاً للعيان. فعززت الجهات الحكومية إجراءاتها، وأطلقت مبادرات لمحاربة التحيزات الثقافية، مثل استهداف "التحيز ضد المسيحيين"، ونفذت فرق عمل عمليات لمداهمة النوادي بحثاً عن مهاجرين لترحيلهم.

هذا هو السيناريو المثالي الذي رسمته وثيقة "التفويض للقيادة"، المؤلفة من 900 صفحة التي تُعد العمود الفقري الأيديولوجي في "مشروع 2025". لكن ترمب لم يكتفِ بتطبيق توصياتها، بل تجاوزها. فسلّم إيلون ماسك مفاتيح الحكومة الفيدرالية، وأغلق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مما أدى إلى رفع دعاوى قضائية من نقابات موظفي الحكومة الفيدرالية واندلاع احتجاجات واسعة.

يقول ديفيد كاي جونستون، الصحافي الاستقصائي الحائز على جائزة "بوليتزر" ومؤلف كتاب "صناعة دونالد ترمب" وكتاب "الوضع أسوأ مما تعتقد: ما تفعله إدارة ترمب بأميركا"، إن كتابه الثاني الذي نشر خلال الولاية الأولى لترمب، أظهر أن مسؤولي الإدارة شرعوا وقتذاك في تدمير الحكومة الفيدرالية – وهو مسعى يواصلونه في عهد ولايته الثانية.

 

ويضيف: "قال ستيف بانون [كبير مستشاري البيت الأبيض للشؤون الاستراتيجية خلال ولاية ترمب الأولى] إن مسؤولي الإدارة سيفككون الإدارة الحكومية. وهذا ما فعله مديرون أكفاء أو متحمسون مؤيدون له [ترمب] في الأماكن القليلة التي وجدوا فيها. لقد أضروا بوكالة حماية البيئة. لكن في معظم الحالات، لم يحققوا نجاحاً يذكر لأن دونالد لم يكُن يعرف ما كان يفعله".

الآن، يقول جونستون الذي يعمل حالياً أستاذاً في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، إن ترمب أصبح أكثر نجاحاً لأنه محاط بأشخاص يحلمون بتفكيك القطاع الحكومي منذ أعوام. "وهؤلاء أصبحوا الآن فريقه الهجومي."

قبل عام، كتب كارلوس لوزادا، كاتب مقالات الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "تفويض القيادة" يدعو إلى "تسييس لا هوادة فيه للحكومة الفيدرالية، فيتغلب المعينون من قبل الرئيس على المسؤولين المهنيين في كل منعطف وتُلغى الوكالات والمكاتب على أسس أيديولوجية صريحة".

وفي فبراير (شباط) الماضي، ضمن مقالة نشرتها "اندبندنت"، كتبتُ: "بعض العبارات الواردة في تلك الوثيقة صادم بحق". فهي تنص مثلاً على أن "احتياطات أميركا الضخمة من النفط والغاز الطبيعي ليست مشكلة بيئية، بل هي شريان الحياة للنمو الاقتصادي"؛ وأنه "يجب على المحافظين أن يحتفلوا بامتنان بأعظم انتصار للأسرة في جيل كامل: إلغاء حكم رو ضد وايد، القرار الذي جعل من دستورنا أضحوكة طوال خمسة عقود، وأسهم في مقتل عشرات ملايين الأطفال الذين لم يُولدوا بعد". وتضيف الوثيقة أن "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي التي تضم خدمة الأرصاد الجوية الوطنية... وغيرها من الوكالات، أصبحت من المحركات الرئيسة لما يُسمى صناعة الذعر في شأن تغير المناخ، وعلى هذا النحو، هي ضارة بالازدهار الأميركي في المستقبل".

 

ويرى "مشروع 2025" أيضاً أن على الرئيس امتلاك سلطة مطلقة على السلطة التنفيذية. لكن الجرأة التي أصدرت بها إدارة ترمب الثانية، على حد تعبير ميشيل غودوين، أستاذة القانون الدستوري في جامعة جورج تاون للقانون، أوامر تنفيذية "بطريقة مدمرة للديمقراطية" أذهلت كثيرين.

وقال جونستون إن سرعة وحجم ما وصفه بـ"الجرف الشامل" الذي يقوده ترمب غير مسبوقين. "لقد استهدف أفضل اقتصاد أداءً في العالم ودمره. وانخفضت مؤشرات أسواق الأسهم بصورة كبيرة، وعلى رغم تقلبه اليومي صعوداً وهبوطاً، فهذه ليست علامة جيدة. سترتفع معدلات البطالة. لقد حوّل الحلفاء المقربين إلى مشككين، إن لم يكونوا دولاً معادية. مستوى الجهل مروع".

واضاف: "تشكو الشركات من افتقارها إلى أي يقين في شأن ما يجري. لا أحد يستثمر. وفي هذه الأثناء، يتخبط دونالد: اليوم يفرض رسوماً جمركية، وغداً يجمدها. والرئيس [الصيني] شي جينبينغ لا يرف له جفن".

لا يقر ترمب بأي خطأ في ذلك بالطبع. وعلى رغم التراجع شبه اليومي عن برنامج الرسوم الجمركية الذي أضر بصورة مباشرة بحلفائه في تحالف "جعل أميركا عظيمة مجدداً" (ماغا)، كان أعلن في تجمع حاشد للاحتفال بمرور مئة يوم له في السلطة: "إنها مئة يوم من العظمة".

يعبر جونستون الذي درس صعود ترمب لعقود من الزمن، عن الوضع بصراحة: "يعتقد ترمب بأنه ملِكُنا. ليست لديه أية فكرة عما ينص عليه الدستور. هو رجل جاهل على نحو مروع. كان يعتقد بأن فريدريك دوغلاس [الذي ألغى عقوبة الإعدام في القرن الـ19] لا يزال على قيد الحياة، وكان يعتقد بأن فنلندا إقليم روسي".

 

يتطلب فهم السرعة التي وسمت الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي الثانية إدراك اللعبة المطولة ذات الصلة. وكثيراً ما تعلق ما يجري بتركيز السلطة. وعد ستيف بانون ذات مرة بـ"تفكيك الإدارة الحكومية". والآن يفعل فريق ترمب ذلك.

لكن في سعيهم إلى السيطرة، يعتقد جونستون بأن فريق ترمب بالغ في تقدير قوته - خصوصاً في استهدافه برنامج "ميديكيد"، وهي خطة التأمين الصحي الفيدرالية التي يستفيد منها بصورة غير متناسبة سكان الولايات المؤيدة لترمب.

وقال: "سنبدأ بسماع قصص – أم عاملة يموت طفلها بسبب التخفيضات التي أجراها الفريق في 'ميديكيد'. أو أم عزباء تقول إن زوجها مات لأن سعر الإنسولين ارتفع من 35 دولاراً إلى ألف دولار. ينطوي ذلك على غباء لأنك تصفع قاعدتك الشعبية على وجهها... هؤلاء لا يعرفون ما يفعلونه؛ إنهم مجرد فريق تدمير".

لكن مع هيمنة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ وامتثالهما الشديد، لماذا لم يكلف ترمب نفسه عناء مطالبتهما حتى بالموافقة الشكلية على تلك السياسات؟ يقول جونستون: "لأن دونالد... هو ديكتاتورنا. لماذا تذهب إلى الكونغرس عندما تعتقد بأنك تستطيع أن تحكم من خلال الأوامر التنفيذية فقط؟ جزء من الخطة التي تقف خلف الحكم عبر الأوامر التنفيذية هو إصدار عدد هائل منها بحيث لا يستطيع أحد تتبّعها. أعتقد بأن جوهر الأمر هو تجاهل المحاكم وتجاهل العملية التشريعية، والإعلان ببساطة: 'أنا وشعبي سنفعل ما نشاء’".

 

ما يقوله جونستون هو غياب أي زعم بحلول وسطى. وهذا ليس إصلاحاً للسياسات. هو تغيير للنظام. هو حملة خاطفة من الإجراءات التنفيذية المصممة لإرباك المؤسسات قبل أن تتمكن من الرد. وعندما ترد - كما فعلت المحاكم، بصورة متقطعة - يكون الرد إما التحدي أو التحايل.

والاستثناء؟ المحكمة العليا الأميركية.

في الأول من يوليو (تموز) عام 2024، أصدرت المحكمة حكماً بغالبية ستة مقابل ثلاثة، يقضي بأن الرؤساء السابقين يتمتعون بحصانة واسعة من الملاحقة الجنائية عن الأفعال التي قاموا بها أثناء توليهم المنصب. ويقول جونستون إنه لن يُفاجأ إذا أعادت المحكمة النظر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قرار الحصانة هذا لأنها لا تستطيع التعايش مع فكرة أن ترمب يدعي أنه غير ملزم اتباع أوامر المحاكم.

ويضيف: "جون غلوفر روبرتس الابن [رئيس المحكمة العليا الأميركية] رجل مؤسسات، ولا بد من أنه يعاني الأرق ليلاً بسبب الكابوس الذي يدرك أنه أسهم في خلقه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا خسر ترمب الانتخابات المقبلة عام 2028 - بافتراض أنه سيغادر البيت الأبيض، وهو أمر يشك به بعضهم - وفاز رئيس ديمقراطي بالرئاسة، يقول جونستون إن بإمكانه أو بإمكانها إلغاء جميع أوامر ترمب التنفيذية دفعة واحدة. "لكن دونالد لا يقلق في شأن ذلك. فهو لا يخطط للرحيل. لقد استغرقت روما 40 عاماً للتحول من ديمقراطية إلى ديكتاتورية. وهتلر أنجز ذلك في أقل من شهرين. ودونالد ترمب فعلها في أقل من شهر".

وخلال تجمع حاشد في ميشيغان حيث احتفل ترمب بالأيام المئة الأولى من ولايته، شن هجوماً مباشراً على "قضاة اليسار الشيوعي الراديكاليين" لمحاولتهم الاستيلاء على سلطته، محذراً من أن "شيئاً لن يوقفني".

ويقول جونستون إن تحذير ترمب أمر يجب أن نتنبه إليه: "جميع الأشخاص الذين يلبون أوامر دونالد ترمب يعرضون أنفسهم لخطر جسيم للغاية على صعيد الملاحقة الجنائية والتقاضي المدني لأن قرار الحصانة لا يشملهم".

ويختم: "لن يكون محمياً من يقوم بأعمال غير قانونية نيابة عن دونالد ترمب. وهذا يعني أيضاً أنهم سيتحمسون جداً للمساعدة في تخريب أية انتخابات مقبلة من شأنها أن تعرضهم لخطر أو في منع إجرائها".

علينا الآن الانتظار 1370 يوماً لمعرفة ما إذا كان ذلك سيحدث.

subtitle: 
إن فهم السرعة التي وسمت الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي الثانية يتطلب إدراك اللعبة المطولة التي تدار خلف الكواليس، والآن وقد بات كل شيء يحدث فعلياً، يتعين على أميركا مواجهة العواقب المترتبة على قيام طبقة ديكتاتورية جديدة
publication date: 
الأربعاء, مايو 7, 2025 - 20:15
Read Entire Article